بشرى المقطري- العربي الجديد-
ساعدت بيئة الحرب في اليمن، بتعقيداتها المحلية والإقليمية، في تقوية الجماعات الدينية المسلحة، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة. وأسهمت أطراف الحرب اليمنية والإقليمية في تعزيز التنظيم مواقعه في مناطقه التقليدية في جنوب اليمن، إذ استخدمت جماعة الحوثي وعلي عبدالله صالح "فزّاعة القاعدة" لتبرير حروبها في المدن اليمنية، فيما وظفت القوى المتدخلة في اليمن عناصر من التنظيم في قوام تنظيماتها القتالية لمحاربة جماعة الحوثي وصالح، على أن اللافت في علاقة القوى المتدخلة في اليمن بتنظيم القاعدة خضوع هذه العلاقة لأجنداتها الإقليمية المتغيرة، ما جعلها تسعى إلى الفكاك من علاقتها بالتنظيم، وتسويق نفسها قوى تحارب الإرهاب في اليمن.
لم تبال العربية السعودية، قائدة التحالف العسكري في اليمن، بتزايد حضور تنظيم القاعدة في اليمن، إذ لا يشكل تنامي التنظيم عائقا أمام أجنداتها، ومن ثم وجدت أن حربها في اليمن وانهيار الدولة اليمنية، وكذلك ضعف السلطة الشرعية في الجنوب، فرصة سانحة لدحر المتشددين دينيا من أراضيها، ومن ثم تحويل اليمن إلى منطقةٍ مغلقةٍ للجماعات الدينية المتشدّدة.
اضطرت الإدارة الإماراتية للدفاع عن مصالحها في جنوب اليمن، بتوظيف القوة العسكرية الحاضرة على الأرض؛ إذ انتجهت، منذ بداية الحرب وحتى تحرير مدينة عدن، سياسة احتواء تنظيم القاعدة، بإنهاكه بالزج بمقاتليه في حربها ضد مليشيات الحوثي وصالح، على أن سعي الإمارات إلى تثبيت سلطتها بعد تحرير عدن، سرّع من تصادمها مع تنظيم القاعدة الذي ينازعها النفوذ في الجنوب، وهو ما فرض على الإمارات مواجهة القوة الأولى في الجنوب. وفي هذا السياق، قادت الإمارات حملة عسكرية لطرد تنظيم القاعدة من مدينة المكلا في إبريل/ نيسان 2016، على أن ما كشفته وقائع المعركة حينها هو إبرام الإمارات اتفاقيات مع تنظيم القاعدة عبر وساطات قبلية، ضمنت انسحاب التنظيم من المدينة في مقابل عدم مطاردته في المناطق الجنوبية الأخرى.
أثرت الديماغوجية الأميركية التي جعلت من مكافحة الإرهاب أساس مقاربتها لحروب الشرق الأوسط وأزماته، بما فيها الحرب في اليمن، ثم اندلاع الأزمة الخليجية، سلباً على مكافحة الإرهاب في المنطقة، فضلاً عن تسييسه، واستخدامه مبرّراً للتدخل في شؤون الدول الأخرى.
وفي هذا السياق، استغلت الإمارات، الطامحة إلى دور إقليمي يتجاوز قدراتها، الموقف الأميركي بتشكيلها محور الدول العربية المكافحة للإرهاب، كما قدمت نفسها قوة إقليمية أولى في محاربة "الإرهاب الديني" في المنطقة، في مقابل عزل السعودية في ملف مكافحة الإرهاب، ومثلت اليمن ساحة ملائمة لطموح الإمارات في محاربة الإرهاب، ضمنت لها تقارباً مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ما ترجم إلى تعاون عسكري أميركي - إماراتي في مواجهة تنظيم القاعدة في جنوب اليمن، ثم إعلان الجيش الأميركي، أخيرًا، إرسال قوة عسكرية مساندة للقوات الإماراتية لطرد عناصر التنظيم في مدينة شبوة.
دشّنت الإدارة الإماراتية، في بداية أغسطس/ آب الحالي، في اليمن، بدء حملتها العسكرية لطرد التنظيم من مدينة شبوة، بمعية قوات النخبة الشبوانية، وبإسناد قوات أميركية محدودة. وفي غضون أيام، أعلنت الإدارة الإماراتية سيطرتها على خمس مديريات في مدينة شبوة، بما فيها منطقة عزان (معقل تنظيم القاعدة في اليمن)، وملاحقة عناصر التنظيم إلى مدينة عتق، على أن ما تؤكده سياقات العملية العسكرية الإماراتية في شبوة أن العملية لم تكن وفق آلية واضحة تهدف إلى طرد عناصر التنظيم من المدينة، وإنما بغرض تأمين حقول النفط والغاز، ووضعها تحت الإشراف المباشر للإدارة الإماراتية في اليمن، إذ لم تحرّك الإدارة الإماراتية قواتها العسكرية لمحاربة تنظيم القاعدة في مدينة البيضاء، على الرغم من تغلغه هناك، وذلك لأن البراغماتية الإماراتية لا زالت في حاجة لعناصر التنظيم في حربها ضد مليشيات الحوثي وصالح في المدينة.
اللافت في الانتصارات الإماراتية ضد تنظيم القاعدة في مدينة شبوة ليس فقط سرعة تحريرها المدينة، وإنما تنافيها مع حقائق الأرض في المدينة، إذ تعد مدينة شبوة حاضنا اجتماعيا لتنظيم القاعدة منذ عقود طويلة، حيث تنحدر معظم قيادات الصف الأول من تنظيم القاعدة من مديريات شبوة، مثل ناصر العولقي، فضلا عن ثقل "القاعدة" القبلي في المدينة، على عكس مدينة المكلا التي كانت منطقةً طارئة بالنسبة للتنظيم، إلا أن الإدارة الإماراتية الحريصة على الاستعراض الإعلامي في حربها ضد القاعدة، لجأت إلى التكتيك نفسه الذي اتبعته في مدينة المكلا سابقاً، عبر عقد صفقات قبلية وسياسية لضمان خروج بعض عناصر التنظيم من المدينة. كما رافقت حملتها العسكرية في شبوة انتهاكات عديدة في حق مدنيين، ومداهمة منازل، واعتقالات وتوقيف لنساء، كما حدث لأسرة ناصر محمد العولقي، أحد عناصر التنظيم الذي اختطف في مدينة عتق مع زوجته وابنته. على أن تنظيم القاعدة لم يخسر معركته في مدينة شبوة، ولجأ، بطرقه الاعتيادية، إلى تنفيذ هجماتٍ ضد الجيش اليمني، ليس فقط في مدينة شبوة، وإنما امتدت إلى مدينتي سيئون وأبين.
تتنامى التنظيمات الدينية المتشدّدة في اليمن، بفعل سياسة الدول المتدخلة، فيما تمضي السياسة الإماراتية العمياء في الجنوب بتمثيل دور إقليمي لمحاربة الإرهاب في اليمن، وادعاء أنها ذات توجه علماني، بينما تؤكد سياساتها في الجنوب خصوصا، وفي المناطق المحرّرة الأخرى، بأنها دعمت تنظيم القاعدة، عبر تكريسها البيئة الاجتماعية الدينية المتشددة، إذ أعلت السياسة الإماراتية في جنوب اليمن من الجماعات الدينية المتشدّدة على حساب القوى المدنية اللبيرالية والعلمانية، حيث تبنت الإمارات المجاميع السلفية في الجنوب سياسياً وعسكرياً، ما أدى إلى تقوية نفوذ المتشددين دينياً، وتحولهم، بفضل الحماية الإماراتية، إلى قوة اجتماعية وسياسية مسيطرة في الجنوب، تواجة القوة المدنية، فقد تصاعدت في مدينة عدن عمليات تكفير، واعتقالات لنشطاء، فضلا عن اغتيالاتٍ على خلفية دينية، بدء من اغتيال عمر باطويل قبل عام، وحتى اغتيال الناشط السياسي أمجد عبدالرحمن في مايو/ أيار الماضي، وهو الاغتيال الذي ارتكبته عناصر دينية تدعمها الإمارات، ممثلة بالقائد العسكري إمام النوبي، قائد معسكر 20 في عدن.
تحولت حرب الآخرين ضد الإرهاب في اليمن إلى إرهاب لا سابق له، ناعم، إذ لا يعرف العالم أن القوى المتدخلة في اليمن لا تحارب الإرهاب، وإنما تنميه لتنفيذ أجنداتها، وأنه باسم مكافحة الإرهاب حدثت، ولا زالت تحدث، مئات من المآسي والانتهاكات بحق اليمنيين، لتشكل إرهابا بحد ذاته؛ فتحت مظلة حرب الإمارات على الإرهاب في اليمن، قتل شباب بعمر الورد في سجون جنوبية وبإشراف إماراتي.. قُتل محمد غازي وأصيل أحمد ناجي وزكي جمعان باعواض وريمي علي صالح جرّاء التعذيب بتهم كيدية، وبذريعة محاربة الإمارات الإرهاب في اليمن.