أشرف كمال - الخليج أونلاين-
وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقية تجارة حرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي اتفاقية قد تفتح باباً جديداً أمام "تل أبيب" تتسرّب منه نحو مزيد من الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً، وإن تحت ستار.
وأعلنت أبوظبي، في سبتمبر 2020، تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال كأول دولة خليجية تقدم على هذه الخطوة، قبل أن تلحق بها مملكة البحرين ذات الاقتصاد المتأزم.
وأبرمت الإمارات عشرات الاتفاقات مع الجانب الإسرائيلي خلال أقل من عام ونصف العام من العلاقات الرسمية، وشملت العديد من المجالات، بما فيها الصحة والتكنولوجيا والطاقة النظيفة والسياحة، وغير ذلك.
يمثل الاقتصاد واحداً من الروافع التي تقوم عليها عملية التطبيع منذ البداية، حيث يسعى المنخرطون في هذه الاتفاقات لتأسيس عهد جديد عنوانه "المصالح المتبادلة".
وبعد 5 شهور من المفاوضات، وهي فترة قصيرة جداً، وقّعت أبوظبي (الجمعة 1 أبريل 2022) اتفاقية تجارة حرة مع "تل أبيب"، واتفاقاً آخر لتسهيل حركة السفر والنقل بين الجانبين.
اتفاقية شاملة
وستشمل الاتفاقية، بحسب وزير الدولة للتجارة الخارجية الإماراتي ثاني بن أحمد الزيودي، عدداً من القطاعات المهمة، بما في ذلك التكنولوجيا والزراعة وحلول الطاقة الجديدة.
كما تشمل الاتفاقية القضايا المتعلقة بالتجارة في السلع، بما في ذلك التنظيم، والجمارك، وتجارة الخدمات، والتعاون، والمشتريات الحكومية، والتجارة الإلكترونية، وحماية حقوق الملكية.
وقال رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت: "هذه لحظة مهمة في العلاقة بين إسرائيل والإمارات. العلاقات الجيدة التي أقيمت بالفعل بين البلدين تتعزز اليوم في شكل اتفاقية تجارة حرة".
وأضاف: "إن العلاقات الجيدة التي أقيمت بين بلدينا تعززت اليوم باتفاقية التجارة الحرة هذه، والتي ستحسن بشكل كبير التعاون الاقتصادي لصالح مواطني البلدين".
كما قالت وزيرة الاقتصاد والصناعة أورنا باربيفاي، إن العمل على تأسيس علاقات اقتصادية وتجارية قوية جارٍ منذ توقيع اتفاق التطبيع بين الجانبين.
ويوم الجمعة (1 أبريل 2022)، قالت وزارة الاقتصاد الإسرائيلي إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه "شامل ومهم"، ويشمل اللوائح التنظيمية والجمارك والخدمات والمشتريات الحكومية والتجارة الإلكترونية.
وأضافت في بيان أن الاتفاقية تضمنت 95% من المنتجات المتداولة، والتي ستكون معفاة من الجمارك على الفور أو تدريجياً، بما في ذلك المواد الغذائية والزراعة ومستحضرات التجميل، فضلاً عن المعدات الطبية والأدوية.
وقالت الوزارة إن الاتفاقية ستخلق آليات لتوسيع الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإنها سوف تدخل حيز التنفيذ بعد التصديق عليها من الجانبين، لكنها لم تحدد جدولاً زمنياً لذلك.
وحقق التبادل التجاري بين الجانبين قفزة في الآونة الأخيرة، حيث بلغ 1.2 مليار دولار خلال 14 شهراً، أي منذ إعلان تطبيع العلاقات عام 2020.
بالتزامن مع وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق التجارة الحرة، وقّع الجانبان أيضاً اتفاقاً لتسهيل حركة التنقل والشحن بين الجانبين، فيما يجري العمل على إقناع دول الخليج بعمل شبكة قطارات موحدة تحمل اسم "قطارات السلام".
بوابة لدول الخليج
وتعتبر الإمارات مركزاً لإعادة التصدير في منطقة الشرق الأوسط عموماً ودول الخليج على وجه الخصوص، كما أنها تستفيد من الإعفاءات الجمركية بين دول مجلس التعاون، ما يعني أن البضائع الإسرائيلية قد تتسرب إلى الدول التي لم تطبع العلاقات بعد عبر البوابة الإماراتية.
وفي يوليو 2021، قيّدت المملكة العربية السعودية دخول البضائع المعاد تصديرها من الإمارات على نحو يمنع دخول تلك القادمة من "إسرائيل" تحديداً، أو التي يدخل فيها مكوّن إسرائيلي.
على الرغم من أن البيانات العامة الصادرة عن الأطراف المعنية لا تعكس بالضرورة السجل الكامل للأهداف والتطلعات وراء اتفاقيات التطبيع عموماً. لكن من الواضح أن الدوافع الاقتصادية كانت محل تركيز رئيسي، بحسب مركز دراسات دول الخليج العربي، في واشنطن.
