متابعات-
عملت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأعوام القليلة الماضية على الضغط على حلفائها من أجل أن يتبعوا نفس الخطا التي أقدمت عليها، ويقصوا شركة "هواوي" الصينية للاتصالات من أنظمتهم التكنولوجية.
لكن السعودية، وهي أحد حلفاء الولايات المتحدة، لم تستجب لتلك الضغوط، وكان ذلك واضحاً من خلال توقيعها اتفاقية مع هواوي، بالتزامن مع حدث كبير تمثل في زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض.
ولعل هذه الخطوة التي اتخذتها السعودية، وتصاعد العلاقات مع بكين، تنظر إليها الولايات المتحدة الأمريكية باهتمام، بل وربما بقلق، وقد تلقي ظلالها على علاقة البلدين، وسط خلافات تمر بها واشنطن والرياض خلال الأشهر الماضية بسبب السياسة النفطية.
اتفاقية هواوي
بالتزامن مع الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض، مطلع ديسمبر الجاري، وقع البلدان مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات.
الاتفاقية وقعت بين وزارة الاتصالات والبنية التحتية السعودية، وشركة "هواوي تك إنفستمنت العربية السعودية المحدودة"، وسيتعاون الجانبان وفقاً للمذكرة في عدة مجالات.
تنص الاتفاقية على "تحقيق مجتمع 10Gbps من أجل تعزيز البنية التحتية الفائقة وتحقيق التحول الرقمي بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 وتعزيز القدرة التنافسية للبنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات في المملكة على مستوى العالم".
ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية، "ستعتمد هواوي على خبرتها الكبيرة لمساعدة وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات على تنفيذ دراسة الجدوى وتصميم الأنظمة اللازمة لتحقيق مجتمع 10Gbps، حيث سيتم إطلاق النسخة التجريبية الأولية بسعة 10 غيغابت في عام 2023".
كما ستتعاون هواوي مع الوزارة السعودية على تنمية ريادة الأعمال الرقمية في عدد من المجالات وتشمل المدن الذكية، وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والألعاب والتقنية المالية، والتجارة الإلكترونية، والبلوك تشين، والترويج المشترك لبرنامج هواوي لروَّاد الأعمال (HUAWEI CLOUD) والذي يهدف إلى تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من تعزيز قدراتها السحابية".
حظر هواوي
لعل اللافت في الاتفاقية السعودية الصينية عبر هواوي أنها تأتي في وقتٍ كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أضافت، في مايو 2019، "هواوي تكنولوجيز" و70 شركة تابعة لها، إلى قائمة الكيانات السوداء، متذرعة بمخاوف تتعلق بالأمن القومي، فيما تنفي "هواوي" قيامها بأي نشاط تجسّسي لمصلحة بكين.
وحالت هذه الخطوة دون تقديم "جوجل" الدعم الفني لطرازات هواتف "هواوي" الجديدة ووصول إلى خدماتها للأجهزة النقالة "Google Mobile Services".
ومنذ ذلك الحين، فرضت واشنطن على "هواوي" أيضاً قيوداً إضافية على الصادرات، كان أبرزها في مارس 2021، حينما عدلت إدارة جو بايدن التراخيص المتعلقة بالشركات الموردة للشركة الصينية، مما فرض مزيداً من القيود على هواوي.
وتُظهر الإجراءات أن إدارة بايدن تعزز موقفها المتشدد بشأن الصادرات إلى هواوي، صانع معدات الاتصالات المدرج على القائمة السوداء للتجارة بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي للولايات المتحدة.
وكانت الإدارة الأمريكية وافقت، بين عامي 2019 و2020، على تراخيص للشركات لبيع ما قيمته 87 مليار دولار من السلع والتكنولوجيا لهواوي.
وتوضع الشركات على القائمة السوداء للتجارة، والمعروفة باسم قائمة الكيانات، بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية، وتواجه تراخيص البيع بشكل عام معياراً من الرفض المحتمل.
