ديفيد بولوك- معهد واشنطن-
أثار الخبر الصاعق حول السماح للمرأة بالقيادة في السعودية ردود فعل متباينة ومفاجئة في صفوف أبرز مراقبي المملكة. وبدا ارتياح عام لأن الرياض بدأت أخيرًا بعملية الإصلاح الفعلي، ولكن ظهر أيضًا تخوف من احتمال ردة فعل رجعية. ويدلّ ذلك على قضية أكبر أساسية وأصولية في آن: هل ولي العهد محمد بن سلمان معتدل لدرجة تهدّد بقاءه؟
ولغاية الآن، اعتمدت الإجابات على هذا السؤال على تخمينات بشأن المواقف الشعبية السعودية. ولكن يظهر حاليًا استطلاع حديث ونادر للرأي العام مستوى ملفتًا من الدعم لهذه المواقف المعتدلة. وتوفّر في الوقت عينه مجموعة البيانات الفريدة من نوعها هذه الدليل القاطع الأول على بعض الانقسامات الاجتماعية الداخلية المستمرة التي لا بدّ من مراقبتها عن كثب في الوقت الذي يتعامل فيه ولي العهد مع ضغوطات الآراء المتباينة الحساسة في صفوف رعاياه.
ويظهر استطلاع الرأي على وجه التحديد أن نصف الشعب السعودي ينحاز إلى جانبين مختلفين من القضية الأساسية المتعلقة بالأصولية مقابل الإصلاح. ولا يزال الربع يدعم سرًا جماعة "الإخوان المسلمين" بالرغم من تصنيف حكومتهم لها بالمنظمة الإرهابية. وفي المقابل، يعتبر ربع السعوديين من الراشدين أن "الاستماع إلى من يحاولون تفسير الإسلام بطريقة معاصرة ومتسامحة ومعتدلة" هي "فكرة جيدة".
أما النصف الآخر من الشعب السعودي، فهو في مكان ما في الوسط ويميل ربما إلى منح القادة قرينة الشك عند تحديد السياسة العامة بشأن هذه القضايا الدينية المثيرة للجدل. وتشير هذه النتائج إلى أن الرياض تستطيع الاعتماد على دعم هام من الشعب في إصلاحاتها الاجتماعية وعلى حرية تصرّف كبيرة يمنحها إياها الشعب بشكل عام لتحديد هذا الاتجاه الجديد. ومع ذلك، يحتفظ الأصوليون المتشددون بولاء أقلية لا بأس بها من السعوديين وهذا يفرض وتيرةً بطيئة محتّمة على المرحلة الانتقالية التي ستتخلّلها من دون شك العراقيل.
فلمَ ينبغي أن يهتم الأمريكيون للرأي العام السعودي؟ ليس لأن هذا الحليف الأساسي في الشرق الأوسط والقِبلة لمسلمي العالم كافة الذين يبلغ عددهم 1.7 مليارات نسمة وأكبر مصدّر عالمي للنفط من دون منازع هو نظام ديمقراطي – فهذا ليس الحال مطلقًا. بل لأن حتى الأنظمة الملكية المطلقة مثل المملكة العربية السعودية ينبغي أن تولي بعض الاهتمام للمزاج العام المتعلّق بأبرز المواضيع من أجل الاستمرار بكل بساطة.
وتشير هذه النتائج إلى انسجام الرأي العام السعودي بشكل عام مع حكومته بشأن بعض القضايا الساخنة. بالإضافة إلى ذلك، كشفت نتائج أخرى عن انسجام السعوديين بشكل عام أيضًا مع أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. ويحمل ذلك معه بشائر هامة ومشجعة على نحو مفاجئ على صعيدي الاستقرار الداخلي والشراكة السلسة مع واشنطن. وعلى عكس ذلك، لا بدّ من أن تراعي واشنطن والرياض إشارات التحذير هذه وربما أن تعيد النظر في سياساتهما بشأن القضايا المذكورة أدناه والتي يختلف حولها الرأي العام السعودي.
أجرت شركة عربية لأبحاث السوق التجارية استطلاع الرأي في الشهر الماضي واعتمدت أسلوب المقابلة وجهًا لوجه مع عينة وطنية تمثيلية عشوائية ضمّت ألف مواطن سعودي. وخلافًا لمعظم استطلاعات الرأي الأخرى، لم يحظَ هذا الاستطلاع برعاية رسمية ولم تراقبه الحكومة ولم توجّهه المعارضة ولم تكن العينة ذاتية الاختيار. وبفضل ذلك، كانت النتائج موثوقة للغاية وعكست بدقة رأي "الشارع العربي" والنخبة السعودية أيضًا.
