الخليج أونلاين-
باتت سياسات السعودية بداية من حربها في اليمن، ومروراً بحصار قطر، وأخيراً حملة مكافة الفساد المثيرة للشكوك، والسيطرة على مجموعة "بن لادن" للمقاولات، تشكل هاجساً مرعباً لرجال الأعمال الأجانب؛ ما دفعهم للبحث عن دول أخرى للاستثمار فيها، إذ أصبحوا يرون أن مستقبل الاستثمارات في المملكة غير مضمون، وحوّل التفكير في أي استثمارات إلى "مقامرة" غير مضمونة النتائج.
ففي 11 يناير 2018، كشفت صحيفة "ذي وول ستريت جورنال" الأمريكية عن أن رئيسَي فرنسا السابقين؛ نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، عبرا عن مخاوفهما لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إزاء استمرار احتجاز الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال، وأكدا له أن استمرار القبض عليه يثير مخاوف المستثمرين الأجانب.
ونقلت الصحيفة عن مستشارين حكوميين سعوديين وفرنسيين قولهم إن ساركوزي وهولاند نقلا لابن سلمان قلق رجال الأعمال في أعقاب القبض على مئات الشخصيات في السعودية، بداية نوفمبر الماضي.
وذكرت أن اتصالات ساركوزي وهولاند جاءت بعد شكاوى تقدم بها إلى الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون شركاء للوليد بن طلال بعد القبض عليه.
وأضافت أن هولاند قال لولي العهد السعودي، في ديسمبر الماضي، إن رجال الأعمال في فرنسا قلقون إزاء تأثير عمليات الاحتجاز على خططهم المستقبلية في السعودية، وأن ساركوزي وجه لمحمد بن سلمان رسالة مشابهة، وذلك في نوفمبر 2017.
وشهدت السعودية حملة اعتقالات واسعة، شملت أمراء ووزراء وشخصيات نافذة، بتهم الفساد، بداية نوفمبر 2017، كان أبرزهم الوليد بن طلال، والأمير متعب بن عبد الله الذي أُطلق سراحه خلال ديسمبر 2017.
وتمكّنت السلطات السعودية من الحصول على أجزاء كبيرة من ثروات رجال الأعمال المعتقلين مقابل الإفراج عنهم، في حين لا يزال آخرون يرفضون دفع أي مبلغ.
ويقول المسؤولون السعوديون إنهم يهدفون من حملة الاعتقالات إلى استرداد 100 مليار دولار من "أموال تنتمي إلى الدولة".
والثلاثاء 9 يناير 2018، قالت صحيفة "عكاظ" السعودية، إن المملكة أفرجت عن 23 من نحو 200 شخصية محتجزة في إطار حملة لمكافحة الفساد، بعد أن توصلوا لاتفاقات مع الحكومة.
وذكرت "عكاظ" أنه سيتم الإفراج عن مزيد من المحتجزين خلال الأيام المقبلة، وأن إجراءات المحاكمة ستبدأ قريباً لمن يصرُّون على نفي التهم الموجهة لهم.
ومن بين المعتقلين الذين لم يتم الإفراج عنهم بعدُ الوليدُ بن طلال، الذي طالبته الحكومة السعودية بدفع ما يزيد على 6 مليارات دولار لتسوية اتهامات له بغسل الأموال والتحايل والابتزاز، بحسب ما نقلت "ذي وول ستريت جورنال" عن مقربين من الأمير.
وأكدت المصادر ذاتها أن الأمير رفض التسوية، وصمم على المواصلة حتى وصول المسألة إلى المحكمة.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن بعض المحتجزين وافقوا على دفع تسوية مالية مقابل الإفراج عنهم، وكان أبرزهم الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، الذي قالت وسائل إعلامية إنه دفع مليار دولار مقابل تسوية مالية.
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، من جانبها، ذكرت في تقرير سابق لها، أن الاعتقالات بثّت حالة من عدم اليقين بين المستثمرين الذين يخشون من توسّع الحملة ضد قادة الأعمال في المملكة.
وأشارت إلى أنه رغم أن الانكماش الاقتصادي والاضطرابات الجيوسياسية الإقليمية قد أدت بالفعل لهروب رؤوس الأموال من المملكة، على مدى السنوات القليلة الماضية، فإن هذه التطورات الأخيرة ستسرع وتيرة التدفقات الخارجة من السوق.
ولعل ما يعزز مخاوف رجال الأعمال الأجانب من ضخ استثماراتهم إلى السعودية، قرار المملكة الأخير بالسيطرة على إدارة مجموعة "بن لادن".
وكانت السعودية أعلنت، في 10 يناير 2018، توليها إدارة المجموعة العملاقة المختصة بمجال المقاولات.
ولم يقتصر الأمر على السيطرة الإدارية، فقد أعلنت مجموعة "بن لادن"، في بيان على موقعها، السبت 13 يناير 2018، أن بعض مساهميها قد يتنازلون عن حصصهم للحكومة السعودية في إطار تسوية مالية مع السلطات، دون مزيد من التفاصيل.
وبالتزامن مع حملة الاعتقالات والسيطرة على إحدى أضخم شركات المقاولات بالشرق الأوسط، تواجه السعودية تهديداً مستمراً من مليشيا الحوثيين في اليمن باستهداف عاصمتها بالصواريخ الباليستية.
وأعلنت جماعة الحوثي في 19 ديسمبر 2017، إطلاقها صاروخاً باليستياً تجاه قصر اليمامة بالعاصمة الرياض في أثناء اجتماع موسع للقادة السعوديين، بينما قال "التحالف العربي"، الذي تقوده السعودية، إنه اعترض الصاروخ.
