طه العاني - الخليج أونلاين-
تشهد العلاقات الثنائية بين إندونيسيا ودول مجلس التعاون الخليجي مرحلة من التقارب الكبير، وسط رغبة مشتركة للوصول إلى استراتيجية فاعلة ومتنامية بما يضمن المصالح المتبادلة.
وإلى جانب التعاون السياسي والأمني، تتزايد الحاجة لعقد اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة بين إندونيسيا ودول مجلس التعاون؛ لتعزيز التبادل التجاري والاستثماري في الاتجاهين، وتحقيق النمو الاقتصادي الشامل للجانبين.
تعاون اقتصادي وتنموي
وفي تطور جديد بمسار العلاقات الثنائية، بحث الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، ووزير التجارة الإندونيسي ذو الكفل حسن، تعزيز ودعم التعاون الاقتصادي بين المجلس وإندونيسيا، وتنميتها وتطويرها بما يحقق المصالح المشتركة.
جاء ذلك خلال لقاء الحجرف بوزير التجارة الإندونيسي، في 23 يناير 2023، في مقر الأمانة العامة بالرياض، ونوقش عدد من الموضوعات، أبرزها استعراض العلاقات الخليجية – الإندونيسية، والعمل على تعزيزها، ولا سيما في المجالات الاقتصادية والتنموية، بحسب بيان صادر عن الأمانة.
كما بحث الجانبان "ضرورة دعم قطاع الأعمال لتنمية العلاقات التجارية، والاستفادة من الفرص المتاحة"، وتبادلا المشاورات الثنائية والقضايا السياسية ذات الاهتمام المشترك، وبحث سبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة".
وتضّمن اللقاء بحث مستجدات مذكرة التفاهم بين مجلس التعاون وإندونيسيا، والآليات المناسبة لتنفيذها، وكيفية تكثيف الجهود المشتركة، لتعزيز علاقات الشراكة والتعاون المشترك في مختلف المجالات، بحسب البيان.
أعمق مما تبدو
وتعود العلاقات الخليجية مع إندونيسيا إلى عدة قرون، حيث ساهم وصول البحارة من جنوب الجزيرة العربية لتجارة التوابل بانتشار الإسلام في الأرخبيل، وتوثّقت العلاقات مع تدفق الحجاج إلى مكة، ليصبح هذا التقارب رابطاً قوياً، حيث وجد عديد من الإندونيسيين فرص عمل في دول الخليج.
ويشير منتدى شرق آسيا في تقرير نشره، في 28 ديسمبر 2022، إلى أن أوجه التكامل الاقتصادي والدين والثقافة والتراث المشترك أسهم في جعل دول الخليج شركاء طبيعيين لإندونيسيا، وجرى عقد سلسلة من الاتفاقيات، وتأتي الطاقة والزراعة على رأس جدول الأعمال.
وترتبط السعودية وإندونيسيا بعلاقات استراتيجية في مجال الطاقة، حيث تعتبر شركة "أرامكو" للتجارة أكبر مورد للبنزين إلى إندونيسيا، إذ تراوحت حصتها في السوق الإندونيسي ما بين 25 و30% على مدى السنوات الأربع الماضية، كما أنها أكبر مورّد نفط لها بمتوسط إمدادات 11 مليون برميل سنوياً، ويبحث البلدان سبل التعاون في مجال تقنية الطاقة.
الزيارة التي أجراها وزير التجارة الإندونيسي ذو الكفل حسن إلى السعودية، 23 يناير 2023، صرح فيها بأن صادرات بلاده عالية الجودة، وستستمر في الزيادة بالسوق السعودي.
وأعرب عن تطلعه لإيجاد سبل لرفع مستوى التعاون التجاري والاستثماري بين المملكة وإندونيسيا، مشيداً بالتحولات الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها السعودية.
وخلال الزيارة عقد اتحاد الغرف السعودية منتدى الأعمال السعودي الإندونيسي، وتم التوقيع على 8 اتفاقيات تجارية بين شركات من البلدين في مجال الصناعات الغذائية والسلع الاستهلاكية والتصدير والاستيراد.
وأعلن عدد من الشركات الإندونيسية رغبتها في دخول السوق السعودي والاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة في رؤية المملكة 2030.
وبعد الزيارات الرفيعة المتبادلة، خصصت الإمارات ما قيمته 42 مليار دولار من الالتزامات الاستثمارية بإندونيسيا في مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك الطاقة والرعاية الصحية والبنية التحتية للطرق الرقمية والزراعة والبنية التحتية للموانئ، لتصبح الإمارات هي المستثمر الخليجي الرئيس لإندونيسيا.
