المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية | ترجمة الخليج الجديد-
أعلنت الخارجية الصينية أن بكين ووزراء خارجية السعودية والكويت وعُمان والبحرين توصلوا إلى اتفاق على إقامة شراكة استراتيجية، واستكمال المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين "في أقرب وقت ممكن"، وعقد جلسة حوار استراتيجي بينهما، وتبني خطة عمل لـ2022-2025 بهدف "الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى أعلى".
جاء ذلك خلال زيارة أجراها الوزراء الأربعة رفقة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي "نايف فلاح الحجرف" إلى بكين، خلال الفترة بين يومي 10 و14 يناير/كانون الثاني الجاري، وعدها خبراء "زيارة تاريخية" تسلط الضوء على معادلة جيوسياسية جديدة تتشكل لمرحلة ما بعد أمريكا في الخليج، وتأتي في ظل مساعي الصين لاستغلال الفراغ الأمريكي بالمنطقة ومحاولة ملئه، فيما فسروا الغياب الإماراتي عن الاجتماع.
شراكة استراتيجية شاملة
ومعلقا على هذه الزيارة الخليجية رفيعة المستوى، قال "أليساندرو أردوينو"، وهو باحث رئيسي بـ"معهد الشرق الأوسط" في جامعة سنغافورة الوطنية، إنها "تعكس اهتمام بكين المتزايد بتعزيز تجارتها وتعاونها الأمني مع دول الخليج".
وأكد أن "الدوافع الرئيسية للسياسة الصينية تجاه دول الخليج لا تنحصر في استغلال موارد الطاقة فقط"؛ فالزيارة الخليجية الأخيرة لبكين تعد "خطوة نحو شراكة إستراتيجية شاملة بين بكين ودول مجلس التعاون الخليجي من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".
ولفت إلى أن "وتيرة التعاون بين الصين ودول الخليج تسارعت بفضل تبني دول الخليج استراتيجية لتنويع مدخولات اقتصادياتها عوضا عن الاعتماد فقط على النفط؛ بحيث يشمل ذلك الصناعات عالية التقنية، فيما عرضت بكين تطوير البنية التحتية الرقمية في دول الخليج".
واعتبر أن "تحويل الولايات المتحدة تركيزها إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، عوضا عن الشرق الأوسط؛ أدى إلى تضخيم تصور الممالك الخليجية بشأن تخلي واشنطن عنها، فيما تعمل بكين على ملء هذه الفجوة بسرعة".
خطوة متناغمة فريدة
من جانبه، عد "كارين يونج"، مدير برنامج الاقتصاد والطاقة بـ"معهد الشرق الأوسط"، زيارة 5 مسؤولين خليجيين إلى بكين "أمرا مثيرا للاهتمام"؛ لأنها تمثل خطوة متناغمة للسياسة الخارجية بدول مجلس التعاون الخليجي، وهو أمر لم نشهده كثيرا في السنوات الخمس الماضية".
وقال إن الزيارة تمثل الدول المصدرة للنفط في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تركز بشكل أكبر على المشترين الصينيين، مستغربا غياب الإمارات وقطر عنها.
وأوضح أن الزيارة تأتي بمبادرة من بكين؛ "فالتحدي الذي يواجه الصين حاليا يتمثل في توسيع علاقاتها خارج احتياجات الطاقة من أجل تحمل الضغط خلال أي توترات جيوسياسية مستقبلية".
شراكة تتجاوز الطاقة
وفي تعليقه على الزيارة، رأي "محمد باقر فروغ"، وهو زميل باحث في" المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية" (GIGA)، أنه كلما زادت الولايات المتحدة من تركيزها على منطقة المحيطين الهندي والهادئ لاحتواء الصين وتراجعت أكثر عن الشرق الأوسط ، زادت الصين من دورها في المنطقة الأخيرة، وأصبحت الشريك العالمي الأكثر أهمية.
واعتبر أن الاجتماعات الخليجية الصينية في بكين يمكن النظر إليها من خلال عدة نقاط؛ فالصين، بحسبه، تجهز دول الخليج لتطورات الصفقة النووية الإيرانية، لافتا إلى أنه من المرجح إحياء الاتفاق النووي قريبا.
وقال إن الاجتماعات تهدف أيضا إلى تسريع اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، التي يتحمس لها الجانبان، مشيرا إلى أنه من المحتمل أن ترى تلك الاتفاقية النور على المدى المتوسط، إن لم يكن على المدى القصير.
ولفت إلى أن الجانبين مهتمان بـ"تعزيز التعاون في المجالات المزدهرة الجديدة مثل الطاقة الخضراء، التكنولوجيا، وما شابه ذلك، التي تعزز المصالح الصينية واستراتيجيات التنويع الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي والرؤى الوطنية".
كما أن الصين مهتمة بـ"تعزيز التعاون الأمني والعسكري والاستخباراتي مع دول مجلس التعاون الخليجي".
سياسية الشراكات الموازية السعودية
وحول السياسية السعودية إزاء الصين تحديدا، قال "إليونورا أرديماجني"، وهو زميل أبحاث مشارك في "المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية" إن العلاقات مع الصين "تمثل فرصة كبيرة" للمملكة، ويأتي ذلك مدفوعا بالترابط الهيكلي بين رؤية 2030 في السعودية ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية؛ التي تركز على الطاقة والاستثمارات والتكنولوجيا والبنية التحتية والممرات البحرية.
