سياسة وأمن » احصاءات

عامٌ على عاصفة الحزم

في 2016/04/04

راصد الخليج-

1- الأرقام والتفاصيل لخسائر السعودية في اليمن:

مراقب اليمن-

يجادل البعض بأن خسارة السعودية لم تقع بعد. ولكن حجم الخسائر البشرية  والاقتصادية التي طالت السعودية جعلت من الصعب عليها تمديد حربها على اليمن، فهي لم تكن تتوقع وفي أسوأ سيناريوهات الخسارة المحتملة أن تكون الصورة على هذا النحو.

بالاستناد إلى ما أوردته المصادر اليمنية عن فترة دخول العمليات في مرحلة الرّد على العدوان السعودي من خلال استهداف المواقع العسكرية في العمق السعودي أي مرحلة «الخيارات الاستراتيجية»، وتحديدا في جبهات نجران وجيزان وعسير، جاءت الإحصائيات غير النهائية لتكشف أن القوات اليمنية (المكوّنة من الجيش واللجان الشعبية) دمّرت نحو 173 آلية ومدرعة ودبابة، موزعة على المحاور التالية:

- منطقة جيزان: تدمير قرابة 119 آلية، منها 19 دبابة و24 مدرعة، و76 آلية مختلفة.

- منطقة نجران: تم تدمير 31 آلية، منها 11 دبابة، 20 آلية عسكرية متنوعة.

- منطقة عسير: دمر الجيش واللجان الشعبية 23 آلية على الأقل، منها 6 مدرعات نوع بي إم بي ودبابتين، إضافة الى تدمير 15 آلية متنوعة.

هذا على أرض الميدان، أما في الجو، حيث أعلنت المملكة ومنذ اطلاق عملية «عاصفة الحزم» سيطرتها على كامل الأجواء اليمنية، وبالنظر الى ضعف الإمكانيات القتالية الجوية للطرف اليمني، وبالرغم من تواضع النتائج المحققة من قبل «الدفاع الجوي اليمني»، فإن الطائرات الحربية التابعة للتحالف السعودي كان لها نصيب ءيضاً من صواريخ الجيش واللجان الشعبية، حيث تم إسقاط طائرتي إف ستة عشر اعترفت السعودية بواحدة، والأخرى ذكرت بأنها سقطت بخلل فني في البحر..

كذلك تم إسقاط 3 مروحيات حربية من نوع أباتشي، أسقطت جميعها في المناطق الحدودية، إضافة الى إسقاط 3 طائرات استطلاع.

المغرّد السعودي الشهير “مجتهد”، كشف من جهته، المزيد عن خبايا ما يسمى «عاصفة الحزم»، موضحاً أنّ “خسائر القوات المسلحة السعودية في حرب اليمن بلغت 3500 قتيل، 6500 جريح، و430 مفقودا . وكشف عن تدمير أو تعطيل 450 دبابة ومدرعة و4 طائرات أباتشي وطائرة ف-15 وتدمير 3 زوارق واصابة 2..

وأشار كذلك، وفي سلسلة تغريدات له على حسابه الشخصي عبر موقع «تويتر» إلى أن التكلفة المالية للحرب بلغت 200 مليار ريال، أي بمعدل 750 مليون ريال يومياً.

«الحسم خلال اسبوع أو أيام»، الشعار الذي أطلقته السعودية في بداية حملتها، والذي مضى على اعلانه عدة أشهر بقي شعاراً دعائياً، فارغاً، مقارنة بالوقائع العسكرية المسجلة في الميدان، ومع أن السعوديين كانوا بأمس الحاجة الى تحقيق أي انجاز عسكري «مشهود»، وبالتحديد إلى استرداد مواقعهم العسكرية الحدودية، بالإضافة للسيطرة على مناطق استراتيجية داخل اليمن، لاستثمارها كورقة قوة في المفاوضات القادمة، إلا أنهم أثبتوا عجزاً شديداً، تحول إلى مادّة للسخرية من قبل الجمهور المتابع، لا سيما السعودي نفسه.

