تسعى كل من الصين والسعودية لمزيد من التعاون العسكري والسياسي، ولكن تظل الأولوية للنفط.
مع تسارع اقتراب موعد قمة مجموعة العشرين المقرر إقامتها في مدينة هانغتشو، جاءت زيارة الأمير «محمد بن سلمان» ولي ولي العهد السعودي لبكين قبل الحدث لتجذب الاهتمام. ولقد اهتمت الصين كثيرًا بزيارة «بن سلمان»، باستقباله من قبل رئيس الصين «شي جين بينغ» بنفسه في قصر ضيافة دياويوتاي. وقبل مقابلة رئيس الصين مع «بن سلمان»، وقع وزير الإسكان السعودي «ماجد الحقيل»، والذي يصاحب «بن سلمان» في جولته، مذكرة تفاهم في مجال الإسكان مع وزير التجارة الصيني «تشيان كه مينغ» في يوم 31 أغسطس/ آب. وتبشر اللقاءات السياسية والاتفاقات التجارية خلال الزيارة بروابط أوثق بين الصين والسعودية.
وشهدت زيارة الأمير «بن سلمان» للصين توقيع 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم يوم الثلاثاء. وتتراوح الاتفاقيات من مذكرات تفاهم في مجال تطوير الطاقة وتخزين النفط إلى وعود بالتعاون في مجال تطوير الإسكان وقضايا تتعلق بموارد المياه. وفي الوقت نفسه، حصلت هواوي الرائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يوم الأربعاء على رخصة استثمار بالسعودية.
وبسبب ضعف صحة الملك «سلمان»، فإن ابنه يمثله غالبًا في الزيارات الخارجية، ويتحدث بلسانه، ولذا يمثل الأمير «محمد بن سلمان» مركز القوة في السعودية. ويمكن القول أن الأمير «بن سلمان»، هو الرجل الأهم سياسيًا في المملكة في الوقت الراهن. وهو أصغر وزير دفاع في العالم، وهو أيضًا رئيس الديوان الملكي لآل سعود، ورئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية.
ويعد الأمير «بن سلمان» قائدا طموحا صغير السن، والذي يتخذ خطوات لتغيير الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط. وداخليًا، يريد أن يحول الاقتصاد السعودي من الاعتماد الكامل على النفط إلى التنوع، لتصل السعودية إلى دولة اقتصادية قوية رائدة. وبدأت عملية «عاصفة الحزم» العسكرية في اليمن بقيادة السعودية في عهده كوزير للدفاع. وفي يناير/ كانون الثاني من العام 2015، تم اختياره رئيسًا لمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، بدلًا من اللجنة الاقتصادية العليا التي تم حلها مع برنامج الإصلاح الاقتصادي الجديد (رؤية 2030).
وكقائد طموح للنفوذ ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في العالم، فإن الأمير «محمد بن سلمان»، مثل كثير من قادة العالم، لديه اهتمام بأسواق شرق آسيا، ويسعى إلى تعاون أعمق وأوثق بين السعودية ودول شرق آسيا. وتأتي زيارته في توقيت جيد لتطرح التساؤل حول ما إذا كانت العلاقة بين الصين والسعودية ستصل لهذا الحد المأمول.
وتنبني العلاقة بين الصين والسعودية على الطاقة، ولهذا سبب وجيه: فالسعودية هي أكبر مصدر للنفط، بينما الصين هي أكبر المستوردين في العالم. وليس من المفاجئ أن يهتم البلدان بتعميق التعاون في إطار مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» التي بدأها رئيس الصين، ومبادرة «رؤية 2030» التي وضعها الأمير «بن سلمان». وتسعى الصين نحو دور أكبر لها في الشرق الأوسط، بينما تحاول السعودية التحوط بتعدد العلاقات ولاسيما في الوقت الذي بدأت الولايات المتحدة تنسحب من دورها كضامن للأمن في الشرق الأوسط.
ومقارنة بالعلاقات السعودية الأمريكية، فإنّ العلاقات السعودية الصينية حديثة عهد. ففي الحرب الباردة، كانت السعودية قلقة من التوسع الشيوعي في الشرق الأوسط، كما ناهضت الرياض الشيوعية بحزم. وكانت السعودية هي آخر من اعترف بجمهورية الصين الشعبية عندما فعلت ذلك عام 1990. وفي عام 1999 كانت الزيارة الأولى لرئيس صيني، وهو «جيانغ تسه مين»، للسعودية، عندما وقع اتفاقية استراتيجية لشراء النفط.
