محمد أمين - الخليج أونلاين-
مع الاهتمام المتزايد الذي توليه الدول الخليجية وتحديداً المملكة العربية السعودية والإمارات، للعربات الكهربائية، يسطع في هذه الأوقات نجم مادة "الليثيوم" التي يتزايد الطلب عليها عالمياً؛ لكونها مادة رئيسة لوحدات تخزين الطاقة بالسيارات الكهربائية.
وبلغ حجم سوق السيارات الكهربائية في دول مجلس التعاون الخليجي نحو 3.5 مليار دولار خلال عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى نحو 9 مليارات دولار بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي يبلغ 19%.
وبناءً على ذلك، تخطط المملكة مع الإمارات لاستخراج "الليثيوم" والاستفادة منه، بما يتماشى مع خططهما لتنويع الاقتصاد، والتحول إلى السيارات الكهربائية، وتحقيق الحياد الكربوني.
ما أهمية "الليثيوم"؟
يُطلق على هذه المادة أسماء عديدة، منها "الذهب الأبيض" أو "نفط العالم الجديد"، وهي معدن فضي اكتسب زخماً كبيراً خلال السنوات الماضية، لدخوله في صناعات استراتيجية عديدة، كما أنه العنصر الأبرز في عملية التحول إلى الطاقة النظيفة.
وتستخدم المادة في صناعة البطاريات التي تشغل السيارات الكهربائية، وبطاريات الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وفي البطاريات غير القابلة لإعادة الشحن بالنسبة إلى الأجهزة الطبية مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب.
ويتم استخراج "الليثيوم" من الصخور الصلبة، والمسطحات المائية ذات المحتوى العالي من الملح أو الرواسب الملحية.
وما يبرز تحولها إلى مادة استراتيجية، هو قيمة سوق بطاريات الليثيوم "أيون" العالمية التي بلغت 52 مليار دولار عام 2022، وسط توقعات بأن تصل إلى 194 مليار دولار في 2030.
كما يُتوقع أن يؤدي التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة إلى زيادة الطلب العالمي على "الليثيوم" بمقدار 40 ضعفاً بحلول عام 2040.
من يملك "الليثيوم"؟
احتلت أستراليا المركز الأول في قائمة أكبر الدول المنتجة للّيثيوم في العالم، بحجم إنتاج بلغ 61 ألف طن، ما يعادل 46.9% من إجمالي الإنتاج العالمي لعام 2022، والذي بلغ 130 ألف طن.
وجاءت تشيلي في المركز الثاني بإنتاج 39 ألف طن، أي نحو 30% من الإنتاج العالمي، تلتها الصين بنحو 19 ألف طن، ما يعادل 14.6% من الإنتاج العالمي.
لكن الدول التي تمتلك أكبر الاحتياطيات من الليثيوم تختلف عن تلك المنتجة له، حيث تربعت بوليفيا على عرش القائمة باحتياطات وصلت إلى 21 مليون طن متري بنهاية 2022، تلتها الأرجنتين بـ20 مليون طن متري، وجاءت الولايات المتحدة الأمريكية ثالثاً بـ12 مليون طن.
وتبلغ احتياطيات تشيلي قرابة 11 مليون طن، تليها أستراليا والصين بنحو 7.9 و6.8 مليون طن على التوالي، وفق تقرير نشره موقع فيجوال كابيتالست، اعتمادًا على بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
خطة سعودية إماراتية مشتركة
في وقت يسعى فيه العالم للابتعاد عن الوقود الأحفوري وتسعى فيه الدول الخليجية لتحقيق الحياد الكربوني، تخطط السعودية والإمارات لاستخراج "الليثيوم" من المياه المالحة في حقولهما النفطية، وذلك عن طريق شركتي "أرامكو" و"أدنوك".
وبحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن مصادر لم تسمها في 9 مارس الحالي، فإن عملية استخراج هذه المادة ما تزال في مراحلها الأولية.
ووفق المصادر، فإنه يتم العمل على استخدام "تقنية ترشيح جديدة" بهدف حل مشكلة التركيز، حيث تتمثل المشكلة الأكبر لاستخراج "الليثيوم" من المياه المالحة بانخفاض مستويات تركيز المعدن.
لكن تقنية تصفية "الليثيوم" من المياه المالحة تتميز بأنها لا تحتاج لتوفير مناجم مفتوحة والتي عادةً ما تكون مكلفة ومضرة بالبيئة، ولا لأحواض التبخير الكبيرة (برك اصطناعية مصممة لتبخير المياه بواسطة أشعة الشمس)، كتلك التي تستخدمها أستراليا وتشيلي الرائدتان في هذا المجال.
تجربة سابقة مستمرة
وقبل نحو 5 أشهر، ومع احتدام المنافسة على هذا المعدن بين الولايات المتحدة والصين، أعلنت شركة التعدين العربية السعودية "معادن"، التي تعد أكبر شركة تعدين في الخليج، أنها تعمل على استخراج "الليثيوم" من مياه البحر.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة روبرت ويلت، في تصريح لـ"رويترز" في أكتوبر 2023، إن المبادرة التي يعملون عليها تتضمن استخراج "الليثيوم" و"بعض الأشياء الأخرى"، وأضاف أنه لا يوجد شيء على نطاق واسع، والعمل في مراحله التجريبية.
ولفت إلى أن "معادن" تحاول أن تنأى بنفسها عن الصراع بين واشنطن وبكين المتعلق بـ"الليثيوم"، و"تقوم بما هو أفضل للمملكة".
وأشار ويلت إلى أن المملكة تعمل على تطوير صناعة السيارات الكهربائية، الأمر الذي يتطلب تأمين مواد للبطاريات، ورجح حينها، الحاجة إلى الحصول عليها من الخارج؛ لعدم إمكانية استخراج تلك المواد في الوقت المناسب.
ما الهدف السعودي؟
تعتبر السيارات الكهربائية في السعودية جزءاً من "رؤية 2030" للتحول الاقتصادي والتنمية المستدامة؛ لدورها في الحفاظ على البيئة وتوفير الطاقة، ما يعزز خططها للحياد الكربوني والاعتماد على الطاقة النظيفة، لذلك تسعى إلى استخراج "الليثيوم".
واتخذت المملكة خطوات كبيرة في هذا الإطار، أبرزها إطلاق أول علامة تجارية لصناعة السيارات الكهربائية بالسعودية "سير" في نوفمبر 2022.
كما أسست "شركة البنية التحتية للسيارات الكهربائية" في أكتوبر من العام الماضي، بهدف تطوير بنية تحتية عالية الجودة لدعم خدمات الشحن السريع لتلك السيارات في مختلف المدن.
وبحسب إحصاءات رسمية صدرت في أغسطس 2023، فإن المملكة استوردت 71.209 ألف سيارات كهربائية، 13.958 ألفاً منها في عام 2022.
وتسعى المملكة إلى صناعة أكثر من 500 ألف سيارة كهربائية بحلول عام 2030، وفق تصريح لوزير الاستثمار خالد الفالح، نهاية العام 2022.
إلى ماذا تسعى أبوظبي؟
تعد السيارات الكهربائية في الإمارات واحدة من أهم الركائز التي تعول عليها أبوظبي في خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050؛ الأمر الذي دفع الحكومة في 3 يوليو من العام الماضي، إلى اعتماد "السياسة الوطنية للمركبات الكهربائية".
وتمثل هذه السياسة نقلة نوعية للدولة نحو المستقبل، وتعزيزاً لتنافسيتها في مجال المركبات الكهربائية، حيث تهدف إلى زيادة نسبة السيارات الكهربائية في الإمارات، لتصبح 50% من إجمالي المركبات بحلول 2050، وفق تصريح لوزير الطاقة سهيل المزروعي، العام الماضي.
وشهدت دبي إطلاق مبادرة "الشاحن الأخضر" للسيارات الكهربائية عام 2014، لدعم تحول الإمارة إلى الطاقة النظيفة والتقليل من الانبعاثات الكربونية التي تخلفها السيارات التقليدية، محققةً أرقاماً قياسية.
وازداد استخدام المركبات الكهربائية في دبي بشكل كبير منذ عام 2015، حيث بلغ عددها حتى ديسمبر الماضي نحو 25.929 مركبة، ووصل عدد المسجلين في مبادرة الشاحن الأخضر للمركبات الكهربائية إلى 13.959 ألف متعامل مع نهاية ديسمبر 2023.
وأجرت المركبات الكهربائية المسجلة في المبادرة، أكثر من 1.145.427 مليون عملية شحن، لتحقق نمواً بنسبة 59% مقارنة بعام 2022، ومن المتوقع أن يصل عدد محطات الشحن إلى ألف بحلول 2025.
كما من المتوقع أن ينمو سوق السيارات الكهربائية في الإمارات بمعدل سنوي مركب، قدره 30% حتى عام 2028، وفق تقرير صدر عن مؤسسة "كوبير ذا ماركت" الأسترالية في أغسطس الماضي.