الاقتصادية السعودية-
تلقت الدوائر الاقتصادية بارتياح تصريحات المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية التي أكد فيها أن تعافى السوق سيأخذ بعض الوقت ولكنه مازال متفائلا وعلى قناعة تامة بأن ما يحدث مجرد دورات اقتصادية تخوضها السوق كل عدة سنوات.
وأيد مختصون نفطيون تحدثوا لـ"الاقتصادية" ضرورة تكثيف التعاون بين المنتجين التي أطلقها النعيمي باعتبارها أكثر إلحاحا من أي فترة سابقة وهي الآلية الحيوية لاستعادة الاستقرار بشكل أسرع في سوق النفط الخام.
وتوقع المختصون أن يستمر- في ضوء هذا التطور- تسجيل تراجعات قياسية جديدة في أسعار الخام بسبب توقعات ضخ النفط الإيراني بمعدلات مرتفعة بالتوازي مع وجود عديد من العوامل السلبية القوية الضاغطة على الأسعار التي أدت في ختام الأسبوع الماضي إلى إلحاق خسارة حادة بالأسعار بلغت 6 في المائة عقب انتعاش محدود للأسعار لم يتجاوز يومين.
واعتبر المختصون أن زيادة صادرات النفط الإيراني ستكون أبرز العوامل المؤثرة سلبا في الأسواق خلال الأسابيع المقبلة ما لم تنجح العوامل الأخرى في قيادة تأثير عكسي على السوق إلا أن هذه العوامل من المرجح أن تعزز الاتجاه نحو ضعف الأسعار وفى مقدمتها الأداء السلبى للاقتصاد الصيني المتمثل في انهيارات البورصة التي عمقت المخاوف بشأن استمرار تخمة المعروض في مقابل ضعف ملحوظ في مستويات الطلب.
ويقول لـ"الاقتصادية"، سيفين شيميل مدير شركة "في جي آندسترى" الصناعية الألمانية، إن الإعلان عن بدء تطبيق الاتفاق الإيراني الغربي أمر لم يكن مفاجئا للأسواق ولكن سيكون له تأثير واضح في زيادة حدة المنافسة على الحصص السوقية وبالتالي التسبب في مزيد من تراجعات الأسعار خاصة في ضوء رغبة جامحة من الجانب الإيراني في القفز السريع بمستوى الصادرات النفطية دون أي تنسيق مع بقية المنتجين بهدف استعادة الأسواق التي خسرتها بسبب العقوبات الاقتصادية.
وأضاف شيميل أن أزمة سوق النفط الخام ستزداد تعقدا في ضوء استمرار انهيار الأسعار مع تراجع الطلب الصيني واستمرار الإنتاج المرتفع والصراع على الحصص السوقية الذي تحركه خلافات سياسية حادة بين عدد من كبار المنتجين.
ويعتقد شيميل أن أفضل الحلول لمواجهة الأزمة الراهنة والمرشحة لمزيد من التصاعد أن يسارع المنتجون إلى التفاوض والتفاهم لإنقاذ السوق وتجنيب أسعار النفط آثار الخلافات والصراعات السياسية وذلك بالاتفاق على حصص إنتاجية ملزمة لكل الأطراف بما يضمن تخفيف حالة تخمة المعروض والمساعدة في إعادة الحيوية للسوق.
وأشار شيميل إلى أنه مع بداية الأسبوع الجاري قد تضخ إيران 500 ألف برميل نفط يوميا في استجابة سريعة لرفع العقوبات وسبقها بأيام عودة صادرات النفط الأمريكي بعد غياب 40 عاما ونجح المنتجون الأمريكيون في إتمام صفقات تصديرية إلى إيطاليا والصين وتتجه التوقعات إلى أن الولايات المتحدة ستصدر 600 ألف برميل المستخرج من بطون الأراضي الأمريكية من ميناء هوستون جنوبي ولاية تكساس.
وذكر شيميل أنه إذا أخذنا في الاعتبار وجود فائض في المعروض النفطي يتجاوز مليوني برميل سنجد أن من المتوقع ارتفاع هذا الفائض قريبا لأكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا وهو أمر "كارثي" بالنسبة لمستوى الأسعار التي من المتوقع أن تهبط إلى مستويات قياسية غير مسبوقة في تاريخ الصناعة.
