غويل ألفاريز - إنسايد أرابيا- ترجمة شادي خليفة -
منذ أن فرضت إدارة "دوايت أيزنهاور" الحظر الأمريكي على كوبا في عام 1960، كان على الدولة الجزيرة الاعتماد على أقرب حليف لها غني بالهيدروكربونات لتلبية الاحتياجات الوطنية اليومية من الطاقة.
وخلال العقود القليلة الأولى في ظل الحكم الشيوعي، استفاد الاقتصاد الكوبي من بيع السكر للاتحاد السوفييتي بأسعار مرتفعة، وشراء النفط السوفييتي بأسعار منخفضة.
ومع ذلك، مع سقوط الاتحاد السوفييتي، انهار الاقتصاد الكوبي، قبل الحصول على الدعم من فنزويلا في العقد الأول من القرن العشرين، وفي المقابل، ساعدت كوبا فنزويلا في قطاعات تشمل الصحة والرياضة والدفاع الوطني.
ومع ذلك، انخفضت التجارة الكوبية الفنزويلية انخفاضا كبيرا منذ انخفاض أسعار النفط منذ ما يقرب من 5 أعوام، وانخفض حجم التجارة من 7.2 مليار دولار في عام 2014 إلى 2.3 مليار دولار في عام 2017، ما ساهم في بث القلق في هافانا بشأن الاعتماد الاقتصادي المفرط على كراكاس.
ولقد تحولت الأمور من سيئ إلى أسوأ، ومنذ أن بدأت الأزمات السياسية والاقتصادية المستمرة تعصف بفنزويلا، بقيت كوبا تشعر بقلق بالغ إزاء الكيفية التي يمكن أن تؤدي بها الفوضى الحادثة في شؤون فنزويلا إلى إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد الكوبي، الذي يعاني بالفعل من الركود ونقص الغذاء وانخفاض مخصصات الوقود والكهرباء.
ويقدر أحد الاقتصاديين الكوبيين أنه إذا انهارت الاتفاقات الاقتصادية مع فنزويلا، فإن الناتج المحلي الإجمالي لكوبا قد يتقلص بنسبة من 4 إلى 8%، وإذا تم إلغاء جميع الاتفاقات بسبب سقوط نظام "نيكولا مادورو"، المحتمل فقد يكون التأثير أشد بكثير.
وبالنظر إلى هذه الاحتمالات، يبحث المسؤولون في "هافانا" في أماكن أخرى عن شركاء جدد لمساعدة الدولة على تلبية احتياجاتها من الطاقة.
وتتطلع كوبا الآن إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الغنية بالنفط والغاز، وهي منطقة طالما اتبعت هافانا فيها منذ فترة طويلة سياسة خارجية أيديولوجية، تتماشى بشكل وثيق مع الحكومات التي تتقاسم مواقف النظام الكوبي المناهضة للولايات المتحدة.
والآن، وقد عقدت هافانا العزم على البحث عن مصدري الموارد الهيدروكربونية في الشرق الأوسط والمستثمرين للعمل معهم بشكل وثيق، وأمضت هافانا العام 2018 والربع الأول من عام 2019 في البحث عن علاقات أعمق مع العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفي الشهر الماضي، زار وزير التجارة الخارجية في هافانا، "رودريغو مالميرا" قطر والجزائر؛ لمناقشة التحديات الاقتصادية التي تواجهها كوبا ومتطلبات الطاقة.
وبالانتقال إلى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتطلع كوبا إلى الدول العربية التي تقيم مع حكوماتها علاقات وثيقة منذ فترة طويلة، خاصة الجزائر التي ترتبط معها بتحالف تاريخي منذ الحرب الباردة.
وبالإضافة إلى قطر والجزائر، أشارت قيادة كوبا أيضا إلى تصميمها على تعميق علاقتها مع المملكة العربية السعودية، وإيران أيضا.
صداقة قطر
والتقى "مالميرا" برئيس وزراء الدوحة وزير الداخلية، "عبدالله بن ناصر خليفة آل ثاني"، ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى في العاصمة القطرية، في 18 فبراير/شباط.
وقد أظهرت العلاقات الثنائية بين كوبا وقطر، التي أقامتها الدولتان رسميا عام 1989، علامات حميمية في الأعوام الأخيرة.
وفي عام 2015، التقى أمير قطر، "تميم بن حمد آل ثاني"، مع "راؤول كاسترو" في كوبا، وكان من المحتمل أن يناقش رئيسا الدولتين التنسيق في القطاع الصحي وكذلك فرص الاستثمار القطرية في كوبا.
