يوسف حمود - الخليج أونلاين-
شهد العالم في الآونة الأخيرة مساعي حثيثة من جانب عدد كبير من الدول لإبرام اتفاقيات تجارة حرة ثنائية، وهي المعروفة باسم اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة.
وكانت الإمارات من ضمن تلك الدول، حيث تبحث عن طرق جديدة تساهم في تحقيق أهدافها وخططها الاقتصادية، بعدما وجدت في الشراكات مع الدول التي تعد من ضمن الأسواق الاستراتيجية العالمية، هدفاً رئيساً لها ضمن رؤيتها الاقتصادية 2030، وضمن "وثيقة الخمسين".
وتعد الاتفاقية مع كولومبيا وكوستاريكا أحدث إضافة إلى برنامج الشراكات الاقتصادية الشاملة في الإمارات، فهل ستجني الإمارات فائدة من الشراكات الشاملة مع دول مختلفة؟
شراكة مع كولومبيا
بعد يوم من توقيعها اتفاقية مع كوستاريكا، وقعت الإمارات اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع كولومبيا (18 أبريل 2024)، بحضور الرئيس الإماراتي محمد بن زايد ونظيره الكولومبي غوستافو بيترو أوريغو عبر تقنية الاتصال المرئي.
وقال الرئيس الإماراتي، عبر منصة "إكس"، إن توقيع الاتفاقية يأتي في إطار نهج بلاده الثابت في بناء الشراكات التنموية مع مختلف دول العالم، مضيفاً أنها تمهد لانطلاق حقبة جديدة من التعاون البنّاء والنمو الاقتصادي المشترك.
من جهته قال الرئيس الكولومبي: "إنني أحتفي بفتح هذه الآفاق الجديدة"، مضيفاً أن "موانئ دولة الإمارات وموانئ كولومبيا يمكنهما أن تتواصلا من خلال شعبيهما وتتحدا في صداقة وتضامن ومحبة بما يعود بالخير على الجميع".
وفق ما نصت عليه الاتفاقية، فإنها بالأساس تهدف إلى تعزيز التدفقات التجارية البينية عن طريق خفض التعريفات الجمركية، وإزالة الحواجز التجارية، وتحسين الوصول إلى الأسواق لكل من صادرات السلع والخدمات، مع فتح مسارات للاستثمار والمشاريع المشتركة في قطاعات مثل الطاقة والبيئة والسياحة والبنية التحتية والزراعة وإنتاج الغذاء.
ومع كوستاريكا
وقبلها بيوم، وقعت الإمارات اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع كوستاريكا، هي الأولى للأخيرة في الشرق الأوسط، وذلك بحضور الرئيس الإماراتي، ونظيره الكوستاريكي رودريغو تشافيس روبلز، عبر تقنية الاتصال المرئي.
وحينها علق الرئيس الإماراتي قائلاً: إن الاتفاقية "تدشن مرحلة جديدة من العمل المشترك لتعزيز خطط التنمية الشاملة في البلدين"، مشيراً إلى أنها تجسد النهج الثابت لدولة الإمارات في مد جسور التعاون مع مختلف دول العالم التي تشاركها رؤيتها في بناء مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.
فيما أكد الرئيس الكوستاريكي أن الاتفاقية "تعد الأولى من نوعها لكوستاريكا مع دولة في منطقة الشرق الأوسط"، معرباً عن ثقته بأن هذه الشراكة الاقتصادية ستوفر كثيراً من فرص التجارة والاستثمار بما يعزز رخاء الشعبين وازدهارهما".
وتهدف الاتفاقية إلى "بدء حقبة جديدة من التعاون، بما يعزز التدفقات التجارية بين البلدين، كما أنها تتيح فرصاً استثمارية طموحة، خاصة في القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للبلدين".
في أمريكا الجنوبية أيضاً، اتفقت الإكوادور مع الإمارات، الثلاثاء (23 أبريل)، على إطلاق محادثات للتوصل إلى اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة.
واعتبر وزير الدولة للتجارة الخارجية الإماراتي، ثاني بن أحمد الزيودي، الشراكة مع الإكوادور "إضافة مهمة لبرنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، وتهدف لتعزيز التجارة غير النفطية التي ارتفعت 76% لتتجاوز 675 مليون دولار في 2023، وتعظيم الفرص بالقطاعات الحيوية بما يشمل الطاقة المتجددة والتعدين وغيرهما"، بحسب ما نقل موقع "العربية".