«البروباغاندا» العسكرية التي رافقت الحملة السعودية على اليمن، من قبل الاعلام السعودي،انقلبت لتشكل صدمة للسعودين، الذين وعدوا بالانتصارات وروج أمامهم لإنجازات، اكتشفوا لاحقاً زيفها، ولم ينفع ما بذلته الإمبراطورية الإعلامية السعودية من جهود للتضليل، إذ أصبحت تلك الإمبراطورية في وضع «المُشكك به»، بسبب الهزائم السعودية على الأرض، على عكس ما كانت تصوره  ولم يعد بإمكانها الترقيع. فكيف يكون هناك جيش سعودي تصرف عليه المليارات من الدولارات سنوياً، ويأكل ما يقرب من نصف ميزانية الدولة كل عام، ثم لا يستطيع هذا الجيش القضاء على (حفنة ضالّة عميلة من الحوثيين) كما يسميها الإعلام السعودي؟

نتائج الميدان العسكري السعودي  السلبية، التي جاءت وعجلت في التدخل الغربي لإنقاذ حليفته الخليجية وحلفائها المحليين في اليمن، تؤكد أن أوراق السعودية تقلصت، وضعفت، خاصة ورقة الجنوب الإنفصالية التي كانت السعودية تخفيها، متأملة استخدامها لاحقاً، خلال المفاوضات، مع انقلاب الصورة في الجنوب وتحول القاعدة والمتطرفين إلى عبء على من استدعاهم وسهل لهم.

 

2- عام على العدوان كيف ارتدت العاصفة على الداخل السعودي؟:

مراقب اليمن-

في اليوم الأول على إطلاق العداون على اليمن، أطل المتحدث باسم تحالف العدوان "أحمد عسيري" مبشراً: تم تدمير إمكانات الجيش اليمني في ربع الساعة الأولى. عام مضى على الحرب، وساعة الحرب عند عسيري لما تنته بعد ليُعلن وقف العدوان. لم تُخرج السعودية أنصار الله من صنعاء، ولا هي أعادت الرئيس الفار إلى العاصمة... فماذا حققت المملكة؟

يطوي اليمنيون اليوم ذكرى عامهم الأول مع  العدوان الذي أعلنته الجارة الشقيقة. حروب الإلغاء الباردة لم تتوقف يوماً على اليمن، لم يكن أولها عدوان "عاصفة الحزم"... ولن يكون آخرها فيما لو استمر قرار الحرب والسلم مصادراً في المملكة من قبل أمراء آل سعود. يحفظ أمراء المملكة عن والدهم المؤسس تحذيره من يمن موحد ونُصحه لهم بأن رخاؤهم مرهون ببؤس اليمن. الاستعداء السعودي لليمن لم تنتجه المستجدات على الساحة اليمنية ما بعد العام 2011. الخلافات الحدودية منذ سيطرة عبدالعزيز على السلطة، ومصادرة حقول نفط، أو إفشال مشاريع استثمارية لشركات أجنبية في اليمن، وإيقاف المساعدات إضافة إلى طرد نحو مليون عامل يمني إبان حرب الخليج الثانية... جملة من الشواهد من شأنها أن توضح نظرة آل سعود إلى الجارة اليمن. وهي نظرة من شأنها أن تقدم تفسيراً للاندفاعة السعودية لشن العدوان على اليمن.

كيف بدا المشهد قبل 26 آذار/مارس 2015؟

"كان الحوثيون قد وافقوا على انسحاب مسلحيهم من صنعاء، لتحل محلها قوة أمنية وطنية برعاية خبراء الأمم المتحدة. على أن يحصل الحوثيون في المقابل على حصة حكومية بنسبة 20٪. ولكن هادي رفض هذه الشروط كما فعل السعوديون وبينما كانت المفاوضات لا تزال جارية... بدأ السعوديون الحرب"، هذا ما كتبه الكاتب الأميركي والأستاذ المحاضر في الدراسات الدولية "روبرت برينس" في مقال نشر على "فورين بوليسي إن فوكس".

أفشلت السعودية الحوار، وفي 18 آذار/مارس 2015، اغتيل "عبد الكريم الخيواني" ممثل حركة "أنصار الله" في مؤتمر الحوار، ليشكل هذا الحدث رصاصة تفجير الداخل اليمني. ضرب الإرهاب مساجد صنعاء موقعاً مجزرة دموية راح ضحيتها مصلي الجمعة. قال اليمنيون يومها إن المملكة حرّكت الورقة التي تحسن توظيفها في كل صراع تتبناه في المنطقة، "ورقة الإرهاب"! وهو ما استدعى دعوات النفير العام ضد الإرهاب.

لم يكن بمقدور المملكة الشقيقة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام اندحار الإرهاب وانكفائه في المدن اليمنية، قررت السعودية أن تعتلي حلبة الصراع بشكل مباشر، فجاء الإعلان عن "عاصفة الحزم".

لماذا أتت الحرب؟ يقول مساعد الرئيس الأميركي الأسبق، و المساعد الأسبق لوزارة الخزانة الاميركية "باول رابرتز" إن الحرب أتت لجر ايران للحرب و بالتالي منع الاتفاق النووي، إلا أن الكاتب الأميركي والأستاذ المحاضر في الدراسات الدولية "روبرت برينس" رأى أن السبب يكمن في أن المملكة لا يمكنها أن تتسامح مع وجود حكومة في صنعاء لا تخضغ لسيطرتها. 

"عاصفة الحزم": أهداف لم تتحقق

في الساعات الأولى من يوم 26 آذار/سبتمبر 2015، خرج عادل الجبير الذي كان سفير مملكة آل سعود في واشنطن، معلناً عن بدء الحرب. وتحت عنوان "إعادة الشرعية" أعلن  أن حرب بلاده تهدف إلى إعادة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى صنعاء، والقضاء على أنصار الله.

عام مضى على رفع هذه الأهداف، وعلى مدار العام كانت الصحف السعودية تقابل روايات الإعلام اليمني الموثقة عن الضربات التي يتلقاها الجيش السعودي، بشتم "الحوثيين" وتمجيد "ملك الحزم والعزم" سلمان بن عبد العزيز، فأي حزم وعزم حصده السعوديون خلال هذا العام؟

"فيتنام السعودية"

تعاطت الكتابات الأمريكية بمعظمها مع العدوان على اليمن على أنه فيتنام السعودية، مجلة "فورين بوليسي" وصحيفة "واشنطن بوست" وموقع "غلوبال ريسيرتش" إضافة إلى موقع "ترو نيوز"... الرؤية كانت تقريباً واحدة: اليمن تحول إلى فيتنام المملكة.

أيام معدودة بعد الحرب، نشر موقع "غلوبال ريسيرتش"، متسائلاً: هل تحولت اليمن إلى فيتنام للسعودية؟ ونقلت عن الباحث الجيوسياسي " المهدي داريوس ناظم روايا" أن "السعوديين سيكونون أغبياء جداً  في حال شروعهم في العمليات البرية. سيكون ذلك بمثابة فيتنام في الشرق الأوسط، في شبه الجزيرة العربية".

"ستكون كارثة بالنسبة للمملكة السعودية. عندما غزت السعودية اليمن في عامي 2009 و 2010 لمحاربة الحوثيين، خسرت. وتمكن الحوثيون من الاستيلاء على أجزاء من المملكة العربية السعودية. القرى السعودية في الجنوب سيطر عليها الحوثيون. وإذا كانت السعودية تريد أن تكرر سياسة الفشل فلتذهب إلى إرسال قوات على الأرض في اليمن"، أضاف " ناظم روايا".