وكانت السياحة عنصرا مهما آخر في هذه العلاقة الثنائية، حيث أصبحت كوبا وجهة سياحية شهيرة للقطريين، وفي عام 2012، تم افتتاح مستشفى ناطق باللغة الإسبانية في قطر، وبعد 4 أعوام، أصبح بنك قطر الوطني أول بنك من دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي يفتتح مكتبا تمثيليا في كوبا.
وفي العام الماضي، قال سفير كوبا في الدوحة إن بناء الفنادق والمراسي في الدولة الكاريبية، بالإضافة إلى غيرها من القطاعات في الاقتصاد الكوبي، بما في ذلك الزراعة، واستكشاف وإنتاج النفط، والطاقة المتجددة، والتعدين، والنقل، والتمويل، والعقارات، قال إنها تمثل "فرصا غير محدودة للاستثمارات القطرية".
وعزا السمعة الإيجابية التي يتمتع بها المستثمرون القطريون في كوبا إلى اعتبار الدولة الخليجية الصغيرة "دولة صديقة"، مع رجال أعمال "جديين ومحترمين"، قادرين على "الوفاء بالتزاماتهم".
الجزائر .. حب كوبا الأول في أفريقيا
وفي 19 فبراير/شباط، بدأ "مالميرا" زيارته التي استغرقت 3 أيام للجزائر، وهي واحدة من أكبر وأغنى بلدان أفريقيا، لتعزيز تحالف كان قويا بالفعل.
ويرتكز التحالف بين البلدين منذ عقود إلى حد كبير على تجربتهما التاريخية في مقاومة الاستعمار الغربي والهيمنة الأجنبية، وكذلك الثورات الدرامية البارزة التي حدثت في نفس الفترة تقريبا، في عامي 1959 و1962.
ومنذ حصولها على الاستقلال من فرنسا، دعمت الجزائر كوبا باستمرار إلى حد كبير، في إطار حركة عدم الانحياز، كما دعمت "هافانا" ضد المقاطعة الاقتصادية الأمريكية، وفي المقابل انحازت هافانا إلى الجزائر ضد المغرب في نزاع الصحراء الغربية.
وسارعت الأنظمة الماركسية او الاشتراكية التي حكمت كلا البلدين إلى إقامة علاقات وثيقة في وقت مبكر من الحرب الباردة، إلى درجة أن تقريرا استخباراتيا صادرا عن وزارة الخارجية الأمريكية في عام 1964 حدد الجزائر باعتبارها "ملاذا ملائما للكوبيين، وأهم قاعدة لتوسيع النفوذ الكوبي في أفريقيا".
وبناء على تحالف "هافانا" والجزائر التاريخي، تنظر كوبا إلى الجزائر كشريك مهم في الساحة العالمية يمكن أن يساعد الكوبيين على تعويض تأثير الأزمة الفنزويلية على بلادهم.
ومما لا شك فيه، فإن هافانا هي أحد أصحاب المصلحة الرئيسيين في أن تمر المرحلة الانتقالية المقبلة في الجزائر بسلاسة دون عودة البلاد إلى عنف "العقد الأسود" الذي أعقب اغتصاب الجيش للسلطة عام 1991.
العلاقة مع السعودية
وفي العام الماضي، قام وزير الخارجية السعودي آنذاك "عادل الجبير" بزيارة لكوبا استغرقت يومين، حيث التقى "راؤول كاسترو"، وقال "الجبير" و"كاسترو" إنهما ناقشا موقف المملكة وكوبا "الموحد والحازم من التطرف والإرهاب".
وجاء ذلك الاجتماع عقب محادثات تم عقدها في جدة عام 2017 بين الملك "سلمان" ونائب رئيس الوزراء الكوبي "ريكاردو كابريساس".
وكانت رحلة "الجبير" إلى هافانا تهدف إلى حد كبير إلى تعزيز اهتمام الرياض بتقوية الروابط بين إيران وكوبا، التي ضعفت بشدة منذ أن رحب "فيدل كاسترو" بالقيادة الدينية الجديدة لإيران في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979، والتي وصفها الزعيم الكوبي بأنها إنجاز كبير في الكفاح ضد الإمبريالية.
وخوفا من أن تدفع سياسات "ترامب" ضد كوبا الدولة الكاريبية إلى أحضان طهران، سعت السعودية إلى مواجهة البصمة الجيوسياسية المتزايدة لإيران، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضا في نصف الكرة الغربي، حيث أصبحت كوبا حاضرة في التنافس السعودي الإيراني على النفوذ.
