هافينغتون بوست- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
في 15 ديسمبر/كانون أول، أعلن الأمير «محمد بن سلمان»، نائب ولي العهد وزير الدفاع في المملكة العربية السعودية، تشكيل تحالف عسكري إسلامي مكون من 34 دولة لمحاربة «أي منظمة إرهابية تظهر على الساحة»، وبشكل خاص من أجل تنسيق جهود مكافحة الإرهاب في سوريا وليبيا ومصر والعراق وأفغانستان. وقد ذهب الأمير «محمد بن سلمان» إلى التأكيد على أن التحالف سوف ينسق جهوده مع القوى الكبرى والمنظمات الدولية.
ووفقا لبيان صدر في وقت لاحق من قبل وكالة الأنباء السعودية الرسمية، فإن التحالف سوف يكون لديه مركزا مشتركا للعمليات في الرياض يهدف إلى تنسيق ودعم العمليات العسكرية. وأضاف البيان أن الغرض من التحالف هو «حماية الأمة الإسلامية من شرور كل الجماعات والمنظمات الإرهابية، أيا كانت مسمياتها أو طوائفها».
وأشار وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» في مؤتمر صحفي في باريس في وقت لاحق من ذلك اليوم، إلى أن المسلمين قد عانوا أكثر من غيرهم من العنف الجهادي، وأكد على أن التحالف الإسلامي الجديد الذي تتولى قيادته المملكة العربية السعودية، سوف يشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية بين أعضائه إضافة إلى التدريبات المشتركة. وعند الضرورة، فإنه قد يشمل نشر قوات عسكرية ضد مسلحي «الدولة الإسلامية». وبالحديث عن نشر القوات البرية على وجه التحديد، فقد أكد «الجبير» أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة.
ويضم الائتلاف كلا من مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة باكستان، البحرين، بنغلاديش، بنين، تشاد، توغو، تونس، تركيا، جيبوتي، السنغال، السودان، سيراليون، الصومال، الغابون، غينيا، السلطة الفلسطينية، جزر القمر، قطر وساحل العاج، الكويت، لبنان، ليبيا، جزر المالديف، المغرب، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، واليمن.
وقد رحبت إدارة «أوباما» بهذا الإعلان، ووصف وزير الدفاع الأمريكي «أشتون كارتر» التحالف بأنه «يأتي متماشيا مع الخط الذي طالما طالبنا به، وهو مشاركة الدول العربية السنية في الحرب ضد الدولة الإسلامية». وأكد «كارتر» أن الولايات لمتحدة تتطلع لمعرفة ما الذي تحمله المملكة العربية السعودية في جعبتها بخصوص هذا الائتلاف.
أكثر حزما
في 18 أكتوبر/تشرين أول عام 2013، بعد يوم واحد فقط من انتخابها عضوا لمدة سنتين في مجلس الأمن الدولي، أعلنت المملكة العربية السعودية بشكل غير متوقع تخليها عن المقعد. وكان من بين الأسباب التي ذكرتها الرياض لهذه الخطوة ما وصفته بأنه عجز مجلس الأمن الدولي عن التعامل مع الفظائع المستمرة التي ترتكبها حكومة «الأسد» بحق المسلمين السنة في سوريا فضلا عن عدم فعاليته في تحقيق أي تقدم ملموس في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو في تخليص منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تنتخب فيها المملكة العربية السعودية لشغل مقعد في مجلس الأمن والمرة الأولى أيضا التي يقوم فيها أحد الأعضاء برفض مقعده.
بعد 17 شهرا من ذلك، وعلى وجه التحديد في 26 مارس/آذار 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستقود تحالفا من الدول العربية في اليمن يهدف إلى استعادة الحكومة الشرعية للرئيس «عبد ربه منصور هادي»، الذي تمت الإطاحة به في وقت سابق من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
بدأ التخطيط الجاد للعملية عاصفة الحزم في أوائل مارس/آذار. وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية السعودية قد ادعت أن الرياض كانت تتشاور بشكل وثيق مع واشنطن على مدار عدة أشهر، فقد أكدت مصادر في البيت الأبيض أن السعوديين لم يبدأوا المناقشات على مستويات تفصيلية مع موظفي الأمن القومي في البيت الأبيض حتى يوم الأحد 15 مارس/آذار. الجنرال «لويد أوستن» قائد القيادة المركزية الأمريكية، في شهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ يوم 26 مارس/أذار، كشف أنه تم إخباره من قبل الجيش السعودي حول العملية قبل ساعة واحدة من انطلاقها.
يطلق على هذه السياسة السعودية الجديدة اسم «عقيدة سلمان». ببساطة، تجعل الرياض من الواضح أن أي تدخل للإطاحة بالحكومات السنية في المنطقة من قبل إيران أو الفصائل الشيعية التي تدعمها، سوف تتم مواجهته بتدخل عسكري من قبل السعودية.
