يجب معرفة أمور عدة قبل الحديث عن الحاجة لتوطين الوظائف الأكاديمية، الأمر الأول هو نسبة أعضاء هيئة التدريس السعوديين في الجامعات الحكومية والأهلية، مقارنةً بغير السعوديين، الأمر الثاني تحديد النسبة المقبولة لغير السعوديين، خصوصًا ونحن في بلدٍ أُنشِئتْ أولى جامعاته قبل 60 سنة تقريبًا. الأمر الثالث: أهمية السعي لتوطين الوظائف الأكاديمية بالكامل، مقابل الإبقاء على عنصر التنوع. إجمالي متوسط نسبة السعوديين في الجامعات الحكومية يصل تقريباً لـ٦٠٪، أعلاها الجامعة الإسلامية، وجامعة الإمام محمد بن سعود، وجامعة الأميرة نورة، وأخيراً جامعة الملك سعود بنسب سعودة تصل لأكثر من ٧٥٪، وأدناها بنسب تقل عن ٤٠٪ في جامعة جازان، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الحدود الشمالية. في المقابل نسبة السعودة في الجامعات الأهلية لا تتجاوز ٢٣٪، أعلاها بنسب تزيد على ٥٠٪ في ثلاث كليات وجامعات، وأدناها بنسب تقل عن ١٠٪ في أربع كليات.
وبالنظر للتجربة العالمية في هذا المجال، نجد أنه في بريطانيا ورغم التضييق على الأجانب، ومع شعار رئيس الوزراء الأسبق جوردن براون الذي يقول: «وظائف بريطانية لموظفين بريطانيين» إلا أن الأجانب ما زالوا يشغلون ما يقارب ٢٨٪ من الوظائف العليا، وفي المؤسسات العلمية الأمريكية يشغل العلماء الأجانب ما نسبته ١٨٪ من الوظائف العلمية والأكاديمية. فيما يشغل الأجانب عندنا ما يقارب ٤٠٪ من الوظائف الأكاديمية في الجامعات الحكومية و٧٧٪ في الجامعات والكليات الأهلية.
علمًا أن إشغال الوظائف الأكاديمية للأجانب في الدول المتقدمة مشروط بنظام نقاط، يعتمد بشكل كبير على مهارة وإنجاز المستقطَب للعمل، وتقديم صاحب المؤسسة التعليمية ما يثبت صعوبة شغْلِ أبناء البلد هذا المنصب، ولذلك كانت الوظائف الأكاديمية في الدول المتقدمة علميًا، مصدرَ جذبٍ للمهاجرين الموهوبين؛ على أمل توطينهم في المستقبل.
في المقابل ينفرد التعليم العالي السعودي بوجود نسبة عالية من الأجانب، الذين يشغلون الوظائف الجامعية، دون تنظيمٍ واضح لاستقطابهم، أو ضوابط تحفِّزهم لإنتاجٍ أفضل!.
والعجب توظيف أجانب تخرجوا من جامعاتٍ أجنبية، صُنِّفت -محليًا- بأنها مخرجات ضعيفة، ولا يسمح بابتعاث السعوديين إليها!.
إن الكادر الأجنبي الضعيف علميًا في بعض جامعتنا حاليًا، هو نتاج تراكم أخطاءٍ إدارية، على مرِّ سنواتٍ طوال، لكن التصحيح يجب أن يكون علميًا ومدروسًا، وألَّا يكون توطين الوظائف عشوائيًا، يهدف لنتائج وقتيةٍ سريعة.
إن علماء الاجتماع يتفقون أن الهدف من إنشاء الجامعات لا يمكن أن يخرج عن أربعة أسباب، من أهمها إنتاج المعرفة، ونشرها، إضافة إلى تجهيز وتدريب أشخاصٍ لسوق العمل، وكونها وعاء للأيديولوجيات المختلفة في المجتمع، ومنصة لتجمع واختيار نخب المجتمع. ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا بإعطاء الجامعات والأقسام العلمية صلاحياتٍ أكثر لتوظيف أعضاء التدريس، وتحفيزهم على استقطاب العقول التي تناسب توجهات الأقسام البحثية، بغض النظر عن جنسية المستقطَب. وهذا لا يعني عدم إنشاء نظام يمنع إساءة صلاحيات التوظيف، أو إغفال وضع آلياتٍ لتوظيف أبناء الوطن المؤهلين، واستقطابهم، والحرص على بناء إستراتيجية للإحلال على المستوى المؤسسي، والسعي الجاد لتحقيق بنودها.
د. عبدالله بن محمد السويد- عكاظ السعودية-