الخليج أونلاين-
البيئة الآمنة قِبلة المستثمرين لتأسيس مشاريعهم، ذلك مبدأ معروف في عالم المال والأعمال؛ يتكئ على قاعدة معروفة، مفادها أن "رأس المال جبان"؛ وهو ما يعني أنه يستند دائماً إلى قوة البيئة الآمنة، لكي يحمي نفسه.
ووفق هذا المبدأ تحولت الإمارات منذ نحو أربعة عقود، إلى بيئة جاذبة للمستثمرين؛ بدعم من الأمان الذي يتوافر في المنطقة الخليجية، ونأي حكومة أبوظبي بنفسها عن مشاكل المنطقة.
لكن في السنوات القليلة الماضية، فقدت الإمارات تلك الخاصية، بعد أن تحولت المنطقة إلى واحدة من أخطر مناطق العالم؛ نتيجة التهديدات بنشوب حرب، طرفها إيران في مقابل السعودية وحلفائها بدعم غربي.
علاوة على هذا، لم تعد الإمارات البلد الذي ينأى بنفسه عن مشاكل البلدان الأخرى، فيكسب الأمان الداخلي والسمعة البراقة التي تجذب شركات الاستثمار وكبار أصحاب رؤوس المال في العالم للعمل فيها.
فتدخُّلها في شؤون بلدان أخرى بشكل فاضح، تتحدث عنه مختلف وسائل الإعلام العالمية، أساء إلى سمعتها التي بنتها على مدى عقود.
ولدورها في اليمن، حيث تقود الإمارات رفقة السعودية حرباً لقتال الحوثيين، منذ خمسة أعوام، أثر كبير في تضاؤل سمعتها.
إذ تحولت إلى بلد "محتل" بحسب ما يقوله يمنيون، حيث تفرض وجودها العسكري في مدن يمنية، بالإضافة إلى دعمها الانفصاليين في الجنوب للاستقلال؛ وهو ما يعني سعيها إلى تقسيم اليمن.
وبالإضافة إلى تدخلاتها في ليبيا من خلال دعم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يشن معارك ضد السلطة المعترف بها دولياً، ودعمها لعبد الفتاح السيسي الذي يواصل قمع المطالبين بتغيير نظامه الحاكم في مصر، فإن فضائح كثيرة لذراعها الاقتصادية "شركة موانئ دبي"، تمثلت في استغلال واحتيالات بعدد من البلدان، تحولت إلى قضايا في المحاكم الدولية.
كل تلك النقاط كانت مؤشرات على أن هذا البلد لم يعد بيئة آمنة للشركات الاستثمارية، وهو ما أنتج مغادرة نسبة كبيرة من تلك الشركات وأصحاب رؤوس الأموال؛ بحثاً عن بلد أكثر أمناً، ليتحول إلى بيئة طاردة للاستثمار.
أبوظبي تقدم إغراءات
في المقابل، وسعياً منها للحفاظ على ما تبقى من شركات ومشاريع، تؤكد أبوظبي أنها ستقدم تسهيلات عديدة ومختلفة، في وقت يطالب مستثمرون بتسهيلات لمواصلة عملهم في البلاد، وعدم اللحاق بالشركات التي غادرت؛ تجنباً للخسائر التي قد تتكبدها في حال بقائها داخل البلاد.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "الإمارات اليوم" المحلية مؤخراً، طالب روادُ أعمال، أعضاء في غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، بإعفائهم من غرامات تجديد تراخيصهم ومساواتهم في قيم الرسوم بالأعمال المؤسَّسة حديثاً، مؤكدين أنهم أَولى بالتشجيع والتحفيز؛ لأنهم مستمرون في السوق، رغم التحديات.
ووفق المصدر، أكدوا أن تأخُّرهم في تجديد التراخيص والأوراق المطلوبة أحياناً يعود إلى تعرضهم لنقص في السيولة، أو تأخُّر صرف دفعاتهم المستحقة لدى أطراف أخرى.
في المقابل، أكد البرنامج الوطني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، التابع لوزارة الاقتصاد، أن هناك مبادرات تمت على المستويَين المحلي والاتحادي، لتخفيف العبء عن أصحاب الأعمال الحديثة والقديمة، مشيرة إلى أن هناك قرارات ستصدر قريباً تشمل عدداً من المبادرات والقرارات التي تدعم هذا القطاع الحيوي للاقتصاد، وتغطي التمويل والحوافز وغيرها.
الصحيفة الإماراتية عرضت معاناة مستثمرة، قالت إنها تعمل في السوق الإماراتي منذ عام 2010.
المستثمرة، التي اكتفت بذكر الأحرف الأولى من اسمها "هـ. أ"، بحسب المصدر، أوضحت أنها منذ نحو عامين تواجه صعوبات بسبب ظروف السوق، وأن هذه الصعوبات أخَّرت تجديد رخصتها نحو عام ونصف العام.
وتابعت قائلةً: إن "هذا بدوره تسبب في تراكم المشكلات، بسبب توقُّف العمل لعدم التجديد، وكذا عدم إجراء أية معاملات بنكية أو حكومية"، مؤكدة أن "قلة السيولة هي السبب الأساسي لتأخير التجديد لأي صاحب عمل صغير".