وحول ذلك، قالت صحيفة "فايننشال تايمز"، في ديسمبر 2017، إنه "بين احتجاز رجال الأعمال وصواريخ الحوثيين سيكون الاستثمار الأجنبي في السعودية أصعب".
وذكرت الصحيفة أن "التدخّل العسكري في اليمن أثار مخاوف المستثمرين خاصة بعد إطلاق صواريخ باليستية على الرياض".
وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية، هي كذلك تناولت هذه القضية، وقالت في تقرير لها، نهاية ديسمبر 2017، إن "الحرب على اليمن لا تظهر فيها مؤشرات على تحقيق أي نجاح، ومن ثم فإن السعودية وجدت نفسها مضطرة للإنفاق على الجانب الدفاعي قبلَ أي جانب آخر، وهذا ما ظهر بموازنتها للعام 2018".
ونقلت الوكالة عن مدير قسم البحوث الاقتصادية في مركز الخليج للبحوث، جون سفاكياناكس، قوله إن "هناك قلقاً دولياً ولدى المستثمرين الأجانب عندما يجدون أن الصواريخ تحلق في سماء العاصمة الرياض".
وبين صواريخ الحوثيين وحملة مكافحة الفساد- التي يشوبها الفساد بحسب وسائل إعلام ومراقبين- تنعكس تداعيات فرض السعودية والإمارات والبحرين حصاراً على قطر منذ منتصف العام 2017، هي الأخرى على الاستثمارات في المملكة واقتصادها بشكل عام، وذلك وفق تحذيرات صندوق النقد الدولي في نهاية أكتوبر 2017.
فالأزمة الخليجية التي تشترك فيها مصر أيضاً، تؤثر بشكل مباشر على استقرار الأوضاع السياسية في منطقة الخليج عموماً؛ الأمر الذي ينفر المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن أكثر الدول استقراراً لضمان مستقبل استثماراتهم.
وفي تحليله لتأثير السياسات السعودية على الاستثمار في البلاد، قال المختص الاقتصادي عبد التواب بركات: إن "النظام السعودي يتجه إلى السيطرة الحكومية على شركات خاصة ورجال أعمال مؤثرين في الاقتصاد الوطني، مثل مجموعة بن لادن العملاقة، سواء بالإدارة وقد يتطور الأمر في المستقبل إلى الاستحواذ الكامل بالمصادرة والتأميم".
وأضاف بركات لـ"الخليج أونلاين": "هذه المستجدات التي ظهرت بالمملكة بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً وحيداً للعهد، تخلق أجواء غير مستقرة، ونظرة ضبابية تجاه نشاط المال والأعمال والاستثمار الوطني والأجنبي".
وتابع: "سواء كان الاستحواذ على مجموعة بن لادن واعتقال رجال الأعمال بهدف محاربة الفساد، حسبما يزعم النظام الحاكم، أو الاستئثار بالسلطة، مثلما يرى كثيرون، فإن ترؤس ولي العهد للجنة مكافحة الفساد بنفسه، يخيم بظلال سلبية على العلاقة الجديدة بين السلطة الحاكمة في المملكة ورجال المال والأعمال".
ويشير بركات إلى أن أمر الملك سلمان بن عبد العزيز، بمنح لجنة مكافحة الفساد مهامَّ خطيرة، مثل تتبع الأموال والأصول الثابتة والمنقولة في الداخل والخارج، وتجميدها، ومنع نقلها أو تحويلها، وكشف الحسابات والمحافظ الاستثمارية، وإعادة الأموال المجمدة للخزينة العامة، يهدد أموال الشركاء والمستثمرين الأجانب بالتجميد أو المصادرة.
من ناحية أخرى فإن حجم المحافظ المالية الضخم للأمراء ورجال الأعمال التي تم تجميدها، الذي يقدره البعض بـ 800 مليار دولار، يعطل بالفعل كثيراً من الاستثمارات الحيوية ذات الشراكات الأجنبية في المملكة، وفقاً لما يراه بركات.
وحول تداعيات ضرب جماعة الحوثي للرياض، قال المختص الاقتصادي، إن هذا الحدث "يخلق أزمة جديدة لحكام المملكة على مستوى البعد الأمني الذي يؤثر مباشرة في مستقبل الاستثمار المحلي والأجنبي على السواء".
وذكر أنه "لا يخفى تأثير الحرب في اليمن على هروب الاستثمارات من السعودية، وخفض درجات الثقة في الاقتصاد السعودي وخسارة نصف احتياطي النقد الأجنبي في عامين".
وما لم يسعَ النظام السعودي إلى إنهاء الحرب باليمن وتبريد حدوده مع اليمن، فسوف يستمر تراجع الاستثمارت الوطنية والأجنبية، وكذلك يستمر استنزاف الاقتصاد السعودي وزيادة الركود الذي يضرب مفاصله، بحسب بركات.
يشار إلى أن الاقتصاد السعودي يواجه تحديات قاسية؛ بسبب حرب اليمن، وتراجع أسعار النفط، إضافة للسياسات الجديدة للبلاد، ما ينذر بوصوله لحافة الهاوية، في حال استمرّت المملكة على ذات خطاها.
وبحسب بيانات رسميّة سعودية، فإن احتياطي النقد الأجنبي لدى السعودية تراجع بعد الحرب، بشكل غير مسبوق، فبعد أن كان 737 مليار دولار، عام 2014، انخفض إلى 487 ملياراً، في يوليو 2017.
وأيضاً فإن الدين العام للسعودية ارتفع بشكل كبير؛ فقد كشفت أرقام الموازنة العامة للمملكة للعام 2018، أن قيمة الدين العام للمملكة وصلت مع نهاية العام 2017 إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316 مليار ريال (84.4 مليار دولار) بنهاية العام 2016.