وعقد، في 12 نوفمبر 2022، منتدى الأعمال الإماراتي في إندونيسيا لاستكشاف فرص التعاون بين مجتمعي الأعمال بالدولتين، ووقعت 16 مذكرة تفاهم بين شركات إماراتية وإندونيسية في مجالات حيوية لتعزيز التعاون البناء والنمو المشترك.
كما تطمح إندونيسيا إلى تدفق أموال خليجية من قطر والبحرين، في محاولة لتأمين الاستثمار الأجنبي المباشر من صناديق الثروة السيادية بمشاركة الدولتين الخليجيتين في المشاريع الإندونيسية.
وكشف النائب الأول لرئيس غرفة تجارة وصناعة قطر محمد بن أحمد بن طوار الكواري، في أكتوبر الماضي، عن أن إندونيسيا تعد شريكاً تجارياً مهماً بالنسبة لقطر، حيث نما حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة تزيد عن 78%، خلال السنوات الخمس الماضية.
نجاح الاستثمارات القطرية
وتطمح جاكارتا إلى استقطاب مزيد من الاستثمارات القطرية، ويرى وزير التجارة الإندونيسي أن هناك فرصة كبيرة لزيادة التبادل التجاري بين البلدين.
جاء ذلك خلال مشاركته في منتدى الأعمال الإندونيسي - القطري، في أكتوبر الماضي، الذي نظمته سفارة إندونيسيا لدى الدوحة تحت عنوان "تعزيز التجارة والاستثمار بين قطر وإندونيسيا".
كما نوه بنجاح الاستثمارات القطرية في بلاده، ومن ضمنها بنك قطر الوطني وشركة الاتصالات "أوريدو" و"نبراس للطاقة"، وهو ما يشجع المستثمرين القطريين على التعرف على الفرص المتاحة في إندونيسيا، وبحث عقد شراكات مع القطاع الخاص الإندونيسي، خاصة في قطاعات الاستثمار والسياحة وغيرها.
اتفاقيات ومذكرات تفاهم
ورغم تفاوت مستوى العلاقات بين إندونيسيا وباقي دول الخليج، لكنها تتجه نحو مزيد من التعاون الثنائي في معظم المجالات.
ونقلت صحيفة "القبس" الكويتية عن سفيرة إندونيسيا لدى البلاد لينا ماريانا، تأكيدها ضرورة توسيع التعاون بين الكويت وجاكرتا خارج النطاق الثنائي، وتقديم الدعم لبعضهما بلا هوادة في المحافل العالمية.
كما وقعت حكومة سلطنة عمان، ممثلة بهيئة الطيران المدني، في يونيو الماضي، اتفاقية للنقل الجوي مع حكومة إندونيسيا في مبنى هيئة الطيران المدني، وتهدف الاتفاقية إلى تنظيم الجوانب التشغيلية والفنية بين البلدين بما يخدم المصالح المشتركة، وكذلك إلى زيادة الحركة الجوية بين مطارات البلدين.
وتؤكد رئيسة مجلس النواب البحريني فوزية زينل أن العلاقات بين البحرين وإندونيسيا تأسست ورسخت منذ عقود، وارتكزت على دعائم ثابتة ورغبة مشتركة في تحقيق التقدم المطرد للتعاون الوثيق بين البلدين.
جاء ذلك خلال لقائها مع وفد برلماني إندونيسي، في 25 مايو الماضي، حيث ناقش الجانبان الدعم النيابي لتعزيز التعاون المشترك بين البلدين، والدفع نحو مزيد من التطور في مختلف مجالات التنمية.
علاقات تاريخية
ويلفت الباحث الخليجي حبيب الهادي إلى أن العلاقات الخليجية الإندونيسية هي علاقات تاريخية، ومنها العلاقات العمانية على وجه التحديد، فقد كانت على ارتباط معها منذ ما قبل الإسلام، ومع بداية الإسلام وصل التجار المسلمون من الخليج العربي إلى هناك، وتأصلت منها تلك العلاقات التاريخية.
ويعتقد الهادي في حديثه مع "الخليج أونلاين" أنه في العصر الحديث هناك حاجة ماسة للتبادل التجاري بين المنطقتين، حيث إن منطقة الخليج غنية بالثروة النفطية والقوة الشرائية والرغبة في البناء والتعمير، ومن جانب آخر فإن إندونيسيا تعد منطقة استوائية غنية بالثروات الطبيعية، كالأخشاب والفواكه وغيرها.
ويتابع الهادي بأن هناك زخماً تجارياً واقتصادياً بين المنطقتين، ورغبة كبيرة لعقد الاتفاقيات والