صباح نعوش - البيت الخليجي للدراسات-
تلعب الصناديق السيادية الخليجية دوراً اقتصادياً في غاية الأهمية بسبب ضخامة أصولها التي تعادل ثلث أصول الصناديق السيادية في العالم. وتتنوع ميادين أنشطة هذه الصناديق في مختلف أنحاء العالم لا سيما في البلدان الصناعية، لكن أرباحها لا تتناسب مع هذه الضخامة.
وتحتل الصناديق الخليجية مكانة عالمية مرموقة، فقد أحرز جهاز أبو ظبي للاستثمار المرتبة الرابعة بعد صندوق للنرويج وصندوقين للصين. وتعادل أصول هذا الجهاز الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية الواقعة في أفريقيا، تليه في المرتبة الخامسة الهيئة العامة للاستثمار الكويتية، وفي المرتبة السادسة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ثم في المرتبة التاسعة جهاز قطر للاستثمار.
الجدول تركيب أعده المؤلف لغرض هذه المقالة انطلاقاً من بيانات معهد صناديق الثروة السيادية. مليار دولار.
وتبلغ أصول الصناديق الخليجية 3974.1 مليار دولار أي ما يعادل 32.3% من أصول الصناديق السيادية في العالم، وهذا المبلغ يفوق الناتج المحلي الإجمالي لجميع البلدان العربية.
خلال الفترة المذكورة في الجدول ارتفعت أصول الصناديق في العالم بنسبة 68.6% مقابل زيادة قدرها 54.0% في الخليج. سجلت دبي زيادة قدرها 214.7% وقطر 95.7% مقابل 58.0% في أبو ظبي و35.6% في الكويت و16.2% فقط في السعودية.
المكانة الاقتصادية
تختلف أهمية الدور الاقتصادي للصناديق الخليجية من بلد إلى آخر. في البحرين، تشكل أصول صندوقها 39% من الناتج المحلي الإجمالي وهي النسبة الأضعف بين دول الخليج، ثم ترتفع قليلاً إلى 41% في عُمان وتبلغ في السعودية نحو 70%. تزداد النسبة في قطر زيادة هائلة قدرها 212% وهذه النسبة من أعلى المعدلات في العالم. وتعادل أصول الصندوق الكويتي 459% من الناتج المحلي الإجمالي.
وللإمارات وضع خاص، فهي تملك عدة صناديق. هنالك صندوق واحد للدولة الاتحادية وهو جهاز الإمارات للاستثمار، ولكل إمارة صندوقها أو صناديقها. لدى أبو ظبي ثلاثة صناديق: جهاز أبو ظبي للاستثمار وأبو ظبي القابضة ومبادلة، وعلى هذا الأساس يصبح مجموع أصول صناديق الإمارات 1829 مليار دولار أي 360% من الناتج المحلي الإجمالي. وأما علاقة أصول الصندوق بالناتج المحلي الإجمالي لكل إمارة فهي 265% في دبي و569% في أبو ظبي.
كما يمكن التعرف على الأهمية الاقتصادية من خلال حصة الفرد في أصول الصندوق أي حاصل قسمة الأصول على عدد السكان.
تبلغ هذه الحصة 10 آلاف دولار في عمان و12 ألف دولار في البحرين و21 ألف دولار في السعودية، وترتفع النسبة إلى 185 ألف دولار في قطر و191 ألف دولار في الكويت و194 ألف دولار في الإمارات.
لكن التركيبة السكانية في الخليج تتسم بزيادة عدد الأجانب. وإذا اقتصر الحساب على المواطنين فسوف تصل الحصة الفردية إلى أضعاف تلك المبالغ، على سبيل المثال، ستبلغ حصة الإماراتي في أبوظبي نحو 1.8 مليون دولار.
من زاوية أخرى، للصناديق الخليجية دور في تحسين معدلات النمو ودعم مالية الدولة، كما تسهم في خلق فرص عمل داخل بلدانها وخارجها. هذا وتكمن الأهمية الاقتصادية للصناديق الخليجية في أنشطتها على الصعيد العالمي.
الأنشطة الخارجية
تستثمر الصناديق الخليجية، خاصة العملاقة منها، في عدد كبير من البلدان إضافة إلى استثماراتها المحلية. ويتركز الجزء الأكبر منها في الولايات المتحدة وأوروبا. كما ويمكن ملاحظة أن نصف استثمارات جهاز أبو ظبي تتركز في الولايات المتحدة.
وتهتم الاستثمارات الخليجية بمختلف القطاعات كالصناعات التحويلية والخدمات، ولها حصص في عشرات الآلاف من الشركات في العالم. وتتخذ استثمارات دول الخليج شكلين: استثمارات الدخل الثابت وهي سندات الحكومات وأذونات الخزينة، والاستثمارات البديلة كالعقارات والبنية التحتية.
وفيما تفضل بعض الصناديق الشكل الأول الذي يدر ربحاً ثابتاً إلى حد ما لكنه ضئيل ويعتمد على مستوى أسعار الفائدة، هناك صناديق تفضل الشكل الثاني لأن ربحه أعلى لكن مخاطره أكبر.
وقد تتمخض عن الاستثمارات البديلة خسائر فادحة. في 2008 اشترت شركة مبادلة التابعة لإمارة أبو ظبي مبنى كرايسلر في نيويورك بمبلغ 800 مليون دولار لأسباب تتعلق بأزمة العقارات الأمريكية وببعض النفقات، وكذلك بإدارة الاستثمار اضطر الصندوق إلى بيع المبنى في 2019 بمبلغ 150 مليون دولار.
نلقي هنا نظرة سريعة على بعض الاستثمارات الخارجية:
لجهاز قطر للاستثمار 6% من شركة ايرباص الأوروبية و17% من شركة فولكس فاكن الألمانية، و6% من بنك باركليز البريطاني. و13% من مجموعة لاكاردير الفرنسية. وللهيئة العامة للاستثمار الكويتية 23% من سلسلة فنادق فيكتوريا السويسرية، و5% من شركة مرسيدس بنز الألمانية.
ولصندوق الاستثمارات العامة السعودي 80% من نادي نيوكاسل البريطاني و60% من شركة لوسد كروب الأمريكية لصناعة السيارات الكهربائية. وله حصص في مجموعة أكورأنفست الفرنسية للفنادق وشركة أوبر الأمريكية لتقنية المعلومات وشركة توي اليابانية للأفلام.
العلاقة بميزانية الدولة
للصندوق السيادي علاقة بميزانية الدولة من زاويتين: مساهمة الميزانية في زيادة الأصول والسحب منه لصالحها.
جهاز أبو ظبي للاستثمار: وفق الرؤية الاقتصادية 2030 تعمد أمارة أبو ظبي في إدارة ميزانيتها على “السياسة الصفرية للعجز”. أي أن الصندوق يتولى تمويل الميزانية في حالة عجزها وتقوم الميزانية بدعم الصندوق في حالة الفائض.
صندوق الاستثمارات العامة السعودي: حسب المرسوم الملكي رقم 92 لسنة 1440هـ تتكون موارد الصندوق السعودي من عوائد استثماراته والقروض التي يعقدها ومساهمة الدولة. ولا توجد في المرسوم نصوص تنظم السحب منه أو تمويله. تتمتع الحكومة إذن بصلاحيات واسعة بهذا الشأن.
الهيئة العامة للاستثمار: ينظم القانون الكويتي رقم 18 لسنة 2020 بصورة مفصلة ودقيقة علاقة صندوق الأجيال القادمة بميزانية الدولة. ويحدد مجلس الوزراء مبلغ تمويل الصندوق شريطة أن تكون ميزانية الدولة في حالة فائض وأن تسمح بذلك حالة الاحتياطي النقدي، كما يشترط القانون صدور الحساب الختامي للميزانية، أما السحب من الصندوق لأغراض تغطية العجز المالي فهو ممنوع منعاً باتًا.
وعلى هذا الأساس يتم سد العجز المالي عن طريق الاحتياطي النقدي فقط، إذ لا يوجد في الكويت حالياً قانون يسمح للحكومة بالاقتراض.
صندوق الأجيال القادمة: إلى جانب ممتلكات للبحرين يوجد صندوق سيادي آخر مخصص للأجيال القادمة. وحدد القانون رقم 28 لسنة 2006 المعدل بتاريخ 2022 المبالغ التي ترصد للصندوق سنوياً وبصورة دقيقة. ربط تمويل الصندوق بسعر برميل النفط المصدر. كلما كان السعر مرتفعاً زاد التمويل، فإذا تراوح السعر بين 40 و50 دولاراً يرصد للصندوق دولار واحد عن كل برميل. ويرتفع المبلغ تدريجياً ليصل إلى ثلاثة دولارات إذا تجاوز سعر البرميل 120 دولارًا.
نلاحظ أن القانون البحريني على عكس القانون الكويتي لا يستوجب أن تكون الميزانية في حالة فائض، ولا يضع شرطاً يرتبط بحالة الاحتياطي النقدي.
على الصعيد العملي ترصد الميزانية سنوياً حوالي عشرين مليون دينار للصندوق. في عام 2020 ورغم الضائقة المالية استمرت المنامة بتخصيص عشرين مليون دينار لكنها في الوقت نفسه سحبت منه 170 مليون دينار لمواجهة عجز الميزانية. انه مبلغ ضخم يمثل حوالي نصف أصول الصندوق.
شفافية الحسابات المالية
تتسم غالبية الصناديق الخليجية بضعف الشفافية. لكن من خلال التقارير المتوفرة لدى بعضها يمكن استنتاج ما يلي:
مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية: في 2021 بلغت إيرادات المؤسسة الإجمالية نحو 169.0 مليار درهم والتكلفة بما فيها الضرائب 158.9 مليار درهم. تحقق إذن ربح قدره 10.1 مليار درهم. في 2022 ارتفعت الإيرادات إلى 267.0 مليار درهم كما تصاعدت التكلفة إلى 230.9 مليار درهم. وعليهن ازداد الربح ليبلغ 36.1 مليار درهم.
تعود هذه النتيجة الإيجابية إلى تحسن قطاعات النقل والنفط والعقارات وزيادة إنتاج الألمنيوم. واستمر هذا الاتجاه في النصف الأول من عام 2023 حيث بلغت الأرباح 28.2 مليار درهم.
ممتلكات البحرينية: في 2020 سجلت شركة ألبا التابعة لصندوق ممتلكات البحريني والمنتجة للألمنيوم خسائر فادحة بسبب تداعيات كورونا وانعكست هذه النتيجة السلبية مباشرة على الصندوق. وهكذان وصلت خسائره إلى 528 مليون دينار. تحسنت الأحوال في 2021 وبلغت الإيرادات 2170 مليون دينار والتكلفة 1841 مليون دينار، أي أنه تم تحقيق ربح وقدره 329 مليون دينار.
وفي 2022 ارتفعت الإيرادات إلى 2662 مليون دينار لكن التكلفة وصلت إلى 2715 مليون دينار. وبالتالي بلغ حجم الخسارة نحو 53 مليون دينار.
صندوق الاستثمارات العامة: في 2021 بلغت الإيرادات الإجمالية للصندوق السعودي 228.2 مليار ريال. والتكلفة بما فيها الضرائب 142.5 مليار ريال. وعليه، حقق الصندوق أرباحاً تقدر بـ 85.7 مليار ريال. في 2022 انخفضت الإيرادات الإجمالية إلى 165.0 مليار ريال غير أن التكاليف ارتفعت لتصل إلى 179.7 مليار ريال، وبالتالي سجل الصندوق خسارة قدرها 14.7 مليار ريال. ولابد من الإشارة إلى أن قسطاً من هذه الخسارة يعود إلى تراجع قيم الأسهم بسبب تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.
الأرباح الصافية مقارنة بالأصول ضئيلة لا تتجاوز 5.0% في البحرين و2.9% في كل من دبي والسعودية.
لدول مجلس التعاون صناديق سيادية عملاقة تمثل بلا شك أحد أبرز أوجه قدرتها الاستثمارية والمالية وكذلك السياسية.
لكن أرباحها منخفضة بل تعاني أحياناً من الخسائر والديون. كما تسجل الميزانية في غالبية هذه الدول عجزاً مزمنًا، وينعكس تفاعل هذه المؤشرات على أصول الصناديق التي باتت تزداد بمعدل يقل عن المعدل العالمي.