الخليج أونلاين-
تسعى المملكة العربية السعودية، منذ عام 2015، لتعزيز قوتها الإقليمية؛ بإنشاء ائتلافات وتحالفات غير رسمية متعددة الأطراف تشارك فيها دول عربية وإسلامية، وغيرها من الدول، تحت قيادتها؛ بهدف تحقيق السيطرة والاستقرار في الشرق الأوسط، لكن ذلك لم يحقق النتيجة المرجوة.
ويتكرر إعلان التحالفات مع كل تصعيد ضد إيران، فيما يبدو أن هناك هوساً لدى السلطة الحاكمة بالسعودية لتشكيل تحالفات دون رؤية واضحة تبقي عليها لتحقيق الأهداف التي بُنيت على أساسها، أو المضي نحو تثبيت قوة جديدة في الشرق الأوسط.
ومع إعلان الرياض عن تحالف جديد للدول المطلة على البحر الأحمر، يتبين أن هذا التحالف الجديد شبيه بالتحالفات العسكرية السابقة؛ فمعظم أوراق السعودية أصبحت مكشوفة، ولم تعد هناك أفكار مجدية تستحق ثقة الحلفاء.
تحالف عربي أفريقي
خلال أقل من خمس سنوات على إعلان أول تحالف يضم عدة دول عربية وإسلامية، جاء الحديث مجدداً عن تحالف جديد للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
في 6 يناير 2020، أعلنت السعودية توقيع ميثاق تأسيس مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، يضم 8 دول؛ هي السعودية والسودان وجيبوتي والصومال وإرتريا ومصر واليمن والأردن.
ونفى وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، وجود تصور حالياً لإنشاء قوة عسكرية للتحالف الجديد، مشيراً إلى أن جميع الدول لديها قدرات دفاعية وتنسيق ثنائي، ويمكن أن يتطور ذلك إلى تنسيق جماعي.
وأوضح الوزير، في المؤتمر الصحفي الذي بثته قناة "الإخبارية" السعودية الرسمية، أن المجلس يهدف للتنسيق والتشاور بشأن الممر المائي الحيوي، في ظل تحديات متزايدة في المنطقة في إطار حفظ الأمن والاستقرار، ومواجهة الأخطار المحدقة.
ولفت إلى أنه تم الاتفاق على ميثاق التأسيس (دون تفاصيل بشأنه)، وستكون الرياض مقراً للمجلس.
كما دعا العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، قادة الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن إلى اجتماع؛ لمباحثة قضايا مشتركة أبرزها الملفات الأمنية والملاحة البحرية.
شكلية ودعائية
يقول المحلل والخبير الاستراتيجي اليمني مهدي العسلي، إن التحالفات التي تشكلها السعودية لم تكن مبنية على قاعدة ثابتة، موضحاً: "أغلبها كان من أجل تحقيق هدف دعائي يثبت خلالها الملك سلمان ونجله محمد (ولي العهد) أنهم قادرون على الفعل، وتجميع العرب في معسكر واحد لمواجهة العدو الإيراني، وفق القاموس السعودي".
وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "نحن اليوم في العام الخامس للحرب باليمن، لكن لم نرَ سوى الانسحابات من التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، ودخول اليمن في ظروف صعبة للغاية".
ويتابع: "الصواريخ الباليستية صارت تطير فوق السماء السعودية بشكل اعتيادي، والضربات ضد المناطق الاستراتيجية في العمق السعودي لم تعد مستغربة ولم تعد مفاجئة، حتى ضُرب قلب صناعة النفط في شركة أرامكو، ومع ذلك لم تفد السعودية أي تحالفات لحمايتها".
ويرى أن هناك عشوائية في هذه التحالفات المعلنة؛ "فلا خطط حقيقية ولا اجتماعات تمهيدية، بل إن كل ما يتم إعلانه ومعرفته عن هذه التحالفات لا يسمع به إلا في الإعلام، دون مزيد من التفاصيل، كما هو حال التحالف الأخير".
ويؤكد لـ"الخليج أونلاين" أن "التحالفات غير الرسمية لا تجذب إلا الضعاف؛ نظراً لغياب الالتزامات المطلوبة منها، لأنها دول تبحث عن المال الذي ستقدمه السعودية مع الأسف، في مقابل وجود حكام السعودية الذين لا يهتمون إلا بالخطوات الشكلية، لذلك تنهار مبادراتها بعد مدة قصيرة".
تحالف لم يرَ النور!