استنزفت العدوان على اليمن السعوديين عسكرياً وسياسياً وحتى استراتيجياً، تحول الميدان اليمني إلى مأزق ورط السعوديين وكبّل أيديهم، لم يكن بمقدورهم تحقيق أي تقدم، وبدا التراجع هزيمة مدوية أمام دعايات وروايات الإعلام السعودي. وجدت السعودية نفسها مكبلة في الصراع مدمّر ومستنزف طال أمده، كان من شانه أن يعمق الصاعات الداخلية بين الأمراء وان يضعف من هيبة ونفوذ المملكة إقليمياً.

عسكر المملكة: نمر من ورق

تشكل ثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم، وبحسب رواية "سي أن أن" الأميركية فإن القوات السعودية تعتبر الأفضل تسليحاً بين القوات الخليجية،ومع ذلك فقد عرّى الميدان اليمني قدرات المملكة العسكرية، رغم ما تلقته من مساعدات لوجستية واستخباراتية أميركية.

ألحق القصف السعودي الكثير من الأضرار بالسكان المدنيين في البلاد لكن لم يُضعف المقاتلين اليمنيين على الأرض، ولم يوجه أي ضربة موجعة للجهاز العسكري اليمني الذي أثبت عن مقدرات قتالية عالية. بالمقابل تلقى "التحالف" السعودي ضربات موجعة طالت السفن السعودية الراسية في البحر الأحمر، كما تلقت القوات نفسها ضربات قاصمة في مأرب ولحج، عدا عن المواقع العسكرية الحدودية التي تهاوت أمام التقدم اليمني.

وقد بلغت "خسائر السعودية في اليمن.. حوالي 3500 قتيل و6500 جريح و430 مفقوداً"، وفق ما كشف عنه المغرد السعودي الشهير "مجتهد"، وهي معلومات تقاطعت مع ما كشفت عنه صحيفة "رأي اليوم" الالكترونية من أن عدد القتلى السعوديين بلغ 3560 قتيلا بين جندي وضابط.

ولتجنب سقوط المزيد من القتلى وما قد يستدعيه ذلك من رد فعل سلبي على صعيد الداخل، لجأت المملكة السعودية إلى التعاقد مع قرابة 800 مرتزق كولومبي من المتدربين على القتال في المناطق الجبلية الوعرة،  كما استقدمت مقاتلين من استراليا والأرجنتين والمكسيك، وبعض هؤلاء تم تجنيدهم من قبل شركة خاصة يديرها "إريك برنس"، مؤسس شركة بلاك ووتر الأمنية السابقة، إلا أن اخفاق هذه القوات مرده إلى أن جبال كولومبيا ليست مشابهة لتلك الموجودة في اليمن، وفق تفسير "فورين بوليسي".

لعنة اليمن: عجز اقتصادي قياسي لمملكة تعوم على النفط

أواخر العام 2015، سجل الاقتصاد السعودي عجزاً قياسياً في الميزانية بلغ حوالي 87 مليار$ ، وُصف بأنه الأعلى منذ حرب الخليج الثانية. العجز الاقتصادي أرجعه خبراء إلى كلفة الحرب في اليمن الباهظة، ما استدعى من مغردين سعوديين على "تويتر" لأن يصفوا أوضاع المملكة بأنها "لعنة" أحدثتها حرب اليمن.

قاد العجز الاقتصادي إلى سلسلة سياسات اقتصادية جديدة: تم رفع أسعار الغاز والديزل، وقطع الدعم عن الوقود، كما تم  فرض ضريبة القيمة المضافة على المؤسسات.

الخبيرة الاقتصادية في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، " آمال ناصر" أرجعت السياسات الاقتصادية الجديدة لقُصر عائدات النفط  عن تغطية كلفة الحرب، وجزمت أن "الحرب السعودية على اليمن رسمت بداية الانكماش الاقتصادي، الذي سوف يرتد بالتأكيد على نظامها السياسي على المدى الطويل".

صراع الأمراء

تصاعد الصراع الداخلي بين أمراء آل سعود كان أحد ارتدادات الفشل في حرب اليمن. فالملك المقبل للسعودية سيرسم بمجرد وصوله آليات انتقال السلطة، وهو ما يفسر الحديث عن صراع داخلي بين أبناء الجيل الثاني، وتحديداً بين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان على الوصول إلى العرش.

ما علاقة الحرب بالصراع على السلطة؟ يحيلنا السؤال إلى كلام للراحل الكبير محمد حسنين هيكل الذي صرّح مع بداية الحرب إلى أن إن قرار السعودية شن العدوان على اليمن يعود لأمور تتعلق بانتقال السلطة في المملكة، والجيل الشاب الجديد وليس بالوضع في اليمن.

قاد محمد بن سلمان حرب اليمن، ليثبّت نفسه كملك مقبل أمام منافسه محمد بن نايف. الصراع بين الأميرين كُتب عنه الكثير، ما استدعى من صحيفة "سبق" السعودية (المحسوبة على وزارة الداخلية السعودية) إلى  عَد قبلات طبعها بن سلمان على يد بن نايف لتقول: "8 قُبلات من "محمد بن سلمان" على يد ولي العهد  ترد افتراءات المرجفين".

لا تتوقف ارتدادات الحرب على صراع الأمراء هنا، ففي أيلول/سبتمبر الماضي، سُربت رسالة صاغها أمراء العائلة الحاكمة تحت عنوان  "نذير عاجل لكل آل سعود"، وطالبت الرسالة " بعزل الثلاثة:

-    الملك العاجز سلمان بن العزيز

-    المُفَرّطْ المستعجل المغرور ولى العهد الأمير محمد بن نايف

-    السارق الفاسد المُدَمّر للوطن ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان"

وتساءلت رسالة الأمراء: "كيف رضينا بسياسة خارجية تضعف ثقة شعبنا فينا وتؤلب علينا الشعوب الأخرى؟ وكيف رضينا الدخول في مخاطرات عسكرية غير محسوبة مثل الحلف العسكري لضرب العراق وسوريا وحرب اليمن؟"

تمدد الارهاب جنوباً... والارتدادات على الداخل

قاد العدوان إلى تقسيم فعلي في اليمن، بين شمال يُصارع العدوان بإمكانات قتالية عالية وإرادة صمود قاهرة، وبين جنوب منفلت أمنياً بات تتحرك فيه الجماعات الإرهابية متجاوزة الخطوط الحمراء الأميركية. المشهد نفسه يقلق الأميركيين نظراً للحدود الشاسعة والمفتوحة التي تجمعها بمحافظة حضرموت الجنوبية التي باتت مرتعاً للتنظيمات الإرهابية.

موقع "فورين بوليسي إن فوكس" قال إن الحرب عزّزت وجود تنظيم القاعدة في المناطق الجنوبية للبلاد. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن أحد سكان عدن وصفه لأوضاع المدينة الجنوبية: "لاشيء فيها إلا الفوضى، أما قوات التحالف فإننا لا نفهم ما هو دورهم هنا".

عام على العدوان، والثابت إلى اليوم أن لا شيء تحقق إلا العجز. 26 آذار/مارس 2016 لاتزال مفاتيح صنعاء بيد أنصارالله، فيما تسرح المجموعات المقاتلة للقاعدة وداعش في مناطق نفوذ تحالف العدوان في الجنوب. لن تجرؤ السعودية على الإقرار بالفشل، هكذا هي طبيعة العقلية البدوية. إلا أن مؤشرات وتصريحات المسؤولين السعوديين تفيد بذلك. 

أن يخرج المتحدث باسم الحرب "أحمد عسيري" للقول إن بلاده تفرق "بين الحوثيين كمكوّن سياسي يمني وبينهم كميليشيات مسلحة"... كافٍ ليُبنى عليه أن المملكة أقرت بالعجز!

 

3-عام على خيبة الحزم السعودية في اليمن...:

كنان اليوسف- البناء اللبنانية-

أيام ويكمل العدوان السعودي الأميركي عامه الأول على بلد هو أصل العروبة اسمه اليمن السعيد، لربما أصبح النظام السعودي اليوم مطالباً أكثر من أيّ وقت مضى بجردة حسابات لما أنجزته عاصفة حزمهم العدوانية على الشعب اليمني.