سارع بعض النقاد إلى وصف هذا التحالف السعودي المكون من 34 دولة بوصفه «ناتو عربي»، وربما يعد هذا التقييم سابقا لأوانه. ومن غير الواضح في هذه المرحلة ما إذا كانت هناك خطط لعقد معاهدة رسمية بين الأطراف المختلفة في الائتلاف. ولكن لا يبدو أن هناك أي دلائل على هذا التوجه إلى الآن. تؤكد الرياض، إلى الآن، على أن المشاركة في أي عملية سوف يكون أمرا تطوعيا، ولا يبدو حتى الآن أن الاتفاق يحمل أيا من التزامات الدفاع المشترك. لا يوجد شيء مماثل لأحكام المادة 5 من معاهدة الناتو التي تلزم كل طرف بالدفاع عن جميع الأعضاء.
كذلك، لا توجد معايير موحدة للأسلحة والمعدات بين مختلف الأعضاء في التحالف. كما أن التاريخ يظهر القليل من التدريبات المشتركة أو تنسيق العمليات. وقد أثبتت التجارب أن تنظيم عمليات جوية مشتركة هو أمر أسهل بكثير من نشر قوة برية مشتركة فعالة. وعلاوة على ذلك، فإن تلك البلدان التي لديها أقوى الجيوش مثل تركيا ومصر ونيجيريا وباكستان من المرجح أن تواجه معارضة داخلية كبيرة لنشر قوات خارج حدودها، على الرغم من أن كلا من مصر وباكستان لديهما تاريخ من نشر القوات الخارجية في شبه الجزيرة العربية بطلب من المملكة العربية السعودية. قد يتطور الأمر مستقبلا إلى كيان يشبه الناتو يضم اتفاقية دفاع مشترك، ولكن الأمر حتى الآن لا يعدو كونه استعدادا للتعاون أكثر من كونه حلف دفاعي ملزم.
دلالات
ومع ذلك، فإن إنشاء مثل هذا الكيان هو أمر لا يخلو من دلالة. على أقل تقدير فإنه قد يؤشر على توسع «مبدأ سلمان» إلى ما هو أكثر من الدفاع عن الحكومات السنية في الخليج لتشمل مجموعة أوسع بكثير من الحكومات السنية في جميع أنحاء العالم الإسلامي، بما يشمل الدول الإفريقية والأسيوية ذات الطابع السني، حتى وإن لم تكن دولا عربية.
ومما يؤكد هذه النقطة هو عدم وجود أي من الحكومات التي يقودها الشيعة ضمن التحالف على الرغم من المشاركة المفترضة للحكومة اللبنانية. وعلاوة على ذلك، على الرغم من أن الهدف المعلن لهذا التحالف هو مكافحة الإرهاب، فإن الدور الأكثر احتمالا له هو كونه تحالفا مضادا لإيران. ربما يكون هذا مؤشرا على تزايد الاصطفاف من قبل حكومات الشرق الأوسط على طول خط الصدع بين السنة والشيعة.
الإعلان عن التحالف المقترح يؤكد على هذه السياسة السعودية الأكثر حزما في المنطقة، والتي تبدو على استعداد أكبر للعمل من جانب واحد، وأقل اعتمادا على الضمانات الأمنية الأمريكية. السناتور الأمريكي «جون ماكين»، أكد بدوره على هذا الأمر بعد ساعات من بدء العملية عاصفة الحزم حيث قال إن «الدول العربية لم تعد تثق في الولايات المتحدة، وهذا هو السبب في أنهم خططوا لبناء هذا التحالف من تلقاء أنفسهم».
استمرار انخفاض أسعار النفط قد يكون بدوره أحد العوامل التي تشكل الاستجابة السعودية. عند مستويات الأسعار الحالية، فقد بلغ عجز الموازنة في الرياض حوالي 21% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن شأن ذلك ألا يكون مستوى يمكن تحمله من قبل معظم البلدان. وجود احتياطيات مالية كبيرة في المملكة العربية السعودية قد يساعد المملكة على تجنب حدوث أزمة مالية في الوقت الراهن. استعدا الرياض للذهاب نحو خيارات عسكرية أكثر عدوانية قد يكون انعكاسا لعدم مقدرتها على نشر كميات كبيرة من النقد من أجل حل النزعات كما كانت تفعل في الماضي.
وأخيرا، يؤكد التحالف الجديد كذلك نية السعودية تقديم نفسها على أنها زعيمة للعالم السني. والأهم من ذلك، أنه يظهر استعداد تركيا لتحجيم طموحاتها الخاصة لقيادة العالم السني ودعم المبادرة السعودية.
موقف المملكة العربية السعودية الفريد باعتبارها راعيا لأقدس المزارات الإسلامية، وثروتها النفطية الكبيرة يمنحانها تأثيرا كبيرا في العالمين العربي والإسلامي. تاريخيا، كانت المملكة تفضل دوما ممارسة تلك القيادة بهدوء ومن خلال قنوات خلفية. في عهد الملك «سلمان»، بدت السعودية أكثر حزما وأكثر استعدادا للإقدام على الخيارات العسكرية سواء مع أو بدون الولايات المتحدة. على هذا النحو، فإن هذا التحالف السني الجديد قد يكون بمثابة إعلان للاستقلال السعودي عن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وإشارة واضحة إلى أنه في غياب القيادة الأميركية، فإن الرياض مستعدة للذهاب وحدها.