المدينة السعودية-
كشفت مصادر مطلعة بوزارة العدل لـ»المدينة» أن عدد قضايا السب والقذف والشتم المنظورة لدى المحاكم خلال العام الماضي بلغت (4.675) قضية.
وأوضح مصدر بالمجلس الأعلى للقضاء أن تعميم رئيس المجلس الأعلى للقضاء جاء بعد كثرة الاستفسارات التي وردت للمجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل حول الاختصاص الولائي بنظر هذه القضايا في الحق الخاص هل يكون لدى المحاكم الجزائية أم للجنة النظر في مخالفات النشر الإلكتروني، فقد تم دراسة هذا الموضوع من جميع جوانبه، وبعد الاطلاع على نظام الإجراءات الجزائية وعلى نظام المطبوعات والنشر، واللائحة التنفيذية لنشاط النشر الإلكتروني، وعلى نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، واستطلاع ما عليه العمل في المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف في عموم المملكة، التي ترى اختصاص القضاء العام بمثل هذه القضايا، قرر المجلس الأعلى للقضاء اختصاص القضاء العام بنظر قضايا السب والقذف والشتم في مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال المصدر: إن رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني حسم أخيرًا تنازع الاختصاص الذي كان حاصلًا في المحاكم حول قضايا السب والقذف والشتم بمواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن أصدر المجلس الأعلى للقضاء تعميمًا على جميع المحاكم بنظر قضايا السب والقذف والشتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي لدى القضاء العام وذلك في الحق الخاص، بعد تنازع الاختصاص الذي كان سابقًا ما بين بعض المحاكم واللجنة الابتدائية لنظر مخالفات النشر الإلكتروني السمعي والبصري في وزارة الثقافة والإعلام.
تحديد الإختصاص في الحق الخاص
من جانب آخر أكد المحامي الدكتور منصور الخنيزان أن الإشكالية كانت في السابق في تنازع الاختصاص بين المحاكم الجزائية ولجنة النظر في مخالفات النشر الإلكتروني، فكثير من جرائم النشر الإلكتروني كانت ترفضها المحاكم على أساس انعقاد الاختصاص للجنة النظر في مخالفات النشر الإلكتروني بوزارة الإعلام، حتى لو انطوت المخالفة على عبارات السب والقذف، إلا أن خطاب رئيس مجلس القضاء الأعلى الأخير قد وضح وحدد الاختصاص بين الجهتين بأن يكون النظر في الحق الخاص في جرائم السب والقذف من اختصاص القضاء العام وليس من اختصاص لجنة النظر في مخالفات النشر الإلكتروني، وهذا القرار الأخير قد أبقى للجنة المذكورة كامل اختصاصها عدا النظر في جرائم السب والقذف.
العقوبات المترتبة على جرائم النشر الإلكتروني
وأضاف: إن العقوبة المترتبة على جريمة النشر الإلكتروني على حسب طبيعة الفعل ويجدر بنا أن نفرق بين عدة حالات:
الحالة الأولى: إذا كان المحتوى الإلكتروني المنشور يعد تشهيرًا بالغير فتقوم المحكمة الجزائية، بمعاقبة الفاعل بالحبس مدة لا تزيد عن سنة، وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين وذلك على حسب ما ورد في المادة الثالثة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية.
الحالة الثانية: إذا كان المحتوى المنشور يحمل في طياته عبارات السب أو القذف، ففي هذه الحالة تقوم المحكمة الجزائية بتوقيع عقوبة تعزيرية على الفاعل في جريمة السب و بتوقيع حد القذف على الفاعل إذا توافرت الأركان المستوجبة لحد القذف.
الحالة الثالثة: إذا كان المحتوى الإلكتروني يحتوى على مخالفات مهنية أو أخبار مكذوبة وغيرها من الصور المشابهة فتقوم لجنة النظر في مخالفات النشر الإلكتروني بتوقيع العقوبات التالية:
1ــ تصحيح الخبر الكاذب وتعويض المتضرر
تُطبق هذه العقوبة في حالة قيام الناشر الإلكتروني بنشر محتوى غير صحيح ومبني على أخبار كاذبة، فينبغي على الناشر طبقًا لهذه الحالة القيام بتصحيح الخبر ونشره مجانًا في أول عدد أو محتوى جديد يتم نشره، وفي نفس المكان الذي تم نشر الخبر السابق فيه، أو في مكان بارز داخل وسيلة النشر الإلكتروني، كما يحق لمن أصابه ضرر من المحتوى الإلكتروني المنشور، المطالبة بالتعويض،ذلك على حسب ما ورد في المادة الخامسة والثلاثين من نظام المطبوعات والنشر.
2ــ سحب المحتوى المنشور
في حالة نشر محتوى إلكتروني مخالف للشريعة الإسلامية، فتقضي اللجنة بسحب هذا المحتوى وحذفه،وذلك على حسب ما ورد في المادة السادسة والثلاثين من نظام المطبوعات والنشر.