ما من شك أنّ هذا التساؤل يراود الأسرة الحاكمة في المملكة منذ الأشهر الأولى للعدوان دون إجابات واضحة، عدا ما تحدّث عنها يوماً الناطق باسم تحالفهم أحمد عسيري الذي لم يفارق شاشات الترويج للتحالف ببيانات عن تقدّم هنا أو هناك، سمّاها هو انتصارات وانجازات، لربما كان ذلك مجدياً في المراحل الأولى للعدوان، لكن اليوم وبعد عام ماذا سيقول العسيري للشعب السعودي؟ ماذا سيخبرهم عن نتائج عاصفة الحزم ومن بعدها ما سمّوه «إعادة الأمل»؟ سيقول لهم بكلّ تأكيد إنّ السعودية وتحالفها تسيطر على معظم محافظات الجنوب اليمني، ولكن في الحقيقة أنّ تحالف بني سعود أمن محافظات عدن وحضرموت واجزاء من لحج وأبين وأقلّ من 20 من محافظة الضالع والحقيقة التي يعلمها الشعب اليمني أيضاً هي أنّ من يسيطر اليوم على الأرض في هذه المحافظات هو تنظيم «داعش» وشقيقه تنظيم «القاعدة»، إلا إذا كان العسيري يدرك جيداً ما يقول إنّ «داعش» و»القاعدة» هم جنود مجندة من قبل تحالفهم المزعوم والأسرة السعودية الحاكمة.

الواضح أنّ الرياض أدركت اليوم أكثر من أيّ وقت مضى أنّ مشروعها في اليمن سقط كما هو حال مشروعها في سورية، وإنْ اختلفت أدواتها في كلا المشروعين، وما كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما ووصفه لسياسات دول الخليج بالجامحة إلا بمثابة مسمار يدقه الأميركي في نعش المشاريع السعودية في كلا البلدين، الأمر الذي أدركته السعودية فحاولت أن تستبق احتفالها بمرور عام على عاصفة حزمها بمفاوضات قالت إنها مع ممثلين لحركة «أنصار الله»، ومحاولة التوصل إلى صيغة جديدة للتفاهم مع الحركة التي أثبتت ببسالة مقاتليها أنها مكوّن لا يمكن تجاهله في أيّ تسوية مقبلة في هذا البلد، وهو ما أدركته جيداً دول العدوان على اليمن من أنّ الرهان على المرتزقة ومحاولة شراء الذمم اليمنية لم يفلح في تحقيق أيّ تقدّم لصالحهم على الأرض، ليظهر النظام السعودي كمن يريد مخرجاً يحفظ له ماء الوجه ويكون لها عوناً في وضع قدمها على أولى درجات النزول عن الشجرة إذا ما صدقت النوايا السعودية في هذه المفاوضات وما رافقها الحديث عن هدنة.

وبالسؤال عن صدق النوايا السعودية فأهل اليمن هذه المرة هم أدرى بمن كانت يوماً بالنسبة لهم الشقيقة الكبرى، فهي ليست المرة الأولى التي يتحدّث فيها التحالف السعودي عن هدنة تحت مسمّيات مختلفة منها الإنسانية ولكن دون التزام، فالغارات السعودية الأميركية لم تهدأ طوال الجولات السابقة من المفاوضات والهدن إلا على شاشات «الجزيرة» و»العربية» الناطقتين باسم التحالف، في وقت لم يمرّ فيه يوم واحد من العدوان دون أن يسجل سقوط ضحايا وأبرياء من المدنيين، ومن يشك بذلك عليه مراجعة أرشيف قناة «المسيرة»، فمراسلوها وثقوا هذه الغارات من تحت الركام والدمار الذي خلفته.

