الخليج أونلاين-
مع ظهور الملامح الجديدة لسياسية الرئيس الأمريكي جو بايدن، في التعامل مع السعودية، واتخاذه مواقف حازمة تجاه المملكة، يرجح البعض أن تتجه الرياض لتقوية علاقاتها مع روسيا، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية معها كخيار بديل.
ومنذ الأيام الأولى لوجود بايدن في البيت الأبيض أوقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية، وسحب الدعم الأمريكي للمملكة في حرب اليمن، مع إصدار إدارته لتقرير استخباراتي حول مقتل الصحفي جمال خاشقجي يتهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالضلوع في الجريمة.
كل تلك الأسباب إضافة إلى استعداد بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، قد تدفع السعودية لتطوير علاقاتها مع روسيا، العدو اللدود للولايات المتحدة خاصة في المنطقة، كورقة يمكن لها استخدامها رداً على السياسة الأمريكية الجديدة.
وتاريخياً اتسمت العلاقات السعودية الروسية بالفتور والبعد؛ بسبب اختلاف البلدين حول قضايا استراتيجية، أبرزها الأزمة السورية، والملف الإيراني، وقضية الشيشان، والبوسنة والهرسك قديماً، إضافة إلى قوة علاقة الرياض مع واشنطن خلال السنوات الماضية.
أولى المؤشرات
وبدأت أولى مؤشرات تطور العلاقات السعودية الروسية تظهر مع إعلان موسكو، الأربعاء 25 فبراير، استعدادها لإبرام اتفاقية جديدة للتعاون العسكري مع السعودية.
وأمرت الحكومة الروسية وزارتي الخارجية والدفاع بإجراء مفاوضات مع السعودية بهدف إبرام اتفاقية جديدة للتعاون العسكري بين الدولتين.
وتنص مسودة الاتفاقية، التي نشرتها الحكومة بتاريخ 19 فبراير، على أنها تشمل التعاون في تبادل الآراء والبيانات بشأن المسائل ذات الاهتمام المتبادل في المجال العسكري، ومكافحة الإرهاب، ومحاربة القرصنة، وتدريب القوات، والتعليم العسكري، والثقافة والرياضة، والطب العسكري.
وتشمل الاتفاقية أيضاً عمليات الإغاثة في البحر، وغيرها من اتجاهات التعاون المتفق عليها بين الطرفين.
ومن المفترض تطبيق الاتفاقية عن طريق تنظيم زيارات الوفود والخبراء المتبادلة، وتدريب الكوادر العسكرية، وإقامة تدريبات وتمارين مشتركة.
وتنص الاتفاقية على أن كلا الطرفين سيتحمل نفقاته بموجب هذه الاتفاقية، في حال عدم توصلهما إلى اتفاقيات إضافية خاصة بهذا الشأن.
نمو متصاعد
الكاتب والمحلل السياسي السعودي الدكتور شاهر النهاري، أكد أن العلاقات السعودية الروسية تمر بمرحلة من النمو والتصاعد والقوة، خاصة بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الكرملين، قبل 4 سنوات.
وخلال زيارة ولي العهد إلى روسيا، يوضح النهاري لـ"الخليج أونلاين"، تم توقيع عدد كبير من الاتفاقيات التجارية والمعاهدات بين المملكة وروسيا، ومع الوقت تشهد العلاقات تقدماً وتزدادً عمقاً.
وبشكل عام، يرى النهاري أن تحسن العلاقات السعودية الروسية لا يمكن أن يفسد علاقاتها مع الدول الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة، أو الصين، أو الاتحاد الأوروبي، حيث تجرى كل العلاقات بطريق متوازن.
ويستبعد النهاري أن تتخلى بلاده عن الولايات المتحدة مقابل روسيا، "حيث إن الأخيرة لها مجالات في العلاقات، والأولى تعد صديقاً قديماً للسعودية، واختلاف القيادات في واشنطن، أو مرور العلاقات بفترة ركود أو نزول لا يعني أن تتراجع العلاقات".
ولا يمكن للمملكة، حسب النهاري، أن تتخلى عن السلاح الأمريكي، كما أن العلاقات بين البلدين ستبقى قوية، خاصة مع التدخل الأخير لإنهاء الحرب في اليمن، ومنع إيران من التدخل، سواء في اليمن أو العواصم الأخرى التي تهيمن عليها.
ويستدرك الكاتب والمحلل السعودي بالقول: "المملكة يمكنها التفاعل وإبقاء الصداقة مع جميع الدول، والحفاظ على العلاقات".
العلاقات السعودية الروسية
الباحث في الشأن السعودي أمجد جبريل يؤكد أن العلاقات بين الروسية السعودية شهدت العديد من الخلافات والتباينات السياسية منذ تأسيسها عام 1991، بيد أن التطورات الدولية والإقليمية دفعت بها إلى مسار تحسّن تدريجي.
وتمكن الطرفان، حسب دراسة سابقة لجبريل حول العلاقات السعودية الروسية، من تنمية مصالح اقتصادية متبادلة، تتمحور حول التوافق في ضبط سياسات إنتاج النفط وتصديره، حفاظاً على سعره من الانخفاض الحاد الذي يضر اقتصاد البلدين.
ورغم زيادة قضايا التعاون النفطي الاقتصادي بين روسيا والسعودية بشكل مطرد، يبين جبريل أن علاقات البلدين تفتقد الرؤية أو الإطار الاستراتيجي العام الذي يمكن أن يتطور إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية".
ويرتبط مستقبل العلاقة بين موسكو والرياض، وفق جبريل، بعوامل مركبة ومتداخلة، لكنها تعرقل إمكانية تطورها إلى مستوى "شراكة استراتيجية".
وتلجأ السعودية إلى تنشيط علاقاتها مع روسيا عند اصطدامها بالولايات المتحدة، كما حدث بعد عام 2001، حين توترت علاقات واشنطن بالرياض بصورة غير مسبوقة، وانطلقت حملة أمريكية شاملة ضد السعودية، ونظامها السياسي، وأيديولوجيتها الدينية، وبنيتها الاجتماعية، وثقافتها المحافظة، بحسب جبريل.
وفي حينها، يوضح: "زار وزير الخارجية سعود الفيصل موسكو في مايو 2003".
وفي مظهر آخر لتأكيد امتعاض الرياض من واشنطن، يوضح الباحث في الشأن السعودي، أن فلاديمير بوتين أصبح أول رئيس روسي يزور السعودية، في فبراير 2007.
ويوضح أن العلاقات السعودية الروسية شهدت بين عامي (2001- 2010) زيارات متبادلة من أرفع المسؤولين من الجانبين الروسي والسعودي، بحيث تقلّصت مساحات الاختلاف نسبياً؛ بسبب تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، واحتلال العراق 2003، على بنية النظامين الإقليمي والدولي. إضافة إلى ما أفرزته أخطاء السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط من تداعيات سلبية على موقع السعودية ومكانتها الإقليمية.