المصدر | جيمس دورسي/ فير أوبزرفر - ترجمة الخليج الجديد-
في عام 2018، أصدر البنك الدولي تحذيرا صارخا بخصوص الاقتصاد السعودي، حين قال: "من المرجح أن تواجه المملكة مشكلة فقر أصبحت تلوح في الأفق". وذكر البنك منذ ذلك الحين في توقعاته لعام 2019 و2020 أنه "في ظل عدم وجود معلومات رسمية متاحة بخصوص الفقر، فإن هناك صعوبة في تحديد ودعم الأسر ذات الدخل المنخفض".
وبسبب اعتماد المملكة على أسعار النفط العالمية، فإن الناتج المحلي الإجمالي شهد قفزات وتراجعات متكررة.
وعلى سبيل المثال، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السعودي بمقدار النصف تقريبا من ذروة قدرها 17.872 دولارا في عام 1981 إلى 8.685 دولارا في عام 2001، وهو العام الذي شكل فيه 15 مواطنا سعوديا من الطبقة الوسطى غالبية الجهاديين الذين استهدفوا بطائراتهم مركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاجون في واشنطن.
كما كانت هذه السنة التي كافح فيها العديد من السعوديين مع انخفاض أسعار النفط وجهود الملك "عبدالله" لإدخال قيود مالية، واضطر الكثير من الناس للعمل في وظيفتين إلى 3 وظائف.
وعلّق طالب سعودي على الأمر في ذلك الوقت قائلًا: "قبل حرب الخليج، لم نكن ندفع مقابلا للسكن الطلابي، أما الآن فإننا نفعل. وفي الماضي لم يكن مهما إذا لم تكمل دراستك في 5 سنوات أما الآن فإنك تفقد المنحة الدراسية الخاصة بك إذا لم تفعل ذلك، وقريبا سيُطلب منا دفع ثمن الرسوم الدراسية. قبل حرب الخليج، كنت تجد 10 عروض عمل عندما تتخرج، أما الآن فأنت تعد محظوظًا إن عثرت على واحدة".
وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السعودي مرة أخرى، لكن دون انحدار ضخم هذه المرة، حيث انخفض من 23.337 دولارا في السنة التي حذر فيها البنك الدولي من الفقر الذي يلوح في الأفق إلى 20.110 دولار في عام 2020.
وحذر تقرير البنك الدولي من أن الطبقة الوسطى ستكون الأكثر عرضة لتكلفة التقشف والقيود المالية.
تغيير كبير دون سخط
بالتأكيد، ليست المملكة اليوم هي نفسها التي كانت في بداية القرن. وبالرغم أن السعوديين كانوا من أكثر الجنسيات بين المقاتلين الأجانب في تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق في عام 2014، إلا إنه من غير المرجح أن يتوجه المواطنون السعوديون للتشدد ردًا على إعادة صياغة العقد الاجتماعي بشكل ينهي وعود الرفاه من المهد للحد ويحمل في طياته أزمات اقتصادية محتملة.
وقد أدخل ولي العهد "محمد بن سلمان" الليبرالية على الأعراف الاجتماعية وقوض تأثير رجال الدين في الوقت الذي أطلق فيه العروض الغنائية والسنمائية والترفيهية.
ويشكل هذا التحول جزءا من خطة "بن سلمان" لتحرير السعودية من اعتمادها على صادرات النفط وتنويع الاقتصاد. ولكنه في الوقت ذاته شدد على بقاء الجانب السياسي من العقد الاجتماعي للمملكة، والذي ينطوي على تخلي الشعب عن جميع الحقوق السياسية، بما في ذلك حرية التعبير والإعلام والتجمع.
في المقابل، تقول الحكومة السعودية إن "رؤية 2030" تتضمن وسائل لحماية المواطنين من كلفة التغيير الاقتصادي بما في ذلك "تحديث نظام الرعاية الاجتماعية، وإعادة توجيه الإعانات نحو المحتاجين، وإعداد وتدريب الذين لا يستطيعون العثور على الوظائف، وتوفير الرعاية الصحية ودعم المواطن الأكثر هشاشة".
خلق الوظائف والسعودة
بلغت نسبة البطالة في المملكة 11.7% في الربع الأول من هذا العام. وفي السنوات الثلاث الماضية، وفر القطاع الخاص ثلث الـ1.2 مليون وظيفة التي تحتاج المملكة إلى توفيرها بحلول 2022 لتحقيق هدفها بخصوص البطالة.
وقالت وكالة الإحصاء السعودية إن البطالة في الربع الأول كانت في أدنى مستوى منذ ما يقرب من 5 سنوات، لكن الانخفاض كان مدفوعا جزئيا بخروج الكثير من الوافدين وليس خلق فرص عمل جديدة.
وفي مايو/أيار، قال "بن سلمان" في مقابلة: "لدينا 200 إلى 250 ألف شخص يدخلون سوق العمل كل عام ووظائف القطاع العام محدودة"، مشيرا إلى أن تطوير صناعة السياحة سيخلق 3 ملايين وظيفة، وسيكون مليون منها للسعوديين الذين يمكنهم بالزمن أن يحلوا محل المغتربين الذين سيقومون في البداية بملء ثلثي الوظائف.
وأضاف: "بعد خلق 3 ملايين وظيفة، يمكننا سعودتها في المستقبل. هناك وظائف أيضًا في القطاع الصناعي وما إلى ذلك".
وتوقع في الوقت نفسه أن تزيد نسبة الأجانب في المملكة من ثلث السكان اليوم إلى النصف في العقد القادم أو العقدين القادمين.
قضايا شائكة
لكن تغيير العقد الاجتماعي في السعودية دفع الباحثتين للتحذير من أن الحكومة تحتاج إلى إدارة حكيمة للتغيير الاقتصادي والاجتماعي السريع، ويمكن فعل ذلك جزئيا من خلال توفير معلومات أكثر وضوحا للجمهور.
وما تزال هناك العديد من القضايا الشائكة ينبغي أخذها في الاعتبار بما في ذلك موقع الدين من الحياة العامة.
وفضلا عن ذلك، فإن تداعيات المظالم الحالية والاستقطاب المتزايد وبرامج الهندسة الاجتماعية الواسعة وضعت المحافظين في صراع مع الليبراليين.
وستعتمد قدرة دول الخليج العربي على إعادة صياغة العقود الاجتماعية دون اضطرابات على حل المظالم الحالية وعدم خلق مظالم جديدة.