وفي أعقاب الاتفاقية مع كولومبيا، ذكر الزيودي أن الشراكة الاقتصادية الشاملة ستمنح الإمارات وصولاً واسعاً للسوق الكولومبية وأسواق أمريكا الجنوبية ككل، "ومن ثم فهي تخفض أو تلغي الرسوم الجمركية وتعزز الوصول إلى الأسواق وتمكّن المشاريع المشتركة".
وذكر أن الاتفاقية تفتح مسارات جديدة للاستثمار في مجالات تضم الطاقة والتكنولوجيا المتقدمة والرعاية الصحية والسياحة والبيئة، كما توفر مجموعة من الفرص الواعدة للقطاع الخاص في الإمارات.
وبيّن أن الاتفاقية مع كولومبيا "تتيح ربط الشركات الصناعية والمستثمرين والمصدرين في الإمارات برابع أكبر اقتصاد في قارة أمريكا الجنوبية، كما أنها تنطلق من قاعدة صلبة من التجارة البينية غير النفطية المزدهرة والتي وصلت إلى 553.1 مليون دولار عام 2023، بارتفاع قياسي بلغ 43% مقارنة بعام 2022، وأكثر من ضعف الإجمالي الذي شهده عام 2021، ويبرز ذلك حجم الفرص التي ستوفرها اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة".
سياسة الاقتصاد الانفتاحية
يرى الكاتب والمحلل الاقتصادي، سعيد خليل العبسي، أن توقيع الإمارات للاتفاقيات يأتي "ضمن سياستها الاقتصادية بالانفتاح على كل دول العالم، وخاصة في أمريكا الجنوبية، لإقامة أفضل العلاقات الاقتصادية والاستثمارية".
كما يؤكد العبسي أن ذلك يأتي "لتحقيق الفائدة للاقتصاد الإماراتي، وتوسيع وتنشيط علاقات الدولة الاقتصادية في أسواق جديدة ونامية، منها كولومبيا وكوستاريكا وغيرها".
وأضاف: "كما يأتي تجسيداً للجهود التي تبذل من أجل تنويع ناتجها المحلي، حيث إن التجارة غير النفطية بين الإمارات وكوستاريكا نمت نمواً مطرداً، وارتفعت إلى ما نسبته 23% عام 2023، لتصل إلى حوالي 61 مليون دولار".
ويلفت إلى أن كل ذلك "نتاج جهود كبيرة بذلت على مدار عشرات السنين في اتجاه تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، وتسهيل كل الأمور المتعلقة بإجراءات الاستثمارات بمختلف وجوهها، خصوصاً أنها جاءت في المرتبة الثانية عربياً والـ17 عالمياً في مؤشر التنافسية العالمي".
وأشار إلى أن اقتصاد الإمارات بالأساس "قائم على قاعدة الاقتصاد الحر وتنشيط وتحفيز الاستثمارات الأجنبية، بعدما باتت تحتل المراتب الأولى في جذبها للاستثمارات الأجنبية، وحازت مليارات الدولارات من ذلك، وهو ما ساهم في نمو وتطور الإمارات".
اتفاقيات الشراكة
في سبتمبر من عام 2021، وبالتزامن مع مرور 50 عاماً على تأسيس الإمارات، أعلنت أبوظبي عن الحزمة الأولى لمشاريع ومبادرات استراتيجية ضمن "مشاريع الخمسين"، شملت "إطلاق اللجنة العليا للشراكات الاقتصادية العالمية".
وإلى جانب الدولتين الأخيرتين، سبق أن نجحت الإمارات في إبرام اتفاقيات مع كل من الهند وإندونيسيا و"إسرائيل" وتركيا وكوريا الجنوبية وكمبوديا وجورجيا وموريشيوس والكونغو برازافيل، وقد دخلت الاتفاقيات الأربع الأولى حيز التنفيذ بالفعل، وستتلوها الاتفاقيات الأخرى تباعاً.
وأعلنت أيضاً، في أواخر فبراير الماضي، التوصل إلى اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع كينيا؛ تمهيداً للتوقيع عليها رسمياً في وقت لاحق لم يتم تحديده.
وترى الدولة الخليجية أن هذه الاتفاقيات والشراكات "تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وضمان تنافسيته عالمياً، وفي الوقت نفسه تمكين وتنمية الاستثمارات الإماراتية الصادرة لجميع أسواق العالم".
وتعتبر مثل هذه الاتفاقيات وسيلة للوصول إلى غايات أكبر، مثل تكوين تكتلات سياسية اقتصادية أقوى؛ كما فعلت دول الاتحاد الأوروبي التي وصلت لمرحلة السوق المشتركة.
كما أن مثل هذه الاتفاقيات تعني خلق مزيد من فرص العمل التجاري واستخدام أكثر كفاءة لمصادر الثروة الطبيعية.