ما بين بكين وواشنطن
ولعل الاتفاقيات الموقعة بين بكين والرياض خلال زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، سلطت الضوء على الاهتمام الذي يوليه البلدان لعدة مجالات؛ ما يثير تساؤلات حول تأثر هذه الخطوة، إذا تمت، على العلاقات بين الرياض وواشنطن.
المختص واستشاري التسويق والإعلام الرقمي، خالد صافي، يؤكد أن ما تم بين السعودية وهواوي الصينية ليس الاتفاق الأول الذي تبرمه المملكة مع شركات صينية، خاصة التقنية منها.
ويقول صافي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "أطلقت السعودية، بداية عام 2022، استثمارات بقيمة 6.4 مليارات دولار في تكنولوجيا المستقبل، وهي بذلك تسعى لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط".
ويشير صافي إلى أن شركات صينية وسعودية وقعت 34 اتفاقية للاستثمار في الطاقة النظيفة وتكنولوجيا المعلومات وخدمات الحوسبة السحابية والنقل والتشييد وقطاعات أخرى ضمن اتفاقيات تصل قيمتها إلى نحو 30 مليار دولار إجمالاً، وهناك نية لتوسيع نطاق التعاون في مجال الطاقة.
ويرى أنه من المتوقع أن تزيد الاتفاقية الموقعة بين السعودية وشركة هواوي الأزمة، خاصة أن الشركة الصينية على قائمة الشركات المحارَبة علناً من الإدارة الأمريكية الحالية والسابقة.
ويعتقد أن مخاوف الولايات المتحدة المعلنة من هواوي تتمثل بالمخاطر الأمنية المحتملة في استخدام تكنولوجيا الشركة الصينية التي شاركت في تأسيس شبكات الجيل الخامس في معظم دول الخليج.
ويلفت إلى أن واشنطن "تراقب بقلق تنامي النفوذ الصيني مع تدهور علاقاتها بالسعودية، وهذا من شأنه أن يزيح الولايات المتحدة بعدما تبسط الصين نفوذها في المنطقة، وهو ما تخشاه أمريكا حقيقة؛ لأنها تعرف تماماً أن الشرق الأوسط أحد المناطق التي تريد الصين تعميق مستوى نفوذها فيها".
ويشير إلى أن أمريكا حظرت الشركة الصينية هواوي داخل بلادها، ومنذ عهد إدارة دونالد ترامب وهي تحاول حظرها كذلك في بلاد أخرى؛ "لأنها منافس شرس قد يزيح أمريكا عن الريادة في تكنولوجيا الجيل الخامس".
التقارب السعودي الصيني
وشهد العقد الأخير تطوراً كبيراً في العلاقات الصينية السعودية، والعلاقات الصينية الخليجية عموماً، حيث تواصل الأطراف جهودها لتوطيد الشراكة، رغم ما يكتنف هذه الطموحات من عقبات.
وتعطي الصين أولوية لهذه المنطقة، وخصوصاً مع السعودية، بسبب وفرة مواردها الطبيعية وسوقها التجارية الهائلة وموقعها الاستراتيجي؛ فيما تحاول الرياض فتح قنوات مع دولة عظمى أخرى غير الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي تخيم فيه أجواء التوتر على العلاقة بين الولايات المتحدة ودول عربية، وخصوصاً السعودية، فإن العديد من الأسئلة طرحت نفسها بشأن القمتين: الصينية العربية والصينية الخليجية، قبل أن تخرج واشنطن مؤخراً بتصريحات تقول إن الشراكة الاستراتيجية مع المملكة "مستمرة".
بدورها خرجت الرياض بتصريحات على لسان وزير خارجيتها، الأمير فيصل بن فرحان، قال فيها إن التعاون الأمريكي الخليجي سيظل "قوياً رغم الاختلافات" بخاصة تلك المرتبطة بقطاع النفط، وذلك غداة القمم الخليجية العربية الصينية التي شهدتها العاصمة السعودية.