وخلال السنوات الماضية كان هناك 3 تحالفات جميعها اتضح فشلها؛ فتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، أو "ميسا"، أو ما يعرف إعلامياً "بالناتو العربي"، هو فكرة لإنشاء تحالف أمني طرحتها السعودية على إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعد أن كانت قد طرحتها على إدارة باراك أوباما من قبل، فترامب تحمس للفكرة وظل يعمل عليها منذ فترة، لكنها لم ترَ النور.
التحالف كان من المفترض أن يشمل ست دول خليجية؛ هي السعودية والإمارات والكويت والبحرين وعمان وقطر، إضافة إلى مصر والأردن، وبطبيعة الحال ستكون قيادته للولايات المتحدة.
والهدف من تشكيله هو التصدي للهيمنة الإيرانية في المنطقة العربية، "التصدي للعدوان الإيراني والإرهاب والتطرف وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط"، كما تقول الرياض.
لكن الانقسامات الإقليمية، التي تسببت بها السعودية أصلاً، عرقلت مساعي إنشاء هذا التحالف، وصار الحديث مقتصراً على إبرام صفقات تجارية وإنشاء مراكز تدريب عسكرية مشتركة.
حيث أدت الأزمة بين الدول الخليجية -بحصار قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر- إلى تعثر الجهود الرامية إلى إنشاء هذا التحالف، كما أن القاهرة أعلنت، في أبريل الماضي، انسحابها رسمياً.
التحالف الذي أنهك ذاته!
ولعل أول تحالف تعلنه السعودية في عهد الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، كان قد ولد عام 2015، حين أعلنت الرياض "التحالف العربي في اليمن"، الذي ضم: مصر والمغرب والأردن والسودان والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وقطر (استبعدت من التحالف فيما بعد) برئاسة السعودية، إضافة إلى باكستان وماليزيا، ودول ساهمت بقواتها.
وكان الهدف الرئيسي لهذا التحالف إعادة شرعية الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، إلى العاصمة صنعاء، وإنهاء وجود الحوثيين، لكن مع مرور نحو 5 سنوات من التحالف دخلت الحرب مرحلة الاستنزاف، وسط انسحاب الكثير من الدول، حتى أقرب حلفاء المملكة.
وفشل التحالف حتى الآن في حماية الحدود الجنوبية للسعودية، وتدمير قوة الحوثيين، أو وقف تقدمهم بعدما سيطروا على العاصمة صنعاء إلى جانب 10 محافظاتٍ أخرى.
كذلك فشل التحالف أيضاً في إعادة الرئيس اليمني إلى بلاده، فهو يباشر أمور الحكم من قصره في الرياض منذ سنوات، كما أنّ وزراءه مشتتون في الأرض، بل ونفذت حليفتها الإمارات انقلاباً على الشرعية اليمنية عبر ما يسمى بـ"الانتقالي الجنوبي"، وأصبحت هي المتحكم بجنوب اليمن.
وتلقت الرياض إلى جانب ذلك هزائم كبرى؛ حيث لم تستطع منظومة الدفاع الأمريكية "باتريوت" صد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وهو ما تسبب بخسائر كبرى للمملكة، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها شركة أرامكو النفطية.
اختفاء التحالف الإسلامي
بعد نحو 9 أشهر على إعلان التحالف العربي باليمن، سارع محمد بن سلمان، عندما كان ولياً لولي العهد، بإعلان تأسيس التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، في ديسمبر 2015.
تكون التحالف من 41 دولة، ولم يعقد وزراء الدفاع في هذه الدول أول اجتماع لهم إلا في نوفمبر 2017، وخلال السنوات الماضية لم يقدم التحالف شيئاً يذكر، باستثناء عقد لقاءات واجتماعات فردية.
وفي أبريل الماضي 2019، تقلص عدد أعضاء ما يسمى بـ"تحالف محاربة الإرهاب"؛ بعدما عقد اجتماعاً له بالرياض بمشاركة ممثلين من 13 دولة فقط، من بين 41 دولة شاركت في افتتاحه.
وقال بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، إن الدول المشاركة هي؛ الأردن والإمارات والبحرين وبنغلادش وجزر القمر وعُمان والسعودية والسودان وفلسطين ولبنان ومالي والنيجر واليمن، ما يكشف عن نهاية متوقعة لتحالفات الرياض التي لم تحقق شيئاً خلال 5 سنوات، بل أرهقت ميزانية السعودية التي تصرف مئات مليارات الدولارات دون تحقيق مرادها.