DW- بالعربية-
ساعد التعاون الروسي السعودي على وقف تدهور أسعار النفط وتحسنها بعدها وصلت إلى مستويات مرعبة للدول المنتجة. هل يستمر هذا التعاون في حقبة جديدة يصعد فيها نجم الغاز الطبيعي الذي تمتلك روسيا والسعودية احتياطات ضخمة منه؟.
تشير البيانات الاحصائية إلى أن العلاقات الاقتصادية السعودية الروسية المباشرة حاليا ليست ذات شأن كبير مقارنة بعلاقات البلدين مع دول أخرى. فإذا أخذنا على سبيل المثال مجمل التبادل التجاري بينهما فإن قيمته خلال العام الماضي 2016 كانت أقل من نصف مليار دولار تشكل الصادرات الروسية أكثر من ثلثيها. وللمقارنة وصلت قيمة صادرات ألمانيا إلى المملكة حلال العام المذكور إلى أكثر من 8 مليارات دولار في حين تزيد قيمة الصادرات السنوية الأمريكية لها على 25 مليار دولار. غير أنه ضعف التبادل التجاري يقابله تنسيق سياسي واقتصادي غير مسبوق في سوق الطاقة العالمي، لاسيما وأن الرياض وموسكو تتصدران قائمة منتجي ومصدري النفط في العالم. ويقدر خبراء أن التنسيق بين العاصمتين جنبهما مع منتجي النفط الآخرين خسائر بعشرات المليارات من الدولارات خلال العامين الماضيين.
تعاون بعد تعنت
في صيف عام 2015 تدهورت أسعار النفط إلى مستويات أرعبت الكثير من الدول التي تعتمد بشكل أساسي على صادراته. يومها تراجع سعر برميل الذهب الأسود إلى أقل من 40 دولارا بعدما كان بحدود 120 دولارا ربيع 2014. ورغم هذا التدهور الذي أفقد السعودية أكثر من نصف واردتها النفطية، أصرت المملكة يومها على موقفها الرافض بشدة لتخفيض المعروض في السوق المتخمة بحجة الحرص على استقرار الاقتصاد العالمي. غير أن السبب الأهم للتعنت السعودي أيضا من وجهة نظر محللين كثر كان ممارسة الضغط السياسي ومعاقبة كل من روسيا وإيران بسبب دورهما العسكري والسياسي في سوريا والعراق، لاسيما وأن كليهما يعتمد على الصادرات النفطية ولو بشكل أقل من السعودية. غير أن التواصل السياسي الروسي السعودي المكثف الذي واكبه تحسن ملحوظ في علاقات الطرفين على الصعد السياسية والاقتصادية ساعد في خريف 2016 على حدوث اختراق أثمر عن توافق بين دول منظمة الأوبك وروسيا على تخفيض الانتاج بحوالي 1.8 مليون برميل يوميا بهدف تقليص المعروض ورفع الأسعار.
مشاريع تنتظر التنفيذ
أدى التوافق المذكور الذي بدأ تنفيذه فعليا وبشكل تدريجي منذ أوائل 2017 إلى ارتفاع سعر برميل الذهب الأسود إلى حوالي 58 دولارا أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الجاري . ويعني الارتفاع الذي تحقق حاليا مقارنة بأسعار صيف 2015 زيادة العائدات المالية النفطية للدول المصدرة بنسبة تزيد على 30 بالمائة خلال أقل من سنة. بالنسبة لكل من السعودية وروسيا تعني هذه الزيادة تحقيق عائدات سنوية إضافية لا تقل 50 مليار دولار لكل منهما. من هذه الزاوية يمكن قراءة قول الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للرئيس الروسي الروسي فلاديمير بوتين بأن المملكة ستواصل العمل مع موسكو من أجل استقرار اسواق النفط العالمية. ويبدو أن المساهمة الهامة للبلدين في استقرار أسواق النفط إضافة إلى رغبة مشتركة بمزيد من التنسيق السياسي حول قضايا الشرق الأوسط المعقدة وتوجه سعودي لشراء أسلحة من روسيا بينها منظومة الدفاع الجوي الصاروخي S400 ستفتح الباب على تعاون اقتصادي من أبواب واسعة. ويعكس ذلك التوقيع على سلسلة اتفاقيات ومذكرات تفاهم اقتصادية بعدة مليارات من الدولارات في مجالات أبرزها الطاقة والنقل والصناعة والزراعة والاتصالات خلال زيارة الملك سلمان لروسيا في النصف الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري . ويرز من بينها مذكرة تفاهم بقيمة مليار دولار للأستثمار في مجال التكنولوجيا وأخرى بنفس القيمة للاستثمار في مشاريع الطاقة.
ما بعد حقبة النفط
رغم كثرة المشاريع والمذكرات الموقعة بين الجانبين والآمال الكبيرة المعلقة عليها، فإنّ الاستثمارات وفرص التعاون الاقتصادي المباشرة بين موسكو والرياض تبقى محدودة مقارنة بنظائرها بين الأخيرة وواشنطن أو باريس أو لندن. ويدل على ذلك صفقة العصر التي وقعها ترامب خلال زيارته الأخيرة للرياض بقيمة تقارب 500 مليار دولار. كما أن الاقتصاد السعودي مرتبط بالغرب وشرق آسيا من النواحي التقنية والتجارية. غير أن ذلك لا يقلل من الأهمية التاريخية للتعاون الروسي السعودي في مجال الطاقة، لاسيما وأن إنتاجهما النفطي يعادل لوحده نحو ثلثي ما تنتجه منظمة الأوبك. كما أن صفقات كبيرة عقدها البلدان في مجالي التنقيب والاستخراج. وتأتي أهمية هذا التعاون في الوقت الذي يصعد فيه نجم الغاز الطبيعي كبديل هام إلى جانب الطاقات المتجددة لحقبة النفط التي يتوقع أفولها خلال العقود الثلاثة القادمة. الجدير ذكره هنا أن السعودية تمتلك سادس أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، بينما تتربع روسيا على قمة قائمة الانتاج والاحتياطي منه. وعلى ضوء ذلك هناك توقعات محقة بأن يلعب منتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي الذي تتصدره روسيا ويضم في عضويته أيضا إيران وقطر وفنزويلا والجزائر في المستقبل دورا لا يقل فاعلية عن دور منظمة الأوبك في سوق الطاقة العالمي. وإذا ما استمر التنسيق مع موسكو يمكن للرياض أن تضمن لنفسها دوراً هاماً في سوق الطاقة العالمي الذي يلعب فيه الغاز إلى جانب مصادر أخرى للطاقة دورا متزايدا سنة بعد أخرى.