رامي عزيز- معهد واشنطن-
في بيان مقتضب للأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع وولي ولي العهد السعودي، ألقاه في قاعدة الملك سلمان الجوية في الرياض في منتصف الشهر الجاري أعلن عن تأسيس "التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب"، المكوّن من خمس وثلاثين دولة من أصل سبع وخمسين دولة من الدول الأعضاء في «منظمة التعاون الإسلامي». ومن المفارقات الغريبة أن الأمير محمد بن سلمان لم يقدم أي معلومات أخرى تقود لفهم ماهية هذا التحالف أو دوره المتوقع في المستقبل القريب.
ولكن للوهلة الأولى ومن النظر إلى الدول الأعضاء في هذا التحالف وطريقة تكوينه سيتضح أنه قائم على أساس (مذهبي/طائفي)، ولا يحتوي دولة شيعية مثل إيران والعراق على الرغم من أنهما من الدول الأعضاء في «منظمة التعاون الإسلامي». ويعتبر تشكيل هذا التحالف بمثابة مناورة جديدة في الصراع بين المملكة العربية السعودية من جهة وإيران وشركائها من الحوثيين، و «وحدات الحشد الشعبي»، و «حزب الله» من جهة أخرى. وينبئ هذا التحالف عن احتمال متوقع لتوسيع دائرة القتال بين السنة والشيعة في أماكن أخرى مثلما حدث مؤخراً في نيجيريا من اعتداء على مجموعات من الشيعة في شمال البلاد الأمر الذي أدى إلى مقتل البعض، وإصابة عدد كبير بجروح، مما دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى مطالبة نظيره النيجيري بتكوين لجنة تقصي حقائق حول الحادث. ويمكن العثور على أمثلة أخرى في صراعات طويلة الأمد، في اليمن وسوريا والعراق.
ولم يقدم الجانبين السني والشيعي تعريف واضح وجيد لمفهوم "الإرهاب"، وهو ما يسمح بمحاكمة الأعداء على أنهم إرهابيون. فعلى سبيل المثال، وفى خطوة يمكن وصفها بالتصعيدية، قامت وزارة الدفاع السعودية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بوضع أثني عشر قيادياً في «حزب الله» على قائمة الإرهاب. وقالت الوزارة إنه " لطالما قام «حزب الله» بنشر الفوضى وعدم الاستقرار"، وشنِّ هجمات إرهابية، ومارس أنشطة إجرامية وغير مشروعة في جميع أنحاء العالم. ويعكس هذا التوجه ضد «حزب الله» الذي ظهر قبل تكوين التحالف الإسلامي، نية المملكة العربية السعودية في الدخول في مواجهة مباشرة مع «الحزب».
وفى رد فعل من «حزب الله» حول هذا التحالف، أصدر «الحزب» بيان وصف فيه "الائتلاف العسكري الإسلامي الذي يضم 35 دولة وتتزعمه السعودية بانه «مثير للشبهة»، مشككاً بجدارة الرياض في قيادته". وقد زعم رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حاكم الزاملي في حديثه لقناة «السومرية نيوز»: "أن التحالف الذي شكلته السعودية مؤخراً طائفي"، مدعياً أنه "لا يمثل الاسلام". وقد علّق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على هذا التحالف قائلاً: "أنه ورقي وإعلامي لأن اتصالاتنا بعدد من الدول أظهرت عدم استعدادها لمساهمة قوات عسكرية في هذا التحالف". وكان قيام المملكة العربية السعودية بإعدام سبعة وأربعون شخصاً بينهم رجل الدين الشيعي نمر النمر في كانون الثاني/يناير، مؤشراً على أن السعودية لا تزال مهتمة بتصعيد التوتر بينها وبين إيران.