من جهته، أوضح لـ"الاقتصادية"، دييجو بافيا رئيس شركة "إينو إنرجى" الهولندية للطاقة، أن المستقبل يتجه بخطوات مسارعة نحو تكنولوجيا المعلومات ونظم الطاقة الذكية مضيفاً أن الطاقة التقليدية سيتراجع الطلب عليها وهو ما ظهرت مقدماته بقوة حاليا من انخفاض حاد في الأسعار وضعف مستويات الطلب.
وأشار بافيا إلى أنه خلال أقل من عشر سنوات ستتسع برامج الاعتماد على الطاقة البديلة واستغلال مواردها الغنية في كل دول العالم موضحا أن الجهود تتسارع حاليا في تقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية في القطاع الرئيس لها وهو النقل حيث بدأت شركات السيارات حول العالم خطط التوسع في إنتاج السيارة الكهربائية.
وقال بافيا إن كبار منتجي النفط الخام يتجهون بقوة الآن إلى التحول للموارد الجديدة للطاقة مشيرا إلى الخطوة التي أعلنتها الإمارات بأن 70 في المائة من ناتجها القومي أصبح الآن من القطاع غير النفطي كما تكثف دول أخرى جهودها لزيادة الاستثمارات في العلوم والصناعة والزراعة. وأضاف بافيا أن رفع العقوبات الاقتصادية على إيران سيكون تأثيره محدودا على سوق الطاقة في حالة واحدة وهي الاهتمام بتنويع موارد الطاقة خاصة الطاقة المتجددة مع تطوير القطاعات الاقتصادية غير النفطية وهي الآلية المهمة لمواجهة تحديات النمو الاقتصادي في المستقبل.
وأشار لـ"الاقتصادية"، إيفيلو ستايلوف المستشار الاقتصادي البلغاري في فيينا، إلى أن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران في هذا التوقيت سيعقد المشهد الاقتصادي نظرا لازدياد الخلافات بين المنتجين. ويرى بافيا أن الانهيارات المتوقعة في أسعار الخام لن تستثنى أحداً وسيعاني آثارها الجميع خاصة الاستثمارات النفطية التي تحتاج إليها إيران من أجل إعادة تأهيل القطاع النفطي بها وتلبية طموحاتها في زيادة الصادرات ما يجعل مهمة زيادة الصادرات النفطية الإيرانية في ظل ظروف السوق الحالية أمر صعب المنال. ويرى بافيا أن ضخ النفط الإيراني بشكل مرتفع سيعمل على بقاء الأسعار منخفضة لفترة إلى جانب تمكنهم من خفض فواتير الطاقة ودعم الوقود إلا أن الانهيارات السعرية الحادة ليست في صالح الاقتصاد الدولي بشكل عام نتيجة الركود الاستثماري الواسع المتوقع. وكانت تعاملات نهاية الأسبوع المنصرم قد شهدت تراجع أسعار النفط أكثر من 6 في المائة دافعة خام برنت القياسي العالمي إلى التراجع عن مستوى 29 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ شباط (فبراير) 2004 بعد أن أدت خسائر جديدة لسوق الأسهم الصينية واحتمالات زيادة وشيكة في صادرات الخام الإيرانية إلى تزايد المخاوف من استمرار تخمة المعروض لفترة أطول.
وبحسب "رويترز"، فقد هبطت عقود برنت والخام الأمريكي إلى مستويات منخفضة جديدة في 12 عاما موسعة خسائرها منذ بداية العام إلى أكثر من 20 في المائة في أسوأ أسبوعين في الهبوط منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
وحذر محللون من أن الاتجاه النزولي للنفط لم يصل بعد إلى منتهاه لأن الرفع الوشيك للعقوبات عن إيران يفتح الباب أمام موجة من النفط الجديد. وأنهت عقود برنت جلسة التداول منخفضة 1.94 دولار أو ما يعادل 6.28 في المائة لتسجل عند التسوية 28.94 دولار للبرميل بعد أن هوت عند أدنى مستوى لها في الجلسة إلى 28.82 دولار وهو أدنى مستوى منذ شباط (فبراير) 2004.
وأغلقت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط منخفضة 1.78 دولار أو 5.71 في المائة إلى 29.42 دولار للبرميل بعد أن سجلت في وقت سابق من الجلسة 29.13 دولار وهو أدنى مستوى منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2003.