شؤون خليجية-
تشهد اقتصاديات دول الخليج عقود جديدة غير معلنة بين السلطات والشعوب، تتمثل في انتهاء عصر الخدمات المجانية والمدعومة، واعتماد السلطات الخليجية على اقتصاد السوق وبمصطلح آخر التوجه نحو التقشف، وهو ما يراه البعض ضرورة لإصلاح ميزانيات دول مجلس التعاون المتأثرة بعدة عوامل أبرزها انخفاض أسعار النفط.
وعلى الرغم من ضرورة تلك الإصلاحات، إلا أنها تقابل عدد من العقبات أبرزها أن العوامل اللازمة لنجاحها استنادًا لتجارب أخرى والتي أبرزها الإصلاحات السياسية والشفافية المالية، غير متوفرة بدول الخليج، بالإضافة لرؤية البعض أنها لابد ان تترافق مع تحركات أخرى أبرزها العمل على تنويع مصادر الدخل ، والتوقف عن الاعتماد على النفط.
فيما يؤكد مراقبون أن مفهوم الدولة الرِّيعية العربي في طريقه للانتهاء بشكل تدريجي في بعض دول مجلس التعاون الخليجي؛ مما يفرض على المواطن الخليجي إجراء تغيير في نمط المعيشة، وإبداء استعداد لدفع ضريبة الرفاهية.
الخليج يتجه لفرض ضريبة القيمة المضافة
يعد الشكل الأبرز للتوجه الخليجي نحو التقشف وتغيير السياسات الاقتصادية بما يتناسب مع الأزمة الخليجية،وهو ما ظهر من خلال التوافق بين دول مجلس التعاون الخليجي على فرض ضريبة القيمة المضافة خلال العام 2018 وقبل العام 2019.
حيث قال الوزير المسؤول عن الشؤون المالية في سلطنة عمان درويش البلوشي نهاية فبراير الماضي بأن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تطبِّق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة بدءًا من العام 2018.
ولحق تصريح وزير المالية العماني تصريح لوزير المالية الكويتي أنس الصالح منتصف مارس الحالي قال فيه أن دول مجلس التعاون الخليجي اعتمدت مشروع الضريبة المضافة إلى القيمة كاتفاقية، على أن تصدق الدول الأعضاء في المجلس عليه طبقا لإجراءاتها الداخلية.
وتم إقرار الاتفاقية باجتماع لجنة التعاون المالي والاقتصادي بدول المجلس والتي انعقدت بقطر ، وهي تنص على أن تصدر كل دولة على حدة تشريعا محليا يفرض هذه الضريبة وفق الأسس المتفق عليها خليجيا.
يذكر أن ضريبة القيمة المضافة تعد ضريبة غير مباشرة، وتفرض على الفارق بين سعر التكلفة وسعر المبيع للسلع.
خطوات أصلاحية مستمرة
فيما سبق قرار فرض القيمة المضافة اتخاذ دول الخليج عدد من الخطوات التي توصف بأنها إصلاحية حيث قامت الإمارات منذ يونيو الماضي بتحرير أسعار الوقود، ورفع تعرفة الكهرباء في أبو ظبي، ويُتوقع أن يوفر ذلك مئات مليارات الدولارات.
وقامت الكويت مطلع العام الحالي ببيع بعض مشتقات النفط بأسعار السوق، كما خفضت الإنفاق بنسبة 17%، وهي في طور زيادة أسعار الوقود وسعر المياه والكهرباء.
فيما أعلنت المملكة نوفمبر الماضي بحثها إرجاء المشاريع «غير الضرورية»، ودراسة إصلاحات في مجال دعم أسعار مواد الطاقة، وخصوصاً أن صندوق النقد شدّد على أن السعودية قد تستنفد احتياطاتها في أقل من خمس سنوات، إذا «فشلت في تنفيذ إجراءات التقشف». ومثلها البحرين، التي أعلنت، مع قطر وعمان، وهي دول غنية بالغاز، أنها في طور دراسة إجراءات لتقليص الإنفاق وخفض الدعم.
عوائق تهدد العقود الجديدة
وعلى الرغم من المسعى الخليجي لتغيير سياسته الاقتصادية داخليًا، وفرض عقود جديدة بين السلطات والمستهلكين إلا أن عوائق عدة تهدد بإفشال هذا المسعى أبرزها المقولة التقليدية التي تعد سبب في حرب الاستقلال الأمريكي من بريطانيا "لا ضرائب بدون تمثيل" والتي تكشف صعوبة تحقق تغيير حقيقي في غياب الإصلاحات السياسية.
