يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تشهد العلاقات الخليجية الصينية تطوراً كبيراً خلال الآونة الأخيرة، لا سيما مع التطورات في المنطقة مع تغير سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة التي يتزعمها الرئيس جو بايدن، والتي أثرت على بعض دول الخليج.
وبدعوة من وزير الخارجية الصيني وانج يي، قام وزراء خارجية 4 دول خليجية، إضافة إلى أمين عام المجلس، بزيارة للصين، تعد الأبرز في العلاقات بين الجانبين.
وبينما تتجه بوصلة الاستراتيجية الخارجية الأمريكية شرقاً، اختارت الصين المضي قدُما غرباً إلى الخليج العربي، حيث معظم الدول حلفاء تقليديون للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يطرح تساؤلاتٍ حول ما الذي قد تؤسسه اللقاءات المكثفة بين الجانبين لمراحل جديدة بين بكين ودول الخليج.
زيارة مختلفة
في الـ10 من يناير 2022، بدأ وزراء خارجية 4 دول خليجية، هي السعودية والكويت وسلطنة عُمان والبحرين، إضافة إلى أمين عام المجلس نايف الحجرف، زيارة للصين، استمرت حتى 14 من الشهر ذاته، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية الصينية.
وأكد أمين عام مجلس التعاون، نايف الحجرف، أهمية العلاقات الخليجية - الصينية، وحرص دول المجلس على تعزيز علاقات التعاون والصداقة بين الطرفين في مختلف المجالات، بما يحقق المصالح المشتركة.
وقال الحجرف، إنه تم مناقشة مسار مفاوضات التجارة الحرة بين الطرفين، والتحضير لجولة المفاوضات العاشرة، مؤكدين أهمية الدفع بملف مفاوضات التجارة الحرة بين الطرفين، واستكمال الملف لتحقيق المصالح المشتركة، لا سيما كون الصين تمثل الشريك التجاري الأول لمجلس التعاون.
كما عقد وزراء دول الخليج الأربع على انفراد اجتماعات مع وزير الخارجية الصيني الصيني وانغ يي، حيث بحثوا التعاون الثنائي والتنسيق المشترك في مختلف المجالات المشتركة وسبل تطوير آفاقها المستقبلية.
كما جرى خلال المباحثات الرسمية بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، وتبادل وجهات النظر تجاه تطورات الأوضاع في المنطقة، والموضوعات والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
تحركات مكثفة
لم تقدم وزارة الخارجية الصينية أي تفاصيل برنامج الزيارة، التي لم يُعلن عنها من قبل، مع العلم أن زيارات الدبلوماسيين الأجانب للصين نادرة منذ عامين بسبب أزمة الوباء، حسبما ورد في تقرير لموقع "بلومبيرغ الشرق"، واللافت أن هذه الزيارة تتزامن مع زيارتين لوزير خارجية تركيا وإيران لبكين.
كما أن هذه الزيارة المفاجئة من قبل أربع من أقرب الحلفاء لأمريكا في الشرق الأوسط، تأتي في وقت تصاعدت فيه التوترات بين بكين وواشنطن، وسعي الأخيرة لوقف تمدد نفوذ الصين، وخلق شبكة تحالفات لمواجهتها.
ويمكن أن يكون أحد أهداف الزيارة من قِبل دول الخليج الأربع، هو محاولة ضمان عدم توثيق بكين علاقتها، الوثيقة أصلاً، مع طهران في ظل حديث عن صفقة مقترحة بين البلدين بقيمة 400 مليار دولار، تتضمن شراء الصين للنفط الإيراني بأسعار مخفضة في مقابل دعم اقتصادي وتكنولوجي.
واللافت أيضاً أن الإمارات لم تشارك في اجتماع وزراء خارجية دول الخليج والصين، رغم أنه يعتقد أنها صاحبة أوثق علاقة بين دول الخليج والصين، إضافة إلى غياب قطر أيضاً.
اقتصادية وسياسية
يرى الدكتور ميثاق خير الله جلود، رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل، أن هذه الزيارة جاءت بناءً على دعوة من وزير الخارجية الصيني وانج بي؛ لكونها جاءت بعد قيام الأخير بجولة خليجية قبل نحو عام.
ويشير لـ"الخليج أونلاين" إلى أن "الصين أصبحت منذ مدة الشريك التجاري الأول لدول الخليج العربي، وبخاصة في مجال النفط"، مؤكداً أنها "أصبحت المستورد الأول للنفط على مستوى العالم".
وحول ما ذكرته بعض وسائل الإعلام عن إنشاء منطقة تجارة حرة بين الصين ودول الخليج العربي ضمن برنامج الزيارة، يقول إنه "أصبح قريباً بعد طرحه على طاولة المباحثات منذ عام 2003".
