على غرار كثير من جيرانها في منطقة الخليج، تسعى السعودية للتكيّف مع أسعار النفط المنخفضة. وقد تعرّض الاقتصاد السعودي، الذي يعتمد بشكل كبير على إنتاج النفط، إلى الاهتزاز والتعثّر على مدى الأعوام القليلة الماضية، الأمر الذي يستنفد احتياطيات النقد الضخمة التي تملكها الرياض بشكلٍ سريع.
وفي محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوضع المالي للمملكة، وضع حكام السعودية على عجلٍ معاً خطّة لتنويع الاقتصاد وإنهاء اعتماده على النفط مرّة واحدة وإلى الأبد. لكن بدلاً من إنقاذ السعودية، فإنّ الحلّ الذي اقترحه ولي ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» سيؤدّي بالتأكيد إلى دمارها.
استراتيجية معيبة
أعلن «بن سلمان» عن خطّة رؤية 2030 في أبريل/نيسان من العام الماضي. وفيها، نادى بتقليص دور القطاع العام في الاقتصاد وتعزيز دور القطاع الخاص. ويأمل في الأخير أن يصبح فعلياً المصدر الأول للوظائف في المملكة والوسيلة الرئيسية لنمو الاقتصاد (يعمل الآن نحو 70% من قوّة العمل في القطاع العام). وبرفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40% إلى 60%، يقول «بن سلمان» أنّ الاقتصاد سيرتفع من « وضعه الحالي في الترتيب الـ 19 بين اقتصاديات العالم ليصبح في قائمة أكبر 15 اقتصادا في العالم». ويقدّر أيضاً أنّ البطالة ستنخفض من 11% إلى 7.6%.
وتستند الكثير من توصيّات الأمير على تقرير شركة ماكينزي للاستشارات والتي تنصح بصدمة الاقتصاد السعودي لإعادته للحياة. وبين عامي 2003 و2013، نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدّل هزيل بـ 0.8%، لكنّ محلّلو ماكينزي أكّدوا أنّ المملكة قادرة على مضاعفة ناتجها المحلّي الإجمالي خلال 14 عاماً القادمة باستثمار نحو 2 تريليون دولار.
إلّا أنّه يوجد خلل جوهري في الطريقة التي يعتزم بها الأمير الحصول على هذا النوع من المال. فرؤية 2030 مبنية على قدرة الرياض على خلق صندوق ثروة سيادي ضخم عن طريق بيع 5% من شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو. ومع ذلك، فإنّ العائدات التي سيولّدها الطرح العام غير المسبوق لأرامكو السعودية سيغلق فقط تدفّق الأموال المستنزفة من احتياطيات الرياض هذا العام. والمتبقّي من الأموال لن يكفي لتمويل هذا النوع من الاستثمار الذي تعتقد ماكينزي أنّه مطلوب لتحويل الاقتصاد. وبدلاً من ذلك، سيتعيّن على المملكة بيع نصف أصول أرامكو لتقترب حتّى من هذه القيمة.
وليس التمويل فقط هو المشكلة الوحيدة في خطّة الأمير. فرؤية 2030 في نهاية المطاف مبنية على توليد العائدات خارج قطاع النفط، في جزء منه من خلال زيادة الإنتاج الصناعي الخاص. ومع ذلك، سيحدث ذلك فقط إذا استثمرت الرياض في الصناعات الملائمة، مثل الصناعات التحويلية والبتروكيماويات والتعدين والرعاية الصحية. لكن توجد حدود لمدى قدرة هذه القطاعات على التطوّر. وعلى سبيل المثال، لا تستطيع السعودية أن تأمل بواقعية في المنافسة في الصناعات كثيفة العمالة مثل الصناعات التحويلية في الوقت الذي نشأ فيه مواطنوها على الوظائف ذات الأجور العالية في القطاع العام. وعلاوة على ذلك، فإنّ صناعة البتروكيماويات في المملكة متقدّمة بالفعل إلى حدٍّ ما، ولا يمكنها استيعاب الكثير من العمالة الإضافية. والمثل في قطاع التعدين الذي لا يتطلّب الكثير من العمّال. وفي الوقت نفسه، حتّى وإن ضخّت الرياض كمّية معتبرة من الأموال في قطاع الرعاية الصحية، فمن غير المرجّح أن تنمو المملكة لتصبح مركزاً طبياً إقليمياً كما تأمل أن تكون، حيث أنّه يوجد الكثير من المرافق الطبّية المتقدّمة بالفعل في أماكن أخرى من المنطقة.