فيما يرى المحلل الاقتصادي البحريني دكتور جاسم حسين أن تلك المقولة لا تنطبق بالضرورة على الوضع الخليجي موضحًا " حيث يعود الأمر لعدم وجود رغبة لدى السلطات من جهة، وغياب الضغوط المجتمعية من جهة أخرى في ظل الاهتمام العالمي بالأهمية الاستراتيجية، وبالتالي الاستقرار في المنطقة”.
وأضاف حسين في ورقة بحثية له بعنوان " تعزيز السوق الخليجية: بين الواقع والمأمول" أنه "من الممكن حصول تطورات إيجابية في مجالات أخرى غير المشاركة السياسية الفعَّالة، مثل تطبيق أفكار ومبادئ الحكم الرشيد والحوكمة والمزيد من الشفافية في المالية العامة وهي أمور مفيدة في كل الأحوال”.
سياسة التقشف لا تكفي لحماية توازن الخليج المالي
أكد الأستاذ بقسم الحكومة بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية د.ستيفان هيرتوغ إن إجراءات التقشف لا تكفي لحماية التوازن المالي طويل المدى في الدول الخليجية ، مضيفًا أنها تحتاج بجانبها لإصلاحات شاملة في سوق العمل.
وأضاف في تصريحات له خلال مشاركته بندوة للجمعية الاقتصادية الكويتية منتصف مارس الحالي أن "دول مجلس التعاون الخليجي استطاعت تكوين احتياطيات مالية كبيرة نسبيًا خلال فترة التقشف كم الثمانينيات إلى التسعينيات تسمح لها بمواجهة العجز في ميزانياتها لفترة زمنية طويلة".
ويرى هيرتوغ أنه على الرغم من تكوين الاحتياطيات الضخمة إلا أن دول الخليج خلقت آليات إنفاق أكبر بكثير أبرزها التوظيف في القطاع العام، حيث نما عدد الموظفين الحكوميين عدة أضعاف منذ الثمانينيات، ما أدى إلى رفع مستوى الإنفاق الثابت إلى مستويات أعلى بكثير.
وأشار أن استجابت الحكومات الخليجية لدعوات التقشف والإصلاح الحالية جاءت سريعة، لافتًا لتحركات عدد من دول الخليج في هذا الإطار معتبرًا إياها غير كافية بحد ذاتها مضيفًا إن "أهميتها تكمن في أنها قد أدت إلى تحطيم أحد المحظورات المهمة في «العقد الاجتماعي» في الخليج العربي”.
وأضاف أنه " لا يمكن وضع المنطقة على مسار مالي مستدام سوى بتنفيذ إصلاحات أكثر شمولية، تطول الوظائف الحكومية والتي تعتبر الركيزة الأساسية لنظام تقاسم الثروات في المنطقة”.
واختتم استاذ الاقتصاد البريطاني ندوته مؤكدًا أن الحكومات الخليجية تحتاج إلى التفكير الخلاق على المستويين الاقتصادي والسياسي، وتعويض المواطنين بمزيد من المساءلة والمشاركة السياسية، وتوسعة آليات السلامة الاجتماعية الأكثر إنصافا.
تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط الخام
فيما وضع عدد من المراقبين والاقتصاديين جوانب أخرى لحل أزمة الخليج الاقتصادية تتمثل في ضرورة اتجاه دول الخليج في الاعتماد على مصادر دخل أخرى غير نفطية، وتقليل الاعتماد على النفط الخام مؤكدين أن السياسات الإصلاحية وحدها لن تحل الأزمة.
حيث وجه مراقبون اقتصاديون دعوات عدة بتقليل الاعتماد على النفط الخام ومن بينها الدعوة التي وجهت خلال منتدى الإمارات الاقتصادي الدولي عام 2002، حيث أكد المشاركون بالمنتدى أنه "إذا ما أرادت هذه دول الخليج أن تتحول إلى لاعبين أساسيين على الساحة الاقتصادية العالمية عليها أن تقلل اعتمادها على النفط".
فيما أكدت وزيرة التجارة والصناعة الكويتية السابقة أماني بورسلي، ضرورة توجه دول الخليج لتنويع مصادر الدخل منتقدة الاعتماد الخليجي الكبير على النفط.
وطالبت خلال مشاركتها ببرنامج "في العمق" على قناة الجزيرة شهر أغسطس الماضي، دول الخليج بعدم الاعتماد على النفط والاتجاه إلى تنويع مصادر الدخل، مشيرة إلى أن النرويج وهي منتج أساسي لم يكن لديها مشكلة لأنها تعتمد على الصناعة، ومعظم إيرادات نفطها تتحول لصندوق سيادي للأجيال القادم.