لكن أهمية هذه الزيارة، حسب جلود، تعود إلى أوضاع المنطقة، مع سعي دول الخليج العربي إلى "تقريب وجهات النظر بينها وبين الصين في المسائل الملحة، وفي مقدمة هذه الملفات حرب اليمن والملف النووي الإيراني"، مشيراً إلى "أنه من المعروف أن الشراكة الاقتصادية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمواقف سياسية".
ويرى أيضاً أن "الصين تبحث أيضاً عن موطئ قدم سياسي وعسكري موازٍ لنجاحها في الجانب الاقتصادي في دول الخليج العربي"، إلا أنه يعتقد أن ذلك مرهون بموافقة الولايات المتحدة.
ويوضح قائلاً: "من المستبعد في المدى القريب أن تنافس الصين الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً في منطقة الخليج العربي، وكلا الطرفين؛ الخليجي والصيني، على علم بهذه الحقيقة".
ويضيف: "سبق أن أشيع أن السعودية تسعى لشراء صواريخ باليستية صينية، وهنا يخبرنا التاريخ أن مثل هذا الموضوع لن يتم إلا بموافقة وعلم الولايات المتحدة"، مستدلاً بحادثة قديمة قائلاً: "في ثمانينيات القرن الماضي حصلت أزمة دبلوماسية بين السعودية والولايات المتحدة عندما اشترت السعودية سراً صواريخ باليستية من الصين".
لكنه في الوقت ذاته يرى أن مثل هذه الأخبار "حتى وإن كانت غير صحيحة فهي مفيدة للجانب الخليجي لإشعار الولايات المتحدة أن هناك منافساً لها، ولا سيما أن أغلب دول الخليج العربي غير راضية عن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة منذ تولي الرئيس أوباما الإدارة وحتى الآن".
ويرى أن الصين "أخذت تتبوأ موقعاً متقدماً على مستوى العالم في مجالات عدة، ولا سيما في الجانب الاقتصادي، إذ نجحت الصين في فلسفتها الاقتصادية المبنية على أساس صناعة مقبولة ورخيصة، وهذا الجانب عجزت عنه الدول العريقة في مجال الصناعة حتى الآن، خاصة أننا بدأنا نرى بعض الدول الصناعية تقلل من جودة الصناعة لتقليل السعر لمنافسة الصين".
ويتابع: "من هنا فإن الصين لن تبقى طويلاً دولة عظمى اقتصادياً لكنها دون نفوذ سياسي وعسكري عالمياً، وهذا يفسر لنا الدبلوماسية الصينية النشطة في المنطقة منذ نحو عقدين".
علاقات قديمة.. جديدة
بدأت العلاقات الخليجية الصينية منذ ما يقرب خمسين عاماً، تدرجت فيه الدول الخليجية بالدخول في علاقات دبلوماسية مع الصين عبر مراحل مختلفة، لكن ما يميز العلاقات الخليجية الصينية في الفترة الراهنة بعدها العسكري، الذي بدأ يأخذ حيزاً من العلاقات الثنائية بعد ضعف الوجود الأمريكي في المنطقة الخليجية.
وأتاح تراجع الولايات المتحدة عن دورها في منطقة الخليج الفرصة للصين لملء الفراغ أو جزء منه وإيجاد موطئ قدم لنفوذها في المنطقة، ضمن استراتيجية أشمل في إنشاء تحالفات إقليمية في مناطق النفوذ التقليدي لواشنطن تاريخياً.
وإلى جانب ذلك، وعلى الرغم من أن السعودية استوردت أنواعاً مختلفة من صواريخ الصين منذ سنوات طويلة، فإن بكين تحولت في الآونة الأخيرة إلى شريك في البرنامج الصاروخي السعودي بالمساهمة في البنية التحتية للبرنامج، وفق ما كشفته دوائر مخابرات غربية.
وإلى جانب ذلك فإن تطور العلاقات الصينية مع الإمارات أخذ أشكالاً مختلفة، فقد أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في نوفمبر الماضي، أن الاستخبارات الأمريكية علمت أن دولة الصين تبني سراً موقعاً عسكرياً "مزعوماً" في ميناء خليفة قرب أبوظبي، لكن العمل توقف بعد ضغوط أمريكية عبَّرت عنها إدارة بايدن، وجولات عديدة لمسؤولين أمريكيين إلى المنشأة.
كما تهتم الصين بالاستثمار في السوق الخليجية المفتوحة في قطاع التقنيات الإلكترونية أو التسليح والتكنولوجيا العسكرية.
كما تولي الصين أهمية كبرى لدول الخليج، سواء ما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق الصينية التي أعلنتها عام 2013، أو ما يتعلق بسد حاجتها المتنامية من الغاز الطبيعي وحاجتها للنفط، إذ تستهلك ما يصل إلى 15 مليون برميل يومياً.