جورجيو كافييرو وخالد الجابر / منتدى الخليج الدولي-
منذ ولادة مجلس التعاون الخليجي عام 1981، بدافع من التهديد الخارجي، رأت الدول الست التهديدات الإقليمية والدولية بشكل مختلف. في بعض الحالات، لم تتطور الاختلافات في الرأي لنزاعات أعمق أو نزاعات استراتيجية، بينما شهدنا في أوقات أخرى، وخاصة منذ يونيو/حزيران 2017، حملات إعلامية بين دول مجلس التعاون الخليجي ونزاعات سياسية مكثفة.
ومع بدء السنة الرابعة من الحصار المفروض على قطر، من الواضح أن مجلس التعاون الخليجي فشل كمؤسسة وأنه غير قادر على إنهاء الانقسامات. وقد دفع ذلك جميع دول مجلس التعاون الخليجي تقريبًا إلى البحث عن ضامنين أمنيين بديلين لردع التهديدات.
ولادة رؤية مشتركة
في 25 مايو/أيار 1981 عقد حكام 6 دول في شبه الجزيرة العربية - البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات - القمة الأولى لمجلس التعاون الخليجي في فندق "إنتركونتيننتال" أبوظبي.
وانضم قادة هذه الدول الست حول طاولة وناقشوا سبل تعزيز علاقاتهم مع حماية مصالحهم المشتركة بشكل جماعي. ألقى الشيخ "زايد بن سلطان آل نهيان"، المعروف باسم مؤسس دولة الإمارات، كلمة ترحيبية أعقبت تلاوة قرآنية. ثم وضع حكام دول مجلس التعاون الخليجي توقيعاتهم على وثيقة أنشأت رسميًا المؤسسة الإقليمية الفرعية.
في الشهر الماضي، بدأ مجلس التعاون الخليجي عامه الأربعين. على مدى العقود الأربعة الماضية، واجه المجلس العديد من الصراعات بينما كان يحاول منح دول مجلس التعاون الخليجي صوتًا موحدًا.
يمكن فهم تاريخ مجلس التعاون الخليجي من خلال النظر في 4 تطورات إقليمية أثرت بشدة على منطقة الخليج: أولاً، الحرب الإيرانية العراقية 1980-1988؛ ثانياً، أزمة الكويت 1990-1991؛ ثالثاً، الغزو الأمريكي للعراق عام 2003؛ ورابعا، ثورات الربيع العربي بعد 2011.
صراعات مستمرة من أجل الأمن
دول مجلس التعاون الخليجي وسط الحرب العراقية الإيرانية، التي هددت أمن المنطقة بأسرها ويقدر أنها أسفرت عن مقتل أكثر من مليون شخص. بدأ الصراع رسميًا في سبتمبر/أيلول 1980 عندما قامت قوات "صدام حسين" بغزو غرب إيران بعد فترة وجيزة من إسقاط الثورة الإسلامية الإيرانية للشاه الموالي للغرب، وترك ذلك الممالك الخليجية معرضة للخطر. وخشى أعضاء مجلس التعاون الخليجي غضب طهران لأن أغلبيتهم اختاروا دعم العراق، ضد النظام الإيراني الذي اعتبره معظم ملوك الخليج تهديدًا وجوديًا.
ومع ذلك، في وقت مبكر من وجود دول مجلس التعاون الخليجي، مع اندلاع الحرب الإيرانية العراقية، كانت الانقسامات الداخلية في المؤسسة مرئية بالفعل. لم تدعم جميع دول مجلس التعاون الخليجي بغداد ضد طهران. بقيت عُمان محايدة طوال معظم فترة الحرب، بالرغم من اتخاذ موقف موال للعراق قليلاً في بداية النزاع. كانت الإمارات منقسمة إلى حد ما. كانت أبوظبي متعاطفة مع العراق، حيث شاركت الكثير من وجهة نظر السعودية تجاه الجمهورية الإسلامية الوليدة، في حين كانت دبي مصممة على الحفاظ على علاقاتها التجارية القوية مع الجار الفارسي بالرغم من الحرب.
بعد عامين من توقيع النظام الثوري الإيراني والقيادة البعثية العراقية على معاهدة سلام، حول "صدام حسين" جيشه ضد الكويت. كانت استجابة دول الخليج العربي هي الوحدة، مؤكدة كيف يمكن لمجلس التعاون أن يجتمع في أوقات الأزمات. ومع ذلك، فإن عدم قدرة دول الخليج على الدفاع عن نفسها بشكل مستقل تم تأكيده من خلال حقيقة أن تحرير الكويت من المحتلين العراقيين نتج فقط عن التدخل العسكري الأمريكي الحاسم الذي حدث في عام 1991.