لذلك، يبقى القطاع الذي يعد بشيءٍ ما هو قطاع السياحة الدينية، والذي ارتفع بسرعة كبيرة في الأعوام الأخيرة، ويأتي ثانياً فقط في الحجم خلف قطاع النفط. واستطاعت الرياض تحقيق عائدات بقيمة 22.6 مليار دولار من الحجّاج عام 2015، وهو الرقم الذي يتوقّع أن يرتفع بمقدار 10 مليارات دولار أخرى بحلول عام 2021. ومع ذلك، يبقى تردّد الحكومة السعودية في إصدار التأشيرات للمسافرين عبئاً على هذه الصناعة.
وهم أكثر منها رؤية
لقد أضاعت الأسرة الحاكمة وقتاً ثميناً بالفعل في بحثها عن خطّة مجدية لتطوير الاقتصاد. فبين عامي 1970 و2014، أنفقت المملكة تريليونات الدولارات في تسع حزم إصلاح مختلفة، ولا يزال قطاع النفط اليوم يمثّل 90% من دخلها. وما فوّته الأمير وأسلافه أنّ خلق اقتصاد على النمط الغربي يتطلّب تغييراً يمسّ ما وراء الاقتصاد ذاته.
جزء من هذا التغيير هو غرس أخلاقيات أفضل للعمل وتشجيع الإنجاز الفردي بين السكّان. ولا تقدّم رؤية 2030، بوضعها الحالي، الكثير من المقترحات حول كيفية إعداد المواطنين السعوديين للتخلّي عن اعتمادهم على الدّولة كراعية ومربّية. ولعقود من الزمن، اعتاد السعوديون على توفّر الوظائف السهلة المضمونة عالية الأجر في القطاع العام، في حين شغل المغتربون 80% من وظائف القطاع الخاص. وقد تخلق الخصخصة بالفعل المزيد من فرص العمل، ولكن ليس هذا النوع من الوظائف الذي اعتاد عليه مواطنو المملكة. وإذا كانت الأسرة الحاكمة جادّة حول تحويل الاقتصاد، ستحتاج إلى مزيد من الوقت وإنفاق المزيد من الأموال في تثقيف شعبها. عندها فقط يمكن معالجة أوجه القصور في التدريب المهني وزرع ثقافة المكافأة على الإنجاز وتوفير فرص عمل للجميع.
وفي الوقت نفسه، فإنّ مطالبة رؤية 2030 السلطات بالعمل على مكافحة كل أنواع الفساد قد لا يكون واقعياً. وعلى الرغم من أنّه هدف مثير للإعجاب، فإنّه لا يمكن تحقيقه في مجتمعٍ حيث الأسرة والقبيلة والعلاقات الإقليمية تفوق مفهوم الدولة الغامض. فالمعايير الاجتماعية تضغط على المسؤولين لتفضيل الأسرة والأصدقاء، حتّى وإن كانوا سينتهكون قواعد البيروقراطية للقيام بذلك. وهؤلاء الذين يتبعون الإجراءات، على الجانب الآخر، يعرّضون أنفسهم لخطر النبذ داخل مجتمعاتهم المحلّية.
في محاولة الرياض المحمومة لتجنب الانهيار المالي، فإنّها اعتمدت على إصلاح قصير المدى بدلاً من الحل على المدى الطويل. الأمر الذي يجعلها تستنزف المزيد من الأموال، بدلاً من تحفيز التنمية الاقتصادية التي هي في أشدّ الحاجة إليها، وهو ما لا يقدّم الكثير من أجل حماية مستقبل اقتصاد المملكة. وإذا لم تعمل الأسرة الحاكمة على جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي وتوجيهه إلى مشاريع التنويع الحقيقية، ستنجح رؤية 2030 فقط في دفع المملكة نحو الإفلاس، إن لم يكن نهاية عهدها كدولة ذات سيادة.
ستراتفور- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-