ستراتفور- ترجمةشادي خليفة -
قد يبدأ جهد منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لخفض إنتاج النفط في الإتيان بثماره أخيرا. وخفضت أوبك وحلفاؤها الإنتاج بنحو 1.6 مليون برميل يوميا منذ بداية العام، مما ساعد على رفع أسعار النفط. وأشار المنتجون الرئيسيون، مثل المملكة العربية السعودية وروسيا، إلى أنهم قد يدفعون إلى تمديد اتفاق خفض الإنتاج إلى ما بعد تاريخ انتهاء الاتفاق في مارس/آذار عام 2018. لكن اللجنة الوزارية المشتركة للرصد، التي اجتمعت في فيينا، رفضت تقديم توصية بشأن التخفيضات. وقال وزير النفط الكويتي «عصام المرزوق» أنه ليس هناك حاجة لاتخاذ قرار الآن حول ما إذا كانت السوق «في طريقها نحو عودة التوازن».
التوقعات لا تتحقق
وعلى الرغم من تراجع أسعار النفط في وقت سابق من هذا العام، فقد رأى المنتجون الليبيون والنيجيريون والبرازيليون والأمريكيون وغيرهم من المنتجين رفع إنتاجهم من النفط. وارتفع إنتاج ليبيا من النفط من 390 ألف برميل يوميا عام 2016 إلى مليون وثلاثة آلاف برميل يوميا في أبريل/نيسان 2017. وتعيق النزاعات العسكرية والسياسية الآن أي زيادات أخرى، وانخفض الإنتاج إلى 890 ألف برميل يوميا في أغسطس/آب. وفي نيجيريا، ارتفع الإنتاج من حوالي مليون و511 ألف برميل يوميا في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام إلى مليون و861 ألف برميل يوميا في أغسطس/آب. لكن إنتاجها بدأ أيضا في التراجع بسبب صعوبات مماثلة.
وبلغت الزيادة في الإنتاج من جانب نيجيريا وليبيا 960 ألف برميل يوميا، أو ما يقرب من 60% من التخفيض الذي وافقت عليه الدول الأعضاء والدول غير الأعضاء في أوبك. وحدثت أغلبية كبيرة من هذه الزيادة بين شهري أبريل/نيسان ويوليو/تموز، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المخاوف المتعلقة بزيادة المعروض في السوق، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تعزز إنتاج النفط الصخري، ولا سيما في بحيرات وولف كامب وبون سبرينغ وسبرا بيري في حوض بيرميان.
لكن المخاوف بشأن زيادة العرض قد لا تكون حقيقية بسبب تقديرات الإنتاج المبكر غير الدقيقة. وتشير التقديرات التي صدرت خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز إلى ارتفاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بمقدار 450 ألف برميل يوميا، في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول عام 2016 ويونيو/حزيران عام 2017، وهو ما يدعم الزيادة الإجمالية المقدرة في إنتاج النفط الأمريكي البالغة 554 ألف برميل يوميا. ومع ذلك، وبعد أن تم الإعلان عن مستويات الإنتاج، ارتفع الإنتاج الأمريكي بمقدار 326 ألف برميل يوميا فقط، وتوقفت الزيادة مع ارتفاع الإنتاج بمقدار 27 ألف برميل يوميا فقط بين شهري فبراير/شباط ويونيو/حزيران. ولم تتحقق الزيادات الكبيرة المتوقعة في توقعات الطاقة على المدى القصير من قبل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ومع ذلك، يدرك مراقبو سوق النفط الآن أن الزيادات الحادة في النفط الأمريكي قد لا تظهر بسرعة كما كان متوقعا.
وفي الوقت نفسه، واصلت المملكة العربية السعودية خفض صادراتها النفطية، في سبيل الحد من المخزونات الزائدة. وتستمر مخزونات الخام العالمية في الانخفاض، ويمكن أن تصل إلى مستويات قبل 5 أعوام، وهو الهدف المعلن من قبل السعودية، في العام المقبل دون تمديد. ودعمت كل هذه الأخبار ارتفاع أسعار النفط في الشهر الماضي، مع وصول خام برنت الخام الخفيف إلى أعلى من 56 دولارا للبرميل خلال الأسبوع الماضي، أي بزيادة تقارب 30% منذ أن وصل إلى أدنى مستوى له في أواخر يونيو/حزيران، حين وصل إلى أقل من 44 دولارا للبرميل. وعلى الرغم من أن اللجنة لم توص بتوسيع نطاق التخفيضات، إلا أن وزير النفط الكويتي «عصام المرزوق» قال إنه ليست هناك حاجة لتوسيع التخفيضات الآن، حيث كان واضحا تماما أن السوق «في طريقها نحو إعادة التوازن»، وهي رسالة مختلفة جدا عن تلك التي سمعناها في الاجتماع السابق للجنة المشتركة في يوليو/تموز.