كان الدرس واضحًا للجميع في دول مجلس التعاون الخليجي: الاعتماد على المؤسسة، وعلى المملكة العربية السعودية، لأمنهم ببساطة لم تكن وسيلة آمنة. وهكذا، في فترة ما بعد عام 1991، أقام جميع أعضاء المجلس الستة علاقات أمنية خاصة بهم مع الولايات المتحدة، والتي أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم بمجرد انهيار الاتحاد السوفياتي في نفس العام الذي حدثت فيه أزمة الكويت.
أثر غزو العراق وصعود الجهات الفاعلة من غير الدول
بعد 12 سنة، واجهت دول مجلس التعاون الخليجي معضلة كبيرة عندما قررت إدارة "جورج دبليو بوش" إدخال الولايات المتحدة في حرب ضد العراق. كانت وجهات نظر الممالك الخليجية، التي كانت تخشى "صدام حسين" واعتبرته تهديدًا، معقدة.
بالرغم من أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي -باستثناء الكويت- كانت تعارض الحرب رسميًا، إلا أنها جميعاً - بدرجات متفاوتة - قدمت تسهيلات لوجيستية للغزو الذي قادته الولايات المتحدة.
كحلفاء مقربين للولايات المتحدة، كانت دول الخليج مهتمة بعدم الاشتباك علنا مع إدارة "بوش"، ولكن كان لديهم أيضا مخاوف بشأن غضب اشعوبهم بسبب الغزو الأمريكي للعراق، فضلا عن مخاوف حول كيفية استغلال إيران ومختلف الجهات الفاعلة غير الحكومية الفوضى في عراق ما بعد الحرب.
ولم يكن هناك أي انتشار كبير للفوضى من العراق إلى دول مجلس التعاون الخليجي بعد الإطاحة بـ"صدام حسين" عام 2003. وبدلاً من ذلك، انتقل عدم الاستقرار في الاتجاه المعاكس حيث انتقل الآلاف من السلفيين الجهاديين من بعض دول مجلس التعاون الخليجي إلى العراق.
وحدث تدفق هؤلاء المقاتلين الأجانب إلى العراق في وقت تزايدت فيه المخاوف بشأن كيانات تمول شبكات إرهابية عالمية من منطقة الخليج. علاوة على ذلك، وجدت مجموعة دراسة العراق، التي عينها المشرعون الأمريكيون عام 2006 للنظر في أزمة المقاتلين الأجانب في العراق، أن تمويل التمرد السني يأتي من أفراد عاديين في دول مجلس التعاون الخليجي.
بما أن عراق ما بعد البعث ظل دولة شديدة الخطورة، توصلت دول مجلس التعاون الخليجي بسرعة إلى فهم مدى قوة الجهات الفاعلة غير الحكومية في المنطقة. على عكس أول حربين خليجيتين (1980-1988 و1990-1991)، فإن التطورات التي اندلعت في العراق بعد سقوط "صدام حسين" عام 2003 كانت مدفوعة إلى حد كبير من قبل جهات غير تابعة للدولة، مثل القاعدة في العراق (التي تحولت فيما بعد إلى تنظيم الدولة الإسلامية) وعشرات من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران والتي اعتبرتها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى تهديدات خطيرة.
الربيع العربي واستقطاب دول مجلس التعاون الخليجي
في الوقت الذي اندلعت فيه احتجاجات الربيع العربي عام 2011، واجهت دول مجلس التعاون الخليجي مجموعة كبيرة من التحديات الجديدة التي كشفت في نهاية المطاف عن انقسامات كبيرة وخلافات عميقة بين دول الخليج العربية - بشكل رئيسي بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى.
بالرغم من أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي كانت داعمة لتغيير النظام في سوريا بينما عارضته جميعًا بشدة في البحرين، رأى قادة دول الخليج التطورات في مصر وليبيا وتونس بطرق مختلفة. في قلب هذه الاختلافات كان هناك سؤال حساس: هل يجب على دول مجلس التعاون الخليجي دعم مراكز القوة الإسلامية التي انبثقت من ثورات الربيع العربي وانتخبت ديمقراطياً؟
الآن في عام 2020، يستمر هذا السؤال في استقطاب دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يتضح من الأزمة الخليجية الراهنة. في حين أن الرياض وأبوظبي رأوا صعود الأحزاب الإسلامية المنتخبة ديمقراطياً كتهديد كبير للوضع الراهن في الشرق الأوسط الذي سعوا للحفاظ عليه، قررت الدوحة تبني نهج مختلف جذريًا تجاه الإسلاميين الذين وصلوا للسلطة في بعض الدول العربية من خلال صناديق الاقتراع.
