طه العاني \ الخليج أونلاين
تزايدت في السنوات الأخيرة أهمية الصناديق السيادية؛ لدورها الحيوي في تعزيز الاستقرار المالي وتنمية الاستثمارات على مستوى العالم، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن التقلبات الاقتصادية.
وأصبحت الصناديق السيادية الخليجية من أبرز اللاعبين في هذا المجال، مستفيدةً من ثروات النفط والغاز الضخمة التي تمتلكها.
حضور ونشاط
تُعدّ الصناديق السيادية أداة استراتيجية لدول الخليج في سبيل تعزيز النمو الاقتصادي بعيداً عن الاعتماد التقليدي على النفط.
ووفقاً للتقديرات الأخيرة، كشف الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي، لصحيفة "الشرق الأوسط"، أن هذه الصناديق تستحوذ على نحو 33% من إجمالي الأصول السيادية العالمية، ما يعكس حجم تأثيرها الكبير على الاقتصاد العالمي والسياسات الاستثمارية لدول الخليج، مثل السعودية، والإمارات، وقطر، ويضعها في مقدمة القوى المالية عالمياً.
وقد بلغت القيمة السوقية في الاستثمار الخارجي للدول الأعضاء 3.2 تريليونات دولار، وفقاً لما صرح به البديوي.
ومن جهتها، أفادت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأمريكية بأن صناديق الثروة السيادية في الخليج تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في نشاطها الاستثماري، مما يرسّخ مكانتها كمحرك أساسي للصفقات العالمية ويزيد من قدرتها على جذب الكفاءات.
وتشير بيانات شركة "غلوبال إس دبليو إف" إلى أن هذه الصناديق، التي تقدر أصولها بنحو 4.9 تريليونات دولار، ضخت خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، نحو 55 مليار دولار عبر 126 صفقة، مما يشكل نحو 40% من إجمالي الصفقات العالمية التي نفذها مستثمرون مدعومون حكومياً.
وقد توزعت معظم هذه الاستثمارات بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى جانب تعزيز التوجه نحو الصين، التي استحوذت على استثمارات خليجية بقيمة 9.5 مليار دولار في العام الماضي.
وتتوقع "بلومبيرغ" أن يصل إجمالي أصول هذه الصناديق إلى 7.3 تريليونات دولار بحلول عام 2030، ما يعكس نمواً بنسبة 49% عن مستويات 2024، رغم تراجع التوقعات السابقة التي بلغت 7.6 تريليونات دولار.
وذكرت مجلة "غلف بزنس" في أغسطس الماضي، أن الصناديق السيادية الخليجية تستخدم جزءاً من تدفقاتها المالية المتزايدة لتوجيهها نحو استثمارات استراتيجية في اقتصادات متقدمة وناشئة عبر الأمريكيتين، وأوروبا، وآسيا.
وأوضح التقرير أن الصناديق الخليجية سجلت أعلى مستوى من حيث إبرام الصفقات العالمية منذ 15 عاماً، إذ تجاوزت قيمة الاستثمارات 38 مليار دولار عبر 58 صفقة خلال النصف الأول من العام الجاري.
وأشار التقرير أيضاً، إلى أن هذا التوجه يعكس تغيراً جوهرياً في المشهد الاستثماري العالمي، حيث مثلت الصناديق السيادية الخليجية، خاصةً صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهيئة أبوظبي للاستثمار، وجهاز قطر للاستثمار ما يقارب 54% من إجمالي الاستثمارات الخارجية للصناديق السيادية العالمية، والتي بلغت قيمتها 96 مليار دولار منذ بداية العام، وهو أعلى مستوى منذ عام 2009.
وبدوره، قال المدير الإداري لـ"غلوبال إس دابليو إف"، دييغو لوبيز، في تقرير له: "رغم أن ضبابية السوق دفعت صناديق الاستثمار العالمية إلى التزام الحذر، فصناديق استثمار دول الخليج، وبالأخص تلك التابعة لحكومة أبوظبي، حققت أرباحاً مفاجئة كبيرة من النفط، وأصبحت حالياً أكثر نشاطاً من أي وقت مضى".
ويأتي في مقدمة الصناديق الخليجية، "جهاز أبوظبي للاستثمار" الذي يمتلك أصولاً بقيمة تقارب 993 مليار دولار، و"الهيئة العامة للاستثمار" الكويتية التي تحوز نحو 800 مليار دولار، والصندوق السيادي السعودي بأصول تبلغ نحو 700 مليار دولار، إضافة إلى جهاز قطر للاستثمار بأصولٍ قيمتها تتجاوز 526 مليار دولار، وشركة دبي للاستثمارات الحكومية بأكثر من 360 مليار دولار.
قوة اقتصادية وسياسية
ويقول الكاتب والمحلل الاقتصادي سعيد خليل العبسي، إن دول الخليج العربي تمتلك ثروة نفطية هائلة، كان من نتيجتها ثروة مالية هائلة منذ عشرات السنين، ولهذا كان لابدّ لها من تخصيص جزء مهم من هذه الثروة ووضعة في صناديق سيادية لمستقبل الأجيال القادمة.
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن هذه الصناديق بما لديها من أموال ضخمة فهي تبحث عن مجالات الاستثمار في مختلف دول العالم، وفي مختلف مناحي وأنواع الاستثمارات المتاحة والممكنة والمناسبة من حيث المخاطرة والعائد.
ويوضح العبسي أن هذه الاستثمارات وعوائدها الضخمة، تمثل عنصراً مهماً في تشكيل مستقبل الاقتصاد الخليجي، ليس فقط على صعيد العوائد المالية، بل في تعزيز قوة حضور هذه الدول على الساحة الدولية اقتصادياً وسياسياً.
ويلفت المحلل الاقتصادي إلى أن الصناديق السيادية الخليجية تهدف أيضاً إلى تمكين الأجيال القادمة لمواصلة عجلة التنمية على المدى الطويل ومختلف مناحيها.
ويشير العبسي إلى سياسات استثمار هذه الصناديق، التي تعتمد على مجموعة من الإجراءات والأصول المالية والاقتصادية، والعمل على إيجاد تنوع مناسب ومعقول في مجالات الاستثمار وفي أمكنة الاستثمار، لتفادي أية مخاطر غير محسوبة.
أهمية كبرى
تتمتع الصناديق السيادية الخليجية بقدرة على اتخاذ قرارات استثمارية ضخمة، ما يسمح لها بالمساهمة في إنقاذ شركات ودعم اقتصادات أثناء الأزمات، كما حدث أثناء أزمة 2008 وجائحة كورونا.
على سبيل المثال، قامت هذه الصناديق بدعم قطاعات متأزمة كالنقل الجوي، حيث قُدّر الدعم المقدم لشركات الطيران العالمية بنحو 20 مليار دولار، ما ساعد في استمرارية الخدمات رغم التحديات الكبيرة.
وتوظف هذه الصناديق حالياً -وفق وكالة بلومبرغ- نحو 9 آلاف شخص بمعدل 550 مليون دولار من الأصول لكل موظف، بينما تدير المكاتب العائلية الخاصة لأفراد العائلات الحاكمة ما يقرب من 500 مليار دولار، ويعمل فيها حوالي ألف موظف.
ومع إضافة كيانات سيادية أخرى مثل البنوك المركزية وصناديق المعاشات، يرتفع إجمالي العاملين في هذا القطاع إلى نحو 20 ألف عامل، وبسبب تغيرات في سياسات التوظيف، بدأت هذه الصناديق في جذب المزيد من الكفاءات الدولية التي تجد فرصاً فريدة للعمل على صفقات ضخمة قد لا تتوفر في بلدانهم الأصلية.
كما تدفع أهمية الدور المتنامي لهذه الصناديق في الأسواق العالمية شركات استشارية ومديري أصول دوليين لافتتاح مكاتب إقليمية في المنطقة، فيما تعدّ صندوق الاستثمارات العامة السعودي مثالاً رئيسياً على هذا التوجه، حيث يلعب دوراً محورياً في تنفيذ خطط المملكة الاقتصادية ويعمل على التوسع في الولايات المتحدة، لندن، وآسيا.
وكذلك، عزز جهاز قطر للاستثمار نشاطه الاستثماري بتركيز على قطاعات متنوعة في مراكز مالية كبرى مثل لندن ونيويورك وآسيا، بهدف دعم التنمية الاقتصادية في قطر وترسيخ موقعه العالمي.