الرؤوس الحامية في السعودية والتي سجلت خلال عام من العدوان أبشع الجرائم وجلبت الفضائح للمملكة وتحالفها العربي المزعوم لا تبدو هذه الرؤوس عازمة على وضع حدّ لجرائمها،على الأقلّ هذا ما تؤكده الأوساط اليمنية المتابعة التي ترى في ادّعاءات التهدئة محاولة لسحب البساط على ايّ تحركات حقوقية بدت خلال المراحل الأخيرة متصاعدة ضد السعودية على جرائمها في اليمن، كيف لا وهم يدركون جيداً أنه لا حزم انتصر ولا أمل انبعث في هذا البلد، ليبقى التساؤل المطروح: هل ستغامر السعودية بعام آخر من الفضائح السياسية والجرائم الإنسانية بحق الشعب اليمني؟.

 

4-بعد عام من العدوان.. هُزم بنو سعود:

يمن برس-

كيف يمكن النظر إلى ما حصل في اليمن خلال عام من العدوان العالمي على هذا البلد؟

في البداية لا بد من إعادة التأكيد على أن العدوان على اليمن هو عدوان عالمي، وهو عدوان عربي ـ إقليمي، فضلاً عن كونه عدوان اللاشرعية على المواطنين الذين قرروا التخلص من ظلم ذوي القربى والأبعدين في آن.

وعالمية العدوان تحمل عدة صفات:

هي تواطؤ، حيث سكت العالم كله على ما حصل في اليمن، إما رهبة وإما رغبة، أو ـ في أدنى الحدود ـ جهلاً، فتركت قوى العالم الكبرى والصغرى وحش الموت الجاهلي ليفتك بأطفال أبرياء، وليقتل الشيوخ والنساء، وليدمر الحرث والنسل بلا خوف ولا حياء.

وهي تشاركية، حيث انخرطت قوى كبرى في العدوان في السر وضمنًا، وإن كانت قد نأت بنفسها عنه علانية، وكان انخراطها تسليحاً وتدريباً وتزويداً بالخبرات والمعلومات وكل ما يحتاجه العدوان للقيام بما يرغب به من مهمات، واضعة كل ذلك تحت شعار نصر الشرعية ـ اللا شرعية.

وهي تحريضية أيضاً، حيث لم تكتفِ بعض القوى العالمية في تسهيل أمور تحالف العدوان في مختلف المجالات، وإنما قامت بتزيين هذا العدوان للمعتدين، وجرّهم إليه دون تحذير ولا تنبيه من المخاطر والآثار، فانساق هؤلاء بغبائهم إلى مستنقع باتوا لا يعرفون كيف يخرجون منه.

ولعلّ “آبريل غلاسبي” قد بُعثت من جديد، ليجر شبحها الرؤوس الحامية في الرياض إلى هذا النفق المجهول، كما فعلت هي مع صدام حسين عندما أوهمته بأن بلادها لا تمانع في غزو نظامه للكويت، ليجد صدام نفسه في النفق المجهول نفسه.

هذه بعض ملامح عالمية العدوان، أم إقليميته فحدّث ولا حرج.

الكل اشترك، الكل طمع، الكل خاف، الكل رأى فيما سيحصل مجرد مشاركة في خطوة واحدة، خطوة صغيرة: نرمي أخانا في غياهب الجب، فنرتاح من ضغط الأخ الطاغية فينا، ونرتاح كذلك من جمال وجلال ومجد أخينا.

ظن هؤلاء أن اليمن لقمة سائغة، تؤكل في لحظة، ويُنسى ما حصل، ونعود إلى ما نحن فيه بلا ضغوط وبلا قلق ووجع رأس، فتهافتوا لخدمة المعتدي، ولتنفيذ مآربه، ولتحقيق مطامعه في البلد الشقيق.

الكل.. تقريباً، لأن هناك من بقي على موقف الرفض للإطاحة بالشقيق، وهناك من وقف موقفاً مشرّفاً يرفض هذه الجريمة المروّعة التي لا تنمّ إلا عن فقدان كل إحساس بالإنسانية، وعن تبدّد لكل المشاعر الأخوية، وعن ضياع عن كل آليات التفكير المنطقية والعقلانية.

