طه العاني - الخليج أونلاين-
حظى العلاقات بين العراق والسعودية بأهمية كبيرة، حيث تمتد على مدى عقود وتشهد تطورات متنوعة، ويعتبران من أهم دول المنطقة من حيث السكان والثروات الطبيعية والتأثير السياسي.
ويسعى البلدان إلى تعزيز التعاون وتحسين العلاقات الثنائية، وذلك بغية تحقيق المصالح المشتركة ودعم الاستقرار في المنطقة، وتتنوع مجالات التعاون من التجارة والاقتصاد إلى الأمن ومكافحة الإرهاب، ومن التبادل الثقافي والتعليمي إلى العلاقات الدبلوماسية والتواصل السياسي.
وبالنظر إلى التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة، يعتبر تعزيز علاقات التعاون بين البلدين خطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار وتعزيز السلم والتنمية.
استثمارات جديدة
ومن هذا المنطلق أعرب رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في 14 فبراير الجاري، عن ترحيبه بدخول الشركات السعودية إلى السوق العراقية، معبراً عن تقديره لهذه الخطوة الاقتصادية الإيجابية.
كما أوضح السوداني خلال استقباله لوزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود، أنه من المهم "التنسيق في المواقف، وتطابق الرؤى بخصوص تنظيم سوق الطاقة، وأسعار النفط تحت مظلة منظمة أوبك، بما يضمن الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة في المنطقة والعالم، ومصالح الدول المنتجة والمستهلكة".
وشدد أيضاً على أهمية توسيع الشراكات الاقتصادية بين البلدين"، مشيراً إلى "المستوى المتقدم في العلاقات بين البلدين الشقيقين، لا سيما في مجالات الاستثمار والتنمية وإعمار البنى التحتية في قطاع الطاقة".
من جانبه أكّد الوزير السعودي رغبة بلاده بـ"المضيّ في توثيق علاقات الشراكة والتعاون الثنائية في مختلف المجالات".
وتتنوع العلاقات الاقتصادية بين العراق والسعودية في مجالات مختلفة، وخاصة في مجال الطاقة؛ حيث تم توقيع اتفاق بقيمة 27 مليار دولار خلال العام الماضي؛ بهدف تطوير محطة لتوليد الطاقة الشمسية، بمشاركة شركة توتال إنرجيز، وجرى دعوة شركة أكوا باور السعودية للانضمام إلى جزء من هذه الصفقة.
وضمن مساعي توطيد العلاقات بين البلدين أيضاً، تدرس هيئة المدن الاقتصادية السعودية إمكانية إنشاء أول منطقة اقتصادية حرة بينها وبين العراق، وذلك في المنطقة الحدودية في عرعر، والتي تقع شمالي المملكة.
ومن المقرر أن تكون هذه المنطقة خالية من الضرائب والرسوم، وأن تُعفى من تطبيق تأشيرات الدخول، بهدف تعزيز خدمات المستثمرين في البلدين وتشجيع الاستثمار المشترك.
كما تشهد منطقة الحدود الشمالية في السعودية توافر نحو 100 فرصة استثمارية جديدة تقدر قيمتها بنحو 20 مليار ريال سعودي (5.3 مليارات دولار)، يتمحور تركيز هذه الفرص الاستثمارية في قطاعات متنوعة تشمل التعدين، والصناعة، والنقل، والخدمات اللوجستية، والسياحة.
مصالح مشتركة
وخلال السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين السعودية والعراق تحسناً ملحوظاً، حيث تبادلا الزيارات الرسمية، التي جرى خلالها مناقشة تعزيز فرص التعاون القائمة والمستقبلية.
وعكست مشاركة المملكة في معرض بغداد الدولي، تحت شعار "جيرة وديرة"، المقام في 10 يناير الماضي، التطور الكبير الذي تشهده العلاقات بينهما، حيث لاقت هذه المشاركة استحسان الحكومة والشعب العراقيين.
كما دخلت العلاقات بينهما مرحلة مهمّة بعد افتتاح منفذ جديد في عرعر البري في العام 2020، واستئناف الرحلات الجوية بشكل يومي من مطار الملك عبد العزيز في جدة ومطار الأمير محمد بن عبد العزيز في المدينة المنورة، بهدف تسهيل أداء الزوار والمعتمرين لمناسكهم، إضافة إلى تنشيط الحركة التجارية الجوية وتيسير تنقل رجال الأعمال والمستثمرين.
ويعتقد الدكتور إحسان الشمري، أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، أن "تطور العلاقات العراقية السعودية يسهم بشكل كبير في تعزيز الاستقرار في المنطقة، ولاسيما أن الرؤية التي تتبعها المملكة تعتمد فلسفتها على بناء السلام وتثبيت دعائم الاستقرار في المنطقة، وبناء علاقات مترابطة سياسياً واقتصادياً".
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن "العراق يتماهى مع رؤية السعودية بشكل كبير، خصوصاً أن العراق أيضاً يبحث عن الاستقرار الداخلي الذي يمكن أن يحقق له مزيداً من الإنجازات، كما أن استقرار المنطقة سيصب في صالح العراق".
كما يرى الشمري أن "بناء علاقات وطيدة بين السعودية والعراق سيوقف التدخلات الخارجية والإقليمية، إذ إن انكفاء العراق نتيجة سياسات خاطئة ما قبل عام 2014 تسبب له بمزيد من الإخفاقات على المستوى الخارجي، وتمدد دول إقليمية في الداخل العراقي".
ويشدد أيضاً على أن "التوجه نحو السعودية سيكون بوابة جديدة، على اعتبار أن المملكة تمثل الدولة الأهم والأكبر والأكثر تأثيراً على مستوى الدول العربية، ومن ثم سيكون بوابة لمنظومة متكاملة مع بقية الدول".
كما يبيّن الشمري أن "هناك تحدياً واحداً يقف أمام تحقيق التعاون الكامل بين البلدين، يتمثل في وجود بعض الإرادات السياسية داخل العراق غير الراغبة بإقامة هذه العلاقة، وفق أجنداتهم الخاصة، حيث ينفذون رؤية خارجية في كثير من الأحيان أعاقت هذه الإرادة رغبات كثير من الحكومات".
وحول مستقبل العلاقات بين البلدين، يرى أنها "ستشهد تنامياً كبيراً، لأن هناك رغبة المتبادلة بين بغداد والرياض، فالعراق على مستوى النخبة السياسية الفاعلة في والمؤثرة يرى أن السعودية من الدول التي يمكن أن تحقق مزيداً من التقدم له، وهذا قد سيساهم مستقبلاً في تنامي العلاقة بين الطرفين".
ويلفت الشمري إلى أن "الإمكانيات التي يمتلكها البلدان قد تكون من العوامل التي ستدفع باتجاه تصاعد العلاقة المستقبلية فيما بين العراق والسعودية".