وعلى الرغم من ان التحالف الإسلامي يهدف الى المساهمة بشكل جزئي في تحسين الأوضاع في سوريا، إلا أن هذا التحالف زاد المشهد قتامة وتعقيداً بين السعودية وإيران . وبالرغم من إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري "أن طهران والرياض تبذلان جهوداً دبلوماسية لتهيئة ظروف مواتية لبدء حوار مباشر من شأنه أن يساعد على تسوية خلافاتهما"، إلا أن ذلك لا يتفق مع التصريح الرسمي لحسين أمير عبد اللهيان - نائب وزير الخارجية الإيراني، الذي أكد فيه "أن بعض الجماعات المرتبطة بتنظيم «داعش» شاركت في المحادثات التي استضافتها السعودية لجماعات وفصائل من المعارضة السورية في العاصمة الرياض مؤخراً". كما أن وكالة "فارس" الإيرانية شبه الرسمية قامت بعرض تقارير إعلامية زعمت بأنها تظهر الروابط بين الرياض وتنظيمات متشددة. وقد وجهت طهران انتقادات للرياض، لاستثنائها العراق وسوريا من التحالف. ويشير هذا الاتجاه إلى أنه يتم استخدام لهجة الاتهام والتصعيد من قبل جميع الأطراف لإيذاء بعضهم البعض، وأن كلا الطرفين يسير بعيداً عن طريق المفاوضات والحل السلمي.
وعلى الجانب الآخر تأتي تصريحات العميد أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع السعودي والمتحدث باسم قوات تحالف "عاصفة الحزم" قائلاً، "من يرعى الإرهاب لا يمكن أن يكون شريكاً في محاربته" في إشارة إلى طهران. وقد سبق تلك التصريحات ملاحظة أخرى له أدلى بها مؤخراً من القاهرة قائلاً، "نحن الآن نتحدث عن عمليات لمكافحة الإرهاب، وإذا كانت إيران تنوي الانضمام إلى هذا التحالف فعليها أن تكف عن إيذاء سوريا واليمن، وأن تمتنع كذلك عن الأعمال التي تدعم الإرهاب في لبنان والعراق".
لكن يبدو أن القاهرة تخشى من أن يصبح التحالف الإسلامي بديلاً عن مشروع "القوة العربية المشتركة"، لذا أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقائه الأخير مع الأمير بن سلمان في القاهرة "أن التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب لا يعد بديل عن «القوة العربية المشتركة»". وقد برر تلك المخاوف، قيام السعودية بإلغاء اجتماع وزراء الدفاع والخارجية العرب الذي كان مقرر عقده في آب/أغسطس الماضي، لبحث آليات تنفيذ "القوة العربية المشتركة". وفى لفته تصالحية على ما يبدو، أعلنت المملكة العربية السعودية عن حزمة جديدة سخية من المساعدات المالية والبترولية إلى مصر بعد الإعلان عن التحالف. وبهذه الطريقة، كانت قادرة على استغلال الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد وحاجة مصر لمثل هذه المساعدات، لضمان موافقة الأخيرة حتى ولو ظاهرياً.
ولكن فعلياً، لا يبدو هذا التحالف بديل جاد وحقيقي لمشروع "القوة العربية المشتركة" وذلك لافتقاره للآليات التنفيذية والأطر الواضحة، ولأن أغلب الدول الأعضاء في التحالف كما يُفترض قد أعلنت عن عدم نيتها إرسال قوات عسكرية، ولكنها على استعداد لتقديم تعاون استخباراتي. وعلى النقيض من التحالف، قد ترسل "القوة العربية المشتركة" قوات يصل عددها إلى حوالي 40 ألف جندي، تكون قادرة على التدخل السريع والمباشر ضد أي عدوان يواجه المنطقة بما في ذلك تهديد الإرهاب.
وما هذا التحالف سوى مغامرة جديدة للأمير محمد بن سلمان، ويأتي لصرف الأنظار عن اخفاقات التحالف السابق الذي أعلن عنه بن سلمان في حربه على اليمن. ومع ذلك، ينبغي النظر إلى هذا التحالف على أنه خطوة هامة نحو توسيع دائرة الصراع الطائفي بين المملكة العربية السعودية وإيران، حيث يسعى الطرفين الى اقحام بقية دول المنطقة في حرب [لا تخدم سوى مصلحتهما].