وطالبت بـ"إعفاء رواد الأعمال من غرامات التأخير، ومنحهم فرصة لتجديد رخصهم، طالما توافرت معهم سيولة".
في السياق نفسه، قال رائد الأعمال "علي.م": إن "هناك مظاهر ركود في الاقتصاد العالمي، لذا يجب أن تشجع الجهات المسؤولة أصحاب الأعمال على الاستمرار في السوق بخفض أو إلغاء الغرامات".
وأكد أن "من يستمر في السوق يحتاج أيضاً للتشجيع والتحفيز؛ لكونه يواجه التحديات نفسها التي تواجهها الشركات الجديدة، وربما أكثر من ذلك"، في إشارة إلى تقديم الحكومة تسهيلات للشركات الحديثة.
والمطلب نفسه ذكره رائد الأعمال "عمر. س"، إذ قال: "نتمنى أن تنظر إلينا الجهات الحكومية نظرة مماثلة للشركات المؤسَّسة حديثاً، ودعمنا بتخفيف الرسوم ورفع الغرامات".
وأشار إلى أنَّ نقص السيولة يعد السبب الأساسي لتأخير تجديد الرخص التجارية، وفي كثير من الأوقات يكون تأخُّر الدفعات المستحقة لدى الجهات الأخرى وراء ذلك.
وعود حكومية بتسهيلات
في المقابل، أكد مدير البرنامج الوطني للمشروعات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة التابع لوزارة الاقتصاد، أديب العفيفي، وجود سعي حكومي لإصدار قرارات تسهم في تخفيف العبء المالي على المستثمرين؛ ومن ثم تضمن بقاء عمل شركاتهم.
وأوضح العفيفي أنه "توجد قرارات وشيكة الصدور من قِبل اللجنة التي تضم المصرف المركزي ووزارة المالية ووزارة الاقتصاد ووزارة الشباب، تشمل عدداً من المبادرات والقرارات التي تدعم هذا القطاع الحيوي للاقتصاد، وتغطي كل الجوانب ذات الصلة بالتمويل والحوافز وغيرها".
وبقاء شركات عاملة ورؤوس أموال داخل البلد يبدو ما تهدف إليه الإمارات، بعد تلقِّيها ضربة موجوعة؛ على أثر هروب كبير لرؤوس الأموال وشركات خارج البلاد في الأعوام القليلة الماضية.
أبوظبي لم تعد الملاذ الآمن للاستثمار
وتشير تقارير صحفية واقتصادية إلى خروج أكثر من 180 شركة متوسطة وصغيرة من السوق الإماراتية منذ بداية عام 2017، بسبب التبعات والخسائر المتوقعة بعد فرض ضريبة القيمة المضافة في الدولة بداية عام 2018.
وأكد وكيل وزارة المالية الإماراتي، يونس حاجي الخوري، أن "التأثير المباشر سيكون على الشركات الصغيرة والمتوسطة"، نافياً استثناء أي قطاع منها، حسبما ذكرت صحيفة "الإمارات اليوم" (12 ديسمبر 2017).
في شأن متصل، يلخص تقرير مطول نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، ، في يناير الماضي، ما يجري بأبوظبي.
وقالت الصحيفة: إن التقلبات السياسية التي تعيشها الإمارات "أثرت بشكل مباشر في الاستثمار بهذه الدولة، وهو ما أسهم في عزوف أصحاب رؤوس الأموال عن العمل بها، والبحث عن ملاذ آمن".
وأضافت أن الغضب العالمي المتصاعد بسبب اعتقال الإمارات عدداً من الأجانب، أغلق الطريق أمام الطموح الاقتصادي اللامع لهذا البلد الخليجي، وتسبب في عزوف الشركات العالمية ورجال الأعمال عن الذهاب إليه.
وبحسب ما أوردته الصحيفة، يقول الخبراء في اقتصاد الخليج إن رواتب الموظفين تنخفض، وأسعار العقارات صارت تتهاوى، وأرباح الشركات ومتاجر التجزئة انحدرت، وأعداد السائحين أصبحت ضئيلةً أو أسوأ من هذا.
وقال مستشار سابق في الإمارات: "الناس يغادرون! أصبح العيش هنا مُكلفاً للغاية بالنسبة للعائلات".
في الوقت ذاته، ارتفع الدَّين الحكومي الإماراتي من 15% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 20%، بحسب الصحيفة البريطانية.
وقال مُحلِّل اقتصادي: "ترتفع الضرائب وضريبة القيمة المضافة. يتساءل الناس: لِمَ لم تَعُد معدلات الضرائب جيدة مثلما اعتدنا أن تكون؟".
وتلفت الصحيفة النظر إلى أن ما زاد من تفاقم المشكلات أن الأثرياء بدؤوا نقل أصولهم إلى الخارج.
من جانبٍ آخر تشير صحيفة "الإندبندنت" البريطانية إلى أن بعض المشكلات يتجاوز حلها قدرة دول الخليج؛ إذ انخفضت أسعار النفط؛ وهو ما أضر بالدعامة الرئيسة لاقتصاد شبه الجزيرة العربية. وأدت القيود الأمريكية المفروضة على إيران إلى تعقيد النشاط التجاري الذي كان مزدهراً في السابق بين الإمارات وإيران.