3ــ غرامة مالية قدرها خمسون ألف ريال أو إغلاق وسيلة النشر الإلكتروني لمدة شهرين أو الإغلاق النهائي. وجاء النص في لائحة النشاط الإلكتروني على هذه العقوبة، والتي وردت في الأصل في نظام المطبوعات والنشر، في المادة الثامنة والثلاثين، إلا أن اللائحة لم تحدد صراحة على أي من المخالفات يمكن تطبيق هذه العقوبة ولكن يمكن استنباط الأمر من خلال ما جاء في المادة الحادية عشرة من لائحة النشاط الإلكتروني والتي جعلت كل من لم يبادر في خلال ستة أشهر من تاريخ هذه اللائحة بتصحيح وضعة وتسجيل نشاطه الإلكتروني لدى وزارة الإعلام، يعتبر مخالفًا لنظام المطبوعات والنشر ولائحته مما يستنتج معه توقيع العقوبة السابقة وهي الغرامة المالية أو الغلق المؤقت أو الدائم للنشاط الإلكتروني، في حالة عدم استجابة أصحاب النشاط الإلكتروني بتقنين أوضاعهم في خلال ستة أشهر من نشر هذه اللائحة.
ثقافة التقاضي تحد من الجرائم
وعن الدور الذي ستحدثه تنمية ثقافة التقاضي في مثل هذه القضايا، أكد الخنيزان أن الحداثة النسبية لوسائل التواصل الاجتماعي كعالم افتراضي، تتم فيه الكثير من الحوارات والسجالات الفكرية والعلمية قد خلقت لدى البعض فكرة غير صحيحة في أن التجاوزات على هذه المنابر الافتراضية لا تخضع لعقوبة ولا رقابة، فزادت في الآونة الأخيرة هذه الجرائم وكثرت التجاوزات وأرى أن تنمية ثقافة التقاضي في مثل هذه القضايا سيحد بشكل كبير من هذه الجرائم حيث سيكون الفاعل على دراية أن ما سيقوم به سيخضع للرقابة القضائية وأنه سيكون عرضة لتوقيع عقوبة جزائية.
إساءة إستخدام حرية التعبير في انتهاك الحرمات
بدوره أكد المستشار القانوني د. محمد المحمود أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة تقدّم مزيدًا من الحريّة في التعبير عن الرأي، وتسهّل طرق النصيحة والنقد، إلا أننا نجد أن البعض أساء استخدام تلك الحريات والحقوق، وتجاوز الحد الفاصل بين حرية الرأي وبين الإساءة إلى مقام الله عز وجل، أو الإساءة إلى المصطفى الحبيب صلى الله وعليه وسلم، أو الإساءة إلى شعائر الدين القيّمة، وتشكيك الناس في معتقدهم وديانتهم.
كما نجد أن البعض استغلها أيضًا في الإساءة إلى الأفراد وانتهاك حرماتهم، أو التحريض على الإخلال بالأمن، وانتهاك سيادة الدول، والإساءة إلى المجتمعات والشعوب، ظنًا منهم أنهم سيحققون أهدافهم وهم بعيدون عن المساءلة الجنائية عما يكتبون أو ينشرون في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، واعتقادًا منهم بأن ما يمارسونه هو من قبيل حرية التعبير عن الرأي التي كفلتها الشريعة الإسلامية والأنظمة لكل فردٍ في المجتمع، أو لاعتقادهم أن هذا من قبيل حقهم في النقد أو النصيحة.
وقد سُنّت بعض الأنظمة التعزيرية في المملكة العربية السعودية لضبط هذه الأمور، والمعاقبة على التجاوزات؛ فصدر نظام مكافحة جرائم المعلوماتية بالمرسوم الملكي بتاريخ 8/3/ 1428هـ الذي يضبط معايير النشر الإلكتروني، ويُحدد جرائمه. بعد ذلك صدرت الموافقة على إضافة هذا النشاط لنظام المطبوعات والنشر بتاريخ 18 /3 /1432هـ وصدرت اللائحة التنفيذية لنشاط النشر الإلكتروني ثم صدر نظام جرائم الإرهاب وتمويله بالمرسوم الملكي رقم (م/ 16 ) وتاريخ 24/ 2/ 1435هـ.
واكد المحمود أن الاختصاص القضائي في الجرائم المعلوماتية عبر وسائل التواصل الاجتماعي محل إشكال اليوم؛ فالمحكمة الجزائية تستقبل ولجنة النظر في مخالفات النشر الإلكتروني والسمعي والبصري أيضًا تستقبل، وأرى أنه لابد من توحيد جهة الاختصاص بيد القضاء فيما يشكّل بطبعه جريمة، أما المخالفات ذات الطابع الإعلامي والثقافي فتكون اللجان المشكلة في وزارة الثقافة والإعلام هي الجهة المختصة بالنظر فيها.
جرائم حدية
وأضاف: إن هناك جرائم مستثناة ولا يمكن أن يُحتج بكون هذه الجريمة إعلامية لارتكابها عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، فتنظرها اللجنة الإعلامية المشكّلة بموجب المادة السابعة والثلاثين من نظام المطبوعات والنشر؛ ذلك أن مثل هذه الجرائم مما يختص بنظرها القضاء لكونها حدّية، ومعاقبٌ عليها بالإتلاف، ولذلك نص الأمر الملكي بتاريخ 25 /5 /1432هـ القاضي بتعديل نظام المطبوعات والنشر بأنه:»إذا كانت المخالفة تمثل إساءة إلى الدين الإسلامي, أو المساس بمصالح الدولة العليا أو بعقوبات يختص بنظرها القضاء، فعلى اللجنة إحالتها - بقرار مسبّب- إلى الوزير لرفعها إلى الملك للنظر في اتخاذ الإجراءات النظامية لإقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة، أو اتخاذ ما يراه محققًا للمصلحة العامة»