ومنذ ذلك الحين لم تنقطع الزيارات بين البلدين، لكن الطاقة دائمًا ما كانت هي هدف التعاون. وزادت التجارة بين البلدين من 1 مليار دولار عام 1990 إلى 70 مليار دولار في عام 2013.والصين هي أكبر مستوردي النفط من السعودية، وفي المقابل، فإن السعودية هي المصدر الأكبر للنفط للصين، بنسبة حوالي 20% من احتياجها.
وبداية هذا العام، ومع زيارة الرئيس «شي» للرياض، ضمن أول زيارة رسمية لرئيس الصين للشرق الأوسط منذ بدء رئاسته في 2013، أبرم البلدان موافقة على شراكة استراتيجية قوية تشمل التعاون الاقتصادي والسياسي وفي المجالات العسكرية.
ويرجح محللون نجاح هذا التعاون بين الصين والسعودية، وذلك على خلفية توتر العلاقات مع واشنطن التي كانت تعتمد عليها السعودية في المقام الأول. وزادت تلك التوترات بعد رفع العقوبات الواقعة على إيران، وتخلي الولايات المتحدة عن دورها ضد «بشار الأسد»، وتخليها عن الرئيس المصري «حسني مبارك» خلال الربيع العربي. وليس من المفاجئ أيضًا مع زيادة دخول الصين داخل الشرق الأوسط أن يزيد التعاون العسكري بين الصين والسعودية. وباعت الصين أسلحة للسعودية تقدر قيمتها بـ 700 مليون دولار منذ 2008 وحتى 2011.
ولكن هناك عوامل أخرى تعقد من الشراكة الثنائية بين البلدين. فمن جانب، لدى الصين اهتمامات أيضًا بتوطيد علاقتها مع إيران التي تعد «العدو اللدود» للسعودية. ولم تبد الصين لا الإرادة ولا القدرة على لعب الدور الذي كانت تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة. من الممكن أن تكون مبيعات السلاح الصيني للسعودية قد تزايدت بشكل كبير في العقد الأخير، لكن الولايات المتحدة قد باعت أسلحة للسعودية في عام 2011 فقط، بقيمة 33 مليار دولار. وفي الوقت نفسه فإن النخب الشابة السعودية، كما هو الحال بالنسبة للنخب الشابة في الصين، متأثرة بالقوة الناعمة للولايات المتحدة، بعد الدراسة في مدارس وكليات الولايات المتحدة. وعلى الأمد القصير على الأقل، ستظل السعودية تعتمد على دعم الولايات المتحدة السياسي والعسكري، وستظل الشراكة مع الصين اقتصادية في المقام الأول.
وعلى جانب آخر، فإن اهتمام السعودية بآسيا لا يتعلق فقط بالصين، ولكنها تتطلع أيضًا إلى اليابان، التي تراها الصين كمنافس قي شرق آسيا. ومن المثير للاهتمام أنه تم ترتيب زيارة الأمير «بن سلمان» إلى الصين واليابان في وقت واحد يوم 31 أغسطس/آب. وشملت مجموعة المسؤولين المصاحبين للأمير، على رأسهم وزير المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط، ووزير التجارة والاستثمار، ووزير الدولة، ووزير الثقافة والمعلومات، ووزير الشؤون الخارجية، ووزير الطاقة والصناعة والموارد المعدنية، ووزير العمل، ورئيس المخابرات العامة، وعدد آخر. وبدا من الأمر أن السعودية تريد الحفاظ على التوازن في علاقاتها بين الصين واليابان
ورغم نمو التعاون الثنائي بين البلدين بشكل متزايد، تظل العلاقة قائمة على الطاقة والاقتصاد، وليس تحالفًا عسكريًا سياسيًا. وفي الأعوام العديدة الماضية، زادت احتمالات وجود تعاون ثنائي في المجال العسكري والسياسي، ولاسيما مع تراجع الولايات المتحدة عن دورها في الشرق الأوسط، بينما يتنامى دور الصين. ولكن رغم هذا، يظل النفط هو المسيطر على العلاقة بين السعودية والصين.
ذا ديبلومات - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-