الرياض وموسكو والخيارات الصعبة
وعلى الرغم من هذا التفاؤل، ستكون السعودية وروسيا وغيرها مصرة على أن يتم النظر في التمديد لسببين. أولا، تحتاج المملكة وروسيا إلى ضمان استمرار سوق النفط في إعادة التوازن، الأمر الذي سيساعد على استقرارها الاقتصادي. وتواجه روسيا وضعا هشا مع أزمة مصرفية محلية وغيرها من المخاوف الاقتصادية. وقد تضاءلت شعبية الرئيس «فلاديمير بوتين»، ويريد الكرملين ضمان الاستقرار قبل الانتخابات الرئاسية في مارس/آذار إلى أبريل/نيسان عام 2018، وما بعدها.
وفي السعودية، تكثر الشائعات حول قرب تنازل الملك «سلمان» عن العرش لابنه ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان». وكان «بن سلمان» هو مهندس جهود الإصلاح في البلاد، التي كانت تكافح في الأشهر القليلة الماضية لتحقيق أهداف برامج التوظيف السعودية والعائدات غير النفطية. ويقال إن بلاده تدرس خفض دعم البنزين ومنتجات الطاقة الأخرى في وقت لاحق من هذا العام. ولا تزال الإصلاحات الاقتصادية في المملكة في طور النمو، ومن المتوقع أن يدعم الاكتتاب العام الأولي بنسبة 5% من شركة النفط السعودية أرامكو الكثير من هذا النمو. ویمکن تأجيل ھذا الطرح العام الأولي إلى عام 2019 بدلا من 2018. ولكي ينجح هذا الاكتتاب، یجب أن یکون سوق النفط مستقرا.
وتدرك السعودية وروسيا وغيرهم أن خفض إنتاجهم لن يزيد أسعار النفط إلى ما هو أبعد مما وصلت إليه الآن. في حين لم يحقق إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة صعودا بالقدر الذي كان متوقعا في البداية. ومن وجهة نظر موسكو والرياض، فإن القصد من التخفيضات هو الحد من مخزونات النفط ومنع تراجع الأسعار أو حدوث انهيار آخر، وليس الهدف زيادة الأسعار أكثر من ذلك. ولا يمكن لأي من البلدين تحمل انهيارا آخر في عام 2018.
ثانيا، ترغب موسكو والرياض في التأكد من ألا يعول المشاركون في سوق النفط على انتهاء اتفاق خفض الإنتاج. وتم بالفعل تخفيض كمية هائلة من إنتاج النفط. ويعني هذا أن دول منظمة أوبك والدول غير الأعضاء في المنظمة ستواجه تحديات رئيسية حول ما إذا كان سيتم الخروج من الصفقة أم سيكون خيار التمديد هو الأمثل. وإذا لم يتم الخروج من الاتفاق بطريقة منظمة، قد يتعرض السوق لهجمة من الإمدادات من شأنها أن تتسبب في تراجع كبير للأسعار، وهو السيناريو الذي يرغب جميع المنتجين في تجنبه. ومن خلال الحفاظ على خيار تمديد التخفيضات على الطاولة، تحاول الرياض وموسكو الحد من أي تكهنات بأن الصفقة ستنتهي قريبا.
ماذا بعد؟
بالنسبة لمنتجي النفط الرئيسيين، سيكون السؤال الرئيسي في عام 2018 هو: ما هي الخطوة التالية؟ وقد تكون المخزونات آخذة في الانخفاض، لكن مخاوف الإغراق السريع للسوق من المرجح أن تدفع إلى النقاش حول استراتيجية الخروج. ولن يكون هذا تفاوضا سهلا، لأن العديد من البلدان الصغيرة ستطالب بإلغاء الالتزامات بسرعة أكبر. ومن المرجح أن تحتاج الرياض وموسكو إلى إعطاء الأولوية لخروج بلدان أخرى من تلقاء نفسها بسبب حجم التخفيضات في الإنتاج. وهناك خيار آخر، من المحتمل أن يثير الكثير من النقاش، وهو ما إذا كانت منظمة أوبك، حتى بالتنسيق مع روسيا وغيرها من المنتجين من خارج المنظمة، سوف تستخدم فقط مستويات الإنتاج الحالية مع التخفيضات كأساس لإعادة توزيع الحصص الفردية لأعضاء المنظمة. ولم تكن الحصص الفردية قائمة منذ الأزمة المالية العالمية عندما ألغيت على مستوى الكتلة. ومع ذلك، رغم أن السوق آخذ في التحسن، فإن هذا الانتعاش لا يدفع سوى إلى أسئلة جديدة وهامة بالنسبة لمنتجي النفط الرئيسيين. ومن المحتمل أن يدور النقاش حول المخاوف الجديدة قبل اجتماع أوبك القادم في فيينا يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني.