سياسة وأمن » احصاءات

السعودية تدفع ملايين الدولارات للتعاقد مع وكلاء ضغط مقربين من «ترامب»

في 2017/06/02

في الأسابيع التي سبقت زيارة الرئيس «دونالد ترامب» إلى المملكة العربية السعودية في أول رحلة خارجية، استأجرت الحكومة السعودية ثلاث شركات ضغط أمريكية للعمل لصالحها في واشنطن، بما في ذلك مجموعة غامضة تتألف من مستشارين سابقين لـ«ترامب» سيحصلون على 5.4 مليون دولار مقابل عقد سنوي.

وقد أضاف السعوديون الآن ست شركات ضغط في الولايات المتحدة منذ انتخاب «ترامب» في محاولة لتحسين العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة والاستثمار في دعم الرئيس الذي أهانهم كمرشح، ولكن ينظر إليه الآن كحليف. واستأجرت وزارة الداخلية السعودية مجموعة سنوران للسياسات في ولاية أريزونا في مايو / أيار، بعد يوم واحد من إعلان «ترامب» أنه سيزور المملكة العربية السعودية، وذلك للعمل في تقديم الاستشارات في الشؤون الحكومية والتجارية مقابل 5.4 مليون دولار وفق سجلات وزارة العدل، وهو مبلغ هائل حتى بالنسبة إلى أنشطة الضغط المربحة.

ركزت أعمال سونوران في مجال الضغط على مر السنين على العملاء المحليين الصغار بما في ذلك شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، وفقا لسجلات فيدرالية. ولم يكن لديها أي خبرة في تمثيل الحكومات الأجنبية حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي.

في ذلك التوقيت استأجرت سونوران «ستيورات جولي» المدير السابق للجنة العمل السياسي المؤيدة لـ«ترامب»، والذي نجح في جمعت 28 مليون دولار لصالح الحملة. يقول «روبرت ستريك» مالك «سونوران» في مقابلة أجريت في يناير / كانون الثاني: «ستيوارت هو حقا أحد العباقرة الذين وقفوا وراء هذه التجربة البشرية العظيمة التي قدمتها حملة ترامب». وقد استفادت سونوران من علاقة «جولي» مع «ترامب» بعد أن حصلت على أول عميل أجنبي لها وهو الحكومة النيوزيلندية.

وقال «ستريك» لصحيفة نيوزيلند هيرالد: «قمت بالتواصل مع جولي لأجبره أننا بحاجة للوصول إلى ترامب للتحدث إلى رئيس وزراء نيوزيلندا، وفي غضون 30 دقيقة حصلنا على رقم الهاتف المحمول الخاص بترامب».

وقال مسؤول في البيت الابيض إن «ترامب لم يتحدث إلى جولي منذ مغادرته حملة ترامب في أبريل/نيسان الماضي، وأن «جولي» قد يكون بحوزته رقم هاتف ترامب القديم والذي لم يعد نشطا منذ يناير/كانون الثاني الماضي.

ويعد «ستريك» نفسه ممثلا جمهوريا طويل الأمد، وسبق له تمثيل مدير حملة «ترامب» السابق «كوري ليواندوفسكي» في عام 2016، حيث توسط لصفقة لكتاب بقيمة 1.2 مليون دولار، ولكنها فشلت لاحقا.

وكان «جاكوب دانيلز»، أحد وكلاء سونوران الآخرين، رئيسا لطاقم حملة «ترامب» في ميشيغان. كما انضم «روبن تولي»، وهو وكيل ضغط آخر إلى الشركة في مارس/أذار. وعمل «تولي» لقترة وجيزة كموظف في مجلس الأمن القومي الخاص بـ«ترامب».

وغادر «جولي سونوران» هذا الشهر لبدء شركته الخاصة وفق ما أودرته مجلة بوليتيكو. ولكن غيره من مساعدي «ترامب» السابقين لا يزالون هناك. وقال «كريغ هولمان»، وهو أحد محامي الضغط: «إذا لم يكن الأمر متعلقا باتصالات الأبواب الخلفية، فإن الحكومة السعودية لن تدفع 5.4 مليون دولار لصالح هذه الشركة». مضيفا: «حتى أفضل جماعات الضغط لا تستحق هذا الثمن».

واعتمدت الحكومة السعودية منذ فترة طويلة على أسطول من جماعات الضغط في واشنطن ودفعت ملايين الدولارات سنويا واحتفظت بمزيد من عقود الضغط (بلغت 28 عقدا) أكثر من أي دولة في العالم باستثناء اليابان التي احتفظت بـ47 عقدا.

ووفق ما يقوله «أندرو واينبرغ»، وهو متخصص في الشأن السعودي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومساعد سابق في الكونغرس: «عندما تقرع جماعات الضغط العاملة لصالح السعودية على بابي وتحاول أن تقنعني برؤية الأمور من المنظور السعودي فإنهم يقولون لنا لا تتحدثوا إلى السفارة لأنهم لا يعرفون ما يجري».

نشاط غير مسبوق

واتخذت جماعات الضغط السعودية خطوات غير مسبوقة في الأشهر الأخيرة لتسليط الضوء على علاقات البلاد مع الولايات المتحدة وجهودها العسكرية التي واجهت انتقادات لقتل مدنيين في اليمن. وتوترت العلاقات بين البلدين في ظل حكم الرئيس «باراك أوباما» وبلغ هذا التوتر ذروته عندما أصدر الكونغرس قانونا يتيح لأقارب ضحايا 11 سبتمبر مقاضاة الحكومة السعودية.

في أربع مناسبات منذ مارس/أذار، أرسلت مجموعة بوديستا، وهي شركة بارزة للضغط تابعة للديمقراطيين، مواد مؤيدة للسعودية لمئات من موظفي الكونغرس ومحللين في شؤون الشرق الأوسط. واشتملت هذه المواد على تصريحات للمسؤولين السعوديين وأكثر من 15 صفحة لمقابلة مع وزير الدفاع السعودي وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إضافة إلى سيرة ذاتية للسفير السعودي الجديد في الولايات المتحدة الأمير «خالد بن سلمان».

وجاءت هذه الرسائل بعد فترة وجيزة من قيام الديوان الملكي السعودي بتجديد عقد سنوي بقيمة 1.7 مليون دولار مع مجموعة بوديستا التي لم ترسل من قبل أي مواد جماعية نيابة عن العميل السعودي.

وفي حملة ضغط منفصلة قبل بدء جولة «ترامب» في الخارج، وزعت شركة الضغط «براونشتين هيات فاربر آند شريك» على مسؤولين أمريكيين تقريرين من 60 صفحة يشرحان منظور الحملة التي تقودها السعودية لاستعادة سلطة الرئيس اليمني.

ويعد «ميمي بروك» أبرز الوكلاء العالمين لهذه الشركة. وعمل بروك لمدة 24 عاما في السفارة السعودية في واشنطن وقام بتسجيل نفسه كوكيل ضغط لصالح وزارة الخارجية السعودية في 11 مايو/أيار الماضي.

وبعد سنوات من التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، مني السعوديون بهزة كبيرة في سبتمبر/ أيلول حين صوت الكونغرس للسماح لأسر ضحايا 11 سبتمبر بمقاضاة المملكة العربية السعودية وبعض مؤسساتها المالية بدعوى وجود صلة محتملة مع الهجمات.

وقال« جون ألترمان»، نائب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، أن السعوديين اعترفوا بسرعة «أنهم لم يكونوا جادين بما فيه الكفاية حول نهجهم في واشنطن».

وقال «ألترمان» إن المسؤولين السعوديين متشجعون بسبب إشارة التقارب التي يرسلها «ترامب»، لكنهم كانوا على الأرجح سيكثفون جهودهم في الضغط «سواء كانت إدارة ترامب أو إدارة كلينتون لان هناك تصورا واسعا في السعودية بأنهم لا يحصلون على ما يكفي من الدعم من قبل الولايات المتحدة».

كان أبرز ما قام به «ترامب» خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض هو القيام بتوقيع صفقة بقيمة 110 مليار دولار لبيع الأسلحة إلى السعودية، وهي صفقة توسط فيها «غاريد كوشنر»، صهره، الذي يخضع الآن للتدقيق في التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفدرالي في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016.

وفي الوقت نفسه، أعلن «ترامب» أن المملكة العربية السعودية سوف تستثمر 20 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية الأمريكية، وأن البلدين سوف تتخذان مبادرات جديدة لمحاربة الرسائل المتطرفة، وتعطيل تمويل الإرهاب.

جهود مضادة

ويستعد السيناتور «راند بول»، وهو جمهوري من كنتاكي، لاتخاذ إجراء في الكونغرس لمنع إتمام صفقة الأسلحة. ويعارض السيناتور «كريس ميرفي»، وهو ديمقراطي من كونيتيكت ويشغل عضوية لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ بشدة عملية البيع. وقال في مقال نشرته صحيفة هافينغتون بوست إن السعودية لديها «أسوأ سجل لحقوق الإنسان في المنطقة».

وسبق لـ«ترامب» نفسه أن هاجم السعوديين خلال حملته الانتخابية قائلا إنهم «يدفعون الشواذ من أعلى المباني ويعاملون النساء بشكل فظيع».

ولكن «ترامب» يركز انتقاداته اليوم على إيران، المنافس الأكبر للمملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط، وهو يرى السعودية السنية كحليف محتمل ضد إيران الشيعية.

مبارزة الأمراء السعوديين

وفي 14 مارس/ أذار، استضاف «ترامب» مأدبة غداء في البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، وزير الدفاع والوريث المحتمل للعرش. وقال بيان للبيت الأبيض فى ذلك الوقت أن الزعيمين «أكدا مجددا دعمهما لشراكة قوية وواسعة ودائمة. وفي اليوم التالي، جددت وزارة الخارجية السعودية عقدا سنويا بقيمة 1.5 مليون دولار مع شركة هوجان لوفيلز للضغط».

وقال «سيمون هندرسون» من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن اجتماع «ترامب» مع «بن سلمان» هو الذي دفع وزارة الداخلية إلى التعاقد مع مجموعة سونوران. ويعتبر وزير الداخلية وولي العهد «محمد بن نايف» أن «بن سلمان» هو منافسه الرئيسي على خلافة الملك البالغ من العمر 81 عاما.

وقال «هندرسون» إن صراع جماعات الضغط الأمريكية يشير إلى أن الأمراء السعوديين  يريدون الاستفادة من نفوذهم في واشنطن.
وقال «هندرسون»: «بعد رؤية منافسه يلتقي مع ترامب، أدرك بن نايف أنه يحتاج إلى تحسين أدائه».

«سي إن إن» - ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-