واكتسبت المملكة بعض النفوذ في كوبا عبر القروض الميسرة التي منحتها المملكة للدولة الكاريبية، وفي المقابل، أرسل الكوبيون أطباءهم لرعاية أفراد عائلة "آل سعود".
ومنذ أن تبادل كوبا والسعودية فتح السفارات في عامي 2007 و2011، عززت هافانا العلاقات مع الصندوق السعودي للتنمية، بمنح كوبا 80 مليون دولار كقروض ساعدت الدولة الكاريبية على إعادة تأهيل وتطوير البنية التحتية التي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفييتي.
ترويكا الاستبداد
ومن المشروع أن نسأل كيف ستنظر واشنطن إلى دعم مزيد من حلفائها العرب لكوبا، وقد حددت إدارة "ترامب" الثلاثي كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا على أنها "ترويكا الاستبداد" في أمريكا اللاتينية، منقلبة على انفتاحها الدبلوماسي على هافانا خلال رئاسة "باراك أوباما"، وفارضة تدابير اقتصادية قاسية ضد كوبا.
وتم تصميم سياسات إدارة "ترامب" لإلحاق الضرر بمناخ الاستثمار الأجنبي وقطاع السياحة في كوبا، وأعلنت الإدارة هذا الشهر عن خططها لتفعيل قانون يخضع الشركات والأفراد للدعاوى القضائية إذا قاموا بالحصول على ممتلكات في كوبا، مع بحث فكرة إعادة كوبا إلى قائمة الدول الأمريكية الراعية للإرهاب.
ويبدو أن أجندة إدارة "ترامب" في أمريكا اللاتينية تخلق تضاربا في المصالح بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب.
وعلى سبيل المثال، لفت قرار الإمارات بشراء الذهب الفنزويلي باليورو نقدا، في شهر يناير/كانون الثاني، انتباه السيناتور الجمهوري "ماركو روبيو"، الذي حذر الإمارات من عقوبات واشنطن.
ومما لا شك فيه أن الدعم المماثل من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لكوبا يخاطر بإثارة غضب واشنطن، لأن وجهة نظر المؤسسة الأمريكية هي أن كوبا وفنزويلا تشكلان كتلة معادية للولايات المتحدة، وأن دعم أحدهما يستلزم بالضرورة دعم الآخر.
ومن المرجح أن يقوم خصوم واشنطن الجيوسياسيين روسيا وإيران والصين، بدعم كوبا، ولن تمثل مساعدة هافانا في الوقوف بقوة في وجه سياسات إدارة "ترامب" المناهضة لكوبا فقط فرصا لهذه الدول لاكتساب نفوذ أكبر في حوض البحر الكاريبي، ولكن أيضا فرصة لتقويض الهيمنة الأمريكية في "الفناء الخلفي الاستراتيجي" المباشر لواشنطن، ما يمثل تحديا إضافيا لـ"مبدأ مونرو" التاريخي.
وبالنسبة لأعضاء مجلس التعاون الخليجي، الحلفاء المقربين للولايات المتحدة، والذين يعتمدون على المظلة الأمنية للقوة العظمى الوحيدة، فقد تدفع المخاوف بشأن رد الفعل العنيف من واشنطن حكوماتهم إلى التصرف بحذر فيما يتعلق بتعميق العلاقات مع هافانا أثناء رئاسة "ترامب".
ومما لا شك فيه، إذا تفاقمت الأزمة الفنزويلية، مع المزيد من التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للبلاد من جانب الولايات المتحدة، فقد تتعرض دول الخليج العربية لضغط متزايد من إدارة "ترامب" لتجنب التعاون مع كوبا.
ومن وجهة نظر جميع الدول العربية تقريبا، تعد كوبا قوة حميدة وودية، توفر فرصا استثمارية لا تقدر بثمن، ولا شك أن أعضاء أوبك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الممالك الخليجية والجزائر وإيران، يمكنهم إحداث تغيير كبير في مستقبل كوبا.
وإذا نجحت هذه الدول الغنية بالغاز والنفط في تمكين هافانا من تعويض التكاليف الاقتصادية التي تدفع كوبا لاعتمادها على فنزويلا، من خلال تنويع موردي الطاقة بنجاح، فسوف تنظر إدارة "ترامب" إلى هذه الحكومات على أنها تقوض أجندة الضغط على هافانا لإجراء تغييرات تتماشى مع مصالح واشنطن.
ونتيجة لذلك، وبالنظر إلى مخاطر خلق مصدر توتر آخر مع واشنطن، يبقى مدى استعداد حلفاء أمريكا في مجلس التعاون الخليجي لدعم كوبا محل نظر.