اعتبر الدبلوماسيون القطريون الإسلاميين المنتخبين ديمقراطيا والمعتدلين ممثلين شرعيين بحاجة إلى الاعتراف. في منطقة حيث الإسلام هو الدين الرئيسي، فإن قطر والدول العربية الأخرى مقتنعة بأن نمو الإسلاموية كأيديولوجية يكاد يكون نتيجة طبيعية للحرية السياسية بعد عقود من الدكتاتورية في بلدان مثل مصر وتونس. لذلك، لا يزال النهج المتضارب بين مواجهة هذه الحركات أو قبولها هو الخلاف الرئيسي بين الدوحة من جهة والرياض وأبوظبي من جهة أخرى.
في حين تم حل الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2014 رسميًا في نفس العام، إلا أن اندلاع الأزمة الخليجية منتصف عام 2017 كشفت أنه لم تم حل القضايا الأساسية التي تسببت في الانقسام.
وبالرغم من وجود مستويات معينة من التعاون التكنوقراطي بين الدول الأعضاء الست، فلا يستطيع أحد إنكار أن دول مجلس التعاون الخليجي ليس لديها القدرة على التنسيق بشأن القضايا الأمنية الرئيسية في البيئة المعاصرة. ببساطة، لا يوجد إجماع على طبيعة التهديدات الإقليمية للأمن، حيث تتباين التصورات تجاه "الإخوان المسلمين" وإيران وتركيا بشكل كبير بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي.
واليوم، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات أمنية رهيبة من الحرب في اليمن إلى جائحة "كورونا"، ومن الأزمتين السورية والليبية إلى حافة الهاوية الحادة بين الولايات المتحدة وإيران التي تعرض جميع دول الخليج لمخاطر جسيمة.
وباعتبارهم حلفاء مقربين للولايات المتحدة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد بشكل أساسي على علاقاتها الثنائية مع واشنطن لتعزيز مصالحها الأمنية دون أن يكون لديها إطار عمل خليجي فعال للعمل فيه.
وفي نفس الوقت، على خلفية تراجع النفوذ العالمي للولايات المتحدة، فإن دول الخليج أجبرت على النظر في أسئلة حول المصالح والالتزامات طويلة الأجل للولايات المتحدة، والتي دفعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى السعي لتنويع علاقاتها الجيوسياسية والأمنية من خلال إقامة شراكات عميقة مع القوى البديلة مثل الصين وفرنسا وروسيا.
في الشهر الماضي، اجتمع 70 باحثًا أكاديميًا وبارزًا من جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست لوضع توقيعاتهم على وثيقة دعت المسؤولين الحكوميين في الخليج إلى اتخاذ خطوات من أجل إعادة توحيد دول مجلس التعاون الخليجي ليس فقط "من خلال المصالح، ولكن أيضًا من خلال الروابط الأسرية التاريخية مع مراعاة التهديدات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الاستراتيجية الناشئة، ووضع خطط جماعية لمواجهة هذه التهديدات التي تواجه مصالحهم واستقرارهم.
بالرغم من منطق هؤلاء المثقفين الذين يرغبون في عودة دول مجلس التعاون الخليجي إلى وضعها قبل عام 2017، خاصة مع استعداد الشرق الأوسط لدخول عصر ما بعد "كورونا" وسط انخفاض في أسعار النفط العالمية، فإن إنهاء هذا النزاع لن يكون سهلا.
ستجعل الطبيعة الصفرية لهذه المواجهة من الصعب على الجانبين إيجاد طريقة تحفظ الوجه بشكل متبادل لحل الأزمة. من وجهة النظر القطرية، سيكون من الغباء الوثوق بدول الحصار حيث يدرك المسؤولون في الدوحة أن الحصار يمكن أن يتكرر في المستقبل.
ومع تصاعد العداء الشخصي بين مختلف الحكام والتراشق بين مواطني قطر ودول الحصار، يبدو أن الأزمة ألحقت أضرارًا دائمة للسياسة والاقتصاد والنسيج الاجتماعي لدول مجلس التعاون الخليجي.