ولفت أيضا إلى ما أسماه بـ"عقدة الأمان" السعودية؛ فكلمة "أمن" ظهرت على نطاق واسع في روايات الاجتماعات السعودية الصينية الأخيرة، خاصة في ظل الحديث عن تخلي أمريكا عن دورها في تأمين الممالك الخليجية.
وذكر أنه بعد سنوات من الشراكة ذات التوجه الاقتصادي، تسلط هذه الزيارة الخليجية للصين الضوء على أن "تشكل معادلة جيوسياسية جديدة لمرحلة ما بعد أمريكا في الخليج قد أصبحت بالفعل حقيقة واقعة".
وأوضح أن السعودية تواصل "الرهان على شراكات موازية مع واشنطن وبكين، على أمل تجاوز التداعيات الإقليمية لهذا التنافس المنهجي" بين أكبر قوتين في العالم.
وقال: "بالنسبة للرياض والأنظمة الملكية المجاورة، هذه هي الطريقة الوحيدة -وإن كانت محفوفة بالمخاطر- للحفاظ على مصالحها الوطنية".
سر الغياب الإماراتي
من جانبه، ركز "جاي بيرتون"، وهو أستاذ مساعد بكلية فيساليوس في بروكسل، على تفسير الغياب الإماراتي عن الاجتماعات الخليجية الصينية في بكين.
وقال إن "الإمارات والصين تتمتعان بشراكة إستراتيجية شاملة، وهي أعلى شكل من العلاقات الدبلوماسية والتعاون الذي يمكن أن تقدمه بكين للدول الأخرى".
واعتبر أن غياب الإمارات عن الوفد الخليجي في بكين هذا الأسبوع "قد يشير إلى استراتيجية التحوط؛ حيث تحاول أبوظبي تخفيف التوترات مع شريكها الأمني الرئيسي الآخر، الولايات المتحدة".
وأوضح أنه "كانت هناك خلافات بين واشنطن وأبوظبي في الأشهر الأخيرة، بعد مزاعم الولايات المتحدة بأن الصينيين كانوا بصدد ببناء منشأة عسكرية في ميناء بالقرب من أبوظبي، وإعراب واشنطن معارضتها إزاء منح شركة هواوي الصينية رخصة تطوير شبكة 5G الإماراتية، وقرار الإماراتيين بإلغاء صفقة كان مخططا لها لشراء 50 طائرة مقاتلة من طراز إف-35".
تقويم العلاقات الصينية الإيرانية
أما "إسفنديار باتمانجليج"، وهو زميل زائر بـ"المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، فتطرق إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني"حسين أمير عبداللهيان" إلى بكين، التي بدأت الجمعة، وعلاقتها بتطور العلاقات بين دول الخليج والصين.
وقال إن "زيارة عبداللهيان" تعد "جزءا من إعادة تقويم مستمرة للعلاقات الصينية الإيرانية".
وأوضح أنه "على مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت العلاقة بين الصين وإيران متوترة بسبب تصور طهران أن بكين لم تلتزم بالشراكة الاقتصادية الموعودة معها، بعد أن قلصت التجارة النفطية وغير النفطية من الجمهورية الإسلامية في ظل العقوبات الأمريكية" المفروضة على الأخيرة.
من جانبها، اعتبرت الصين، وفق "باتمانجليج"، الهجمات التي تدعمها إيران على البنية التحتية للنفط وناقلات النفط في السعودية والإمارات -وهما دولتان مهمتان في سلسلة إمداد الطاقة للصين- استفزازات خطيرة.
واعتبر "باتمانجليج" أن "جهود إيران للانخراط في محادثات مع جيرانها العرب في الفترة الأخيرة ساعدت على ما يبدو في تخفيف بعض الضغط على العلاقات بين طهران وبكين، وجزئيا من خلال الحفاظ على أمن الطاقة الصيني، فيما ارتفعت واردات النفط الصينية من إيران بدورها".
ورأى أنه "إذا استمر هذا الحوار الإقليمي وإذا أمكن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، فقد تلحق إيران أخيرا بجيرانها وتبدأ في رؤية ثمار علاقة سياسية واقتصادية أكثر فاعلية مع الصين".
الموقف الأمريكي
وحول الموقف الأمريكي إزاء التقارب الخليجي الصيني المتصاعد، قال "روبرت ماسون"، وهو زميل بمشروع "الطائفية والوكلاء وإزالة الطائفية" التابع لجامعة "لانكستر" البريطانية، إن إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لديها تخوفات متصاعدة من بكين؛ لأن الأخيرة تعتبر المنافس الوحيد القادر على الجمع بين القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحدي نظام دولي مفتوح.
وأعرب "ماسون" عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة قد ترحب بالدعم الصيني لمشاريع البنية التحتية الكبرى في الخليج من حيث المبدأ، لكنها لن تتسامح مع استيراد دول الخليج لمعدات 5G من شركة هواوي أو طائرات من دون طيران صينية.