ففي ديسمبر 2020، نشر المركز تحليلاً قال فيه إن كلا الجانبين ينظر إلى التعاون باعتباره وسيلة لدعم صناعاته المحلية على المدى القصير، وتحقيق الاستدامة على المدى الطويل.
واعتبر المركز أن الحكم على اتفاقات التطبيع ككل سيكون من خلال قدرة "إسرائيل" والإمارات على الحفاظ على التعاون الاقتصادي، لكنه أشار أيضاً إلى احتمال نمو هذا الجانب الاقتصادي، بالنظر إلى "تجذّر العلاقات" بين الجانبين.
هناك العديد من الشركات الإسرائيلية التي تريد العمل في الإمارات، أو التي تريد بيع منتجاتها داخل الإمارات، كما أنشأت أبوظبي مكتباً في "تل أبيب" لاستثمار 10 مليارات دولار في مختلف جوانب الاقتصاد الإسرائيلي.
ويرى "مركز دراسات دول الخليج العربي" أن تقوية العلاقات الاقتصادية بين الجانبين ستمكّن الشركات الإسرائيلية من الاستفادة من الوصول إلى البنية التحتية القوية لنقل البضائع في الإمارات، وفتح الأسواق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا.
الاستفادة من الموقع الجغرافي
ومن المتوقع أن يوفر الموقع الجغرافي للإمارات فرصاً كبيرة للبضائع الإسرائيلية، فضلاً عن أنها تمثل نحو 1.5٪ من التجارة العالمية، و2.4٪ من تجارة الناقلات العالمية.
ويرى محللون أن الإمارات يمكنها مساعدة الشركات الإسرائيلية على تسويق سلعها في دول ليس لديها علاقات رسمية مع "تل أبيب".
في الوقت نفسه يمكن للأخيرة الاستفادة من البنية التحتية لنقل البضائع في الإمارات لتبسيط وتعزيز علاقاتها التجارية القائمة مع الدول الآسيوية، وهذا يشمل الهند، وهي مستورد مهم للبضائع الإسرائيلية والإماراتية.
وتشير تقديرات إلى أن التجارة الثلاثية يمكن أن تتوسع إلى 110 مليارات دولار بحلول عام 2030.
المحلل الاقتصادي الأردني نمر أبو كف، قال إن عملية توطيد بين الإمارات ودولة الاحتلال جرى على قدم وساق وعلى كافة الأصعدة منذ إعلان اتفاق التطبيع، مشيراً إلى أن الاتفاقية ستغطي كافة الأنشطة الاقتصادية بين الطرفين تقريباً.
إسرائيل المستفيد الأكبر
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" قال أبو كف: إن "إسرائيل ستكون المستفيد الأكبر من الاتفاقية، ليس فقط لأن أبوظبي ستضخ مليارات الدولارات، وإنما لأنها ستوفر سوقاً جديدة للمنتجات الإسرائيلية".
وأشار المحلل الأردني إلى أن الاتفاقية ستكون بوابة المنتج الإسرائيلي ليس فقط إلى سكان الإمارات الذين يقاربون الـ11 مليوناً، وإنما إلى نحو 50 مليون إنسان يعيشون في منطقة الخليج.
وأضاف: "واردات الإمارات تتجاوز الـ240 مليار دولار سنوياً، بينما حجم واردات دولة الاحتلال في حدود 107 مليارات دولار، فإن هذا يعني أن إسرائيل ستستفيد بجزء كبير من هذه الواردات الإماراتية الكبيرة".
إضافة إلى ذلك فإن موانئ ومطارات الإمارات العملاقة ستسهل عملية نقل البضائع الإسرائيلية إلى مناطق جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا، فضلاً عن أنها توطئ الطريق أمام مزيد من العلاقات مع دول الخليج عموماً عبر بوابة الاقتصاد.
ويرى أبو كف أن هذه الاتفاقيات ستعزز قدرة الاحتلال الاقتصادية ومن ثم العسكرية والسياسية، وتزيد من قدرتها على الضغط على الفلسطينيين، بل والضغط على مزيد من الدول العربية لتحقيق مصالح أمنية وعسكرية واقتصادية أيضاً.
ولفت المحلل الأردني إلى أن الإمارات ستكون بلا شك سوقاً كبيرة للشركات الإسرائيلية التي ستجد فرصة مثالية للتوغل في منطقة الخليج، لكنه قال إن الدولة الخليجية أيضاً ستحقق مكاسب فيما يتعلق بتصدير الطاقة والصناعات الكيماوية والمجوهرات.
وخلص المحلل الأردني إلى أن مكاسب الإمارات في النهاية "لن تقارن بمكاسب دولة الاحتلال التي ربما تتحول لاحقاً إلى المصدّر رقم واحد للإمارات في العديد من السلع"، وقال إن هذا الأمر "ستكون له تداعيات سياسية كبيرة وسيعزز قوة "تل أبيب" على حساب أبوظبي بلا شك".