وعندما طُلب من السعوديين اختيار أولويتهم القصوى للسياسة الأمريكية، اختاروا في المقام الأول وبنسبة 27 في المئة "زيادة معارضتها العملية لنفوذ إيران وأنشطتها إقليميًا". وتبعه بنسبة 24 في المئة "توسيع نطاق دورها الفعال في محاربة تنظيم "داعش" و"القاعدة" والجماعات الإرهابية المماثلة". وتلى ذلك مباشرةً "بذل جهد أكبر للتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة في اليمن". واحتل المرتبة الرابعة "ممارسة ضغط أكبر لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي" بنسبة 16 في المئة. وعلى نحو ملحوظ أيضًا، قالت نسبة قليلة (11 في المئة) إنه يتعيّن على الولايات المتحدة بكل بساطة "الحد من تدخلاتها في المنطقة".
وفضلًا عن ذلك، تتّفق أغلبية ملفتة من الشعب السعودي على عنصر أساسي جديد في السياسة الأمريكية: رأى 68 في المئة من السعوديين أنه "ينبغي على الدول العربية الاضطلاع بدور جديد في محادثات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية وتقديم المحفزات للجانبين من أجل اتخاذ مواقف أكثر اعتدالًا".
وهذا لا يعني إطلاقًا أن الشعب السعودي يحبّذ السياسة الأمريكية بشكل عام. ففي الواقع، أبدت نسبة 20 في المئة وجهة نظر مؤيدة لهذه النقطة العامة. ومع ذلك، ترى ضعف هذه النسبة أنه "من الضروري أن تجمع علاقات جيدة بين بلدنا والولايات المتحدة". وتوافق النسبة عينها أيضًا على "حاجة البلدان العربية إلى مساعدة القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة للتغلّب على خلافاتها" في الأزمة الحالية مع قطر.
وفي ما يتعلّق بهذا النزاع الإقليمي الساخن يتّفق ثلاثة أرباع السعوديين على ثلاثة أمور: أولًا، "النتيجة الفضلى هي الحل التوافقي". ثانيًا، الهدف هو "أقصى درجة من التعاون العربي ضد إيران". وثالثًا، قناة "الجزيرة" سيئة. ولكن ينقسم السعوديون على نحو مفاجئ حول نقطتين هامتين إضافيتين بالرغم من تشدد حكومتهم ضد قطر. فهم يختلفون حول مواصلة مقاطعة قطر وحول ما إذا "يحق لكل بلد عربي تقرير مصيره بنفسه" أم لا.
وفي هذا الصدد، يتميّز هذا الاستطلاع أيضًا بتقديمه أرقام حول الاختلافات الطائفية السعودية. ويتألّف مواطنو السعودية بنسبة 90 في المئة تقريبًا من السنّة فضلًا عن أقلية شيعية بنسبة 10 في المئة. ويبرز توافق مفاجئ للآراء حول بعض القضايا. ويوافق السعوديون من الطائفتين بشكل عام على أن "الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي الآن هو أهم بالنسبة لبلدنا من أي قضية تتعلّق بالسياسة الخارجية". ويرى ثلاثة أرباع السعوديين من المجموعتين أنه "يتعيّن على العرب العمل بجهد أكبر من أجل التعايش والتعاون بين السنّة والشيعة". ويُظهر السعوديون توافقًا بين الطوائف حول هذه المسائل.
ولكن في ما يتعلّق ببعض القضايا الهامة الأخرى، يتجلّى انقسام طائفي عميق. وردًا على سؤال حول السياسة الإيرانية الأخيرة عبّرت نسبة 3 في المئة ليس إلا من السعوديين السنّة عن رأي مؤيّد – مقابل 46 في المئة من السعوديين الشيعة. ويمتد هذا الاختلاف الحاد ليطال وكيل إيران الشيعي اللبناني "حزب الله". ويؤيّد 57 في المئة من السعوديين الشيعة هذه الحركة مقابل 4 في المئة لا غير من السنّة.
وفي الإجمال تثبت مجموعة البيانات الفريدة من نوعها هذه الأساس الراسخ الذي يرتكز عليه سعي حكومتي الولايات المتحدة والسعودية إلى تعاون أكبر ضد الإرهابيين الجهاديين وضد إيران ومن أجل إطار عمل إقليمي واسع النطاق حول القضايا الإسرائيلية-الفلسطينية. وفي الوقت عينه، تظهر الانقسامات الشعبية السعودية حول بعض القضايا العربية الداخلية والإسلامية والطائفية التي قد تكون فيها التعديلات في السياستين السعودية أو الأمريكية ضرورية.