وأما بالنسبة لمحلية العدوان، فيمكن تلخيص صورتها بالحديث عن الطمع، وعن الرغبة بالسيطرة والاستئثار، وبالاستقواء بالخارج على الأخ الشقيق، وعلى ابن البلد.. ولا زيادة.

والآن، مرّ عام، فماذا حقق المتآمرون؟

لم يكن اليمن لقمة سائغة، ولم يستسلم شعب اليمن، ولم تنكسر شوكة مقاتلي الجبال، والرجال الأبطال، فوقعت الواقعة، وانهار مشروع العدوان.

لم يكتفِ المقاتل اليمني ـ الذي لا يملك إلا إيمانه وسلاحه الفردي، وبعض السلاح الثقيل ـ في التهام آلة العدوان وتحطيم جبروتها وإفشال أهدافها، وإنما خلق معادلات جديدة، ما عاد بإمكان أحد تجاهلها والقفز عنها:

ـ لقد اندثرت فكرة فرض إرادة المحتلين على الشعب اليمني. واليوم، بعد سنة كاملة من زرع الموت والدمار، بات المعتدون يفتشون عن مخرج سياسي حقيقي ينقذهم من الورطة التي وقعوا فيها، وصاروا مستعدين لتقديم “التنازلات” دون أي تحفظ.

ـ صارت الأرض التي انسحب منها الجيش اليمني الشرعي واللجان الشعبية في جنوب اليمن وشرقه رمالاً متحركة يغوص فيها المعتدون ولا يستطيعون الخلاص مما تختزنه من مشاكل وعقبات، بعد أن تمدد فيها الإرهابيون التكفيريون، وصاروا يسببون المتاعب لأسيادهم الذين دخلوا تحت جناحهم.

ـ دفع المعتدون ثمناً غالياً من أرواح جنودهم ومن معداتهم، بحيث أثارت هذه الخسائر الكثير من الأسئلة داخل مجتمعات هذه الدول عن السبب الذي يدفع الأنظمة إلى إرسال الجنود ليموتوا في أرض بعيدة، بصواريخ التوشكا وبالمواجهات المباشرة مع أبناء هذه الأرض.

ـ بات قادة العدوان في حالة حرج كبيرة إزاء عجزهم عن حسم معركة مع شعب أعزل، بالكاد يملك من السلاح الثقيل حفنةً، ولكنه شعب يعرف كيف يوظف هذه الكمية الضئيلة في إنزال أقصى الضربات بالقوات المهاجمة، فإذا بهذه القوات العرمرميّة المهاجمة عاجزة عن التقدم بشكل فاعل نحو صنعاء أو غيرها من المدن الرئيسة في الشمال والوسط، بالرغم من كل ما تملكه من إمكانيات ومن تغطية مادية ومعنوية إقليمية ودولية.

ـ الحرج الأكبر الذي يعاني منه قادة العدوان هو رؤيتهم أن الحرب تتدحرج إلى الأرض التي يملكون السيطرة عليها، في عسير وجيزان ونجران، ليعود السؤال القلق عن مصير هذه المناطق، وعن مدى “أبدية” ضمّها القسري إلى مملكة الظلام السعودية، فترى مواقع بني سعود على الحدود تُسحق، والتحصينات تنهار، و”المستوطنين” يسارعون بالفرار، خوفاً من تقدم جديد لأبناء الشعب اليمني في عمق هذه “الأراضي المحتلة”.

هي إذاً جردة حساب مختصرة، تُظهر أن “عاصفة الحزم” تحولت بعد عام إلى غياب للهواء من قصور المعتدين، وأن “إعادة الأمل” باتت كابوس يأس يسيطر على أفكارهم، ويقضي على مخططاتهم، ويبيد جنودهم ويحطم كل كبريائهم.

وإن لم ينسحب هؤلاء سريعاً جداً من مواقفهم، ومن مواقعهم، فإن خاتمة الحزم والعزم ستكون الخيبة والخسران، لكل آلة البغي والعدوان.