هاني الفردان- الوسط العمانية-
لغة الأرقام عادةً ما تكون أكثر مصداقية من أي كلام، وخصوصاً عندما تكون تلك الأرقام من مصدرها وصاحبها ومن يملكها، ومن تقوم عليه الحجّة أيضاً.
جدلية توظيف الأجانب في البحرين مع وجود كمٍّ لا بأس به من العاطلين، مستمرة، لكن تزداد حدتها عندما يكون الأمر مرتبطاً بقطاع التعليم، وتفضيل الجهات الرسمية للأجنبي على البحريني، مع وجود أعداد من العاطلين في مجالات التعليم.
لم أستغرب كثيراً دعم عدد كبير من أعضاء مجلس النواب لسياسة الحكومة في استمرار توظيف وعمل المدرسين الأجانب في وزارة التربية والتعليم، على رغم أن نائباً قدّم طلبات 470 لمعلمين بحرينيين عاطلين في 35 تخصصاً أكاديميّاً، لايزالون ينتظرون حقّهم الطبيعي والدستوري في الحصول على وظيفة لائقة.
لن نستغرب أيضاً وجود أرقام كبيرة لتوظيف الأجانب في البحرين، وخصوصاً في قطاع التعليم، فقد كشف ديوان الخدمة المدنية، عن أن عدد من تم توظيفهم من غير البحرينيين خلال السنوات الثلاث الأخيرة (2013 – 2014 – 2015)، بلغ 2549 موظفًا، إذ تم توظيف 1212 موظفًا غير بحريني في العام 2013، و744 في العام 2014، و593 موظفًا غير بحريني في العام 2015، مشيرًا (الديوان) إلى أن العدد في تناقص مستمر!، وذلك ردّاً على سؤال النائب جلال كاظم بشأن عدد غير البحرينيين الذين تم توظيفهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
بلغة التصريحات كان الحديث عن تناقص، لكن بلغة الأرقام سنثبت العكس، وخصوصاً في مجال التعليم، فخلال ثلاث سنوات (2013 – 2014 – 2015) تم توظيف 2071 في قطاع التعليم بنسبة 81 في المئة من إجمالي توظيف الأجانب في القطاع الحكومي.
بلغة الأرقام أيضاً، فإن وزير التربية والتعليم كشف في (25 يناير/ كانون الثاني 2014) عن أن «عدد الموظفين الوافدين في الوزارة منذ العام 2011 وإلى تاريخه (يناير 2014) بلغ 1303 موظفين، أي أن التوظيف الأجنبي في قطاع التعليم البحريني تزايد خلال السنوات الخمس الماضية بشكل كبير، ولم يقِلَّ كما تقول الجهات الرسمية.
الذريعة الرسمية هي أن توظيف الأجانب كان وفقاً للضوابط التي نص عليها القانون، إذ يتم توظيف غير البحرينيين لتعثر الحصول على المرشح البحريني أو للحصول على معارف أو مهارات أو خبرات نادرة، كما يتم الالتزام بتعليمات الخدمة المدنية، والتي تنص على ألا يتم الإعلان في الخارج إلا بعد نشر إعلان في الصحف المحلية أو بالاستعانة بمركز معلومات الوظائف في الخدمة المدنية.
تلك الذريعة غير المنطقية والعقلانية، يمكن ردُّها منطقيّاً، عندما تتجول سريعاً في تخصصات من يتم استقدامهم من أجانب للعمل في قطاع التعليم، فأوضح دليل على ذلك هو فضيحة استقدام معلمين من الخارج لتدريس مادة الرياضة، على رغم وجود خريجين بحرينيين عاطلين من أصحاب التخصص نفسه، جعل الوزارة تصفهم بـ «الخبراء»! والمفاجأة أن الرد على الوزارة جاء على لسان وزير التربية والتعليم المصري الذي أعلن في (9 فبراير/ شباط 2014) قرار إعارة 24 مدرساً جديداً للمدارس البحرينية منهم 15 مدرساً للتربية الرياضية، و9 لمواد دراسية أخرى، ولا أعرف كيف حرفت وزارة التربية والتعليم في البحرين كلمة «مدرّس» إلى «خبير»، وخصوصاً أن الوزير المصري تحدّث عن «معلمين» تمت إعارتهم لتدريس مادة التربية الرياضية، ولم يتكلم عن خبراء لـ «تطوير المنهج الدراسي والخطة الدراسية وعدد من الألعاب الأساسية»!
لفت انتباهي في رد ديوان الخدمة المدنية الأخير أن من بين من تم استقدامهم للعمل في البحرين عالم أشجار!
الرد على التخصصات التي لا توجد في البحرين بسيط، وذلك لأن الجهات الرسمية اتجهت إلى الخارج من أجل استقدام عمالة أجنبية، في مجالات وتخصصات رئيسية وكليات موجودة منذ سنوات في البحرين، أي أن مخرجات تلك التخصصات والكليات لا تتناسب وخطط الحكومة. من بين تلك التخصصات، الهندسة التي يملأ خريجوها البحرين في مجالات الكهرباء المدنية والمعمارية والالكترونية، ومع ذلك استقدمت من الخارج تلك التخصصات.
القضايا الكثيرة العالقة في هذا البلد، غالبيتها يعود إلى الأوضاع المعيشية والخدماتية قبل أن تكون سياسية، وكلما تعقدت المشكلات الإسكانية، والبطالة والتمييز والتوظيف، ارتفعت حدة الاحتقان في الوضع، وزاد الوضع السياسي سوءاً، ليجر وراءه احتقاناً أمنيّاً لا يمكن صدّه أو تحاشيه. فهل يعقل أن تتجاهل الوزارات طلبات البحرينيين من خريجي الجامعات في مجال التربية والهندسة وغيرهما، لتستقدم مدرسين ومهندسين عرباً؟ وهل أصبحت مخرجات جامعة البحرين في مجال التربية والهندسة غير مرضيةٍ لدرجة عدم اقتناع الحكومة بها؟
هل أصبحت تلك التخصصات التقليدية، عصيةً على البحرينيين لتطويرها، حتى نستقدم من يشغلها من بلدان أخرى في العالم؟ في ظل صرف الملايين لسنوات طويلة على «مشروع إصلاح التعليم» ليتناسب ومخرجات سوق العمل، لنكتشف أننا لم ننجح في توفير حتى مدرّسي رياضة أو مهندس كهربائي أو معماري ومدني أو حتى فني!
الحقيقة تكمن هناك، ليست مسألة كفاءات، ولا نقص تخصصات، ولا جلب خبراء، بل هي مسألة تبعات لواقع سياسي محتقن سيجر إلى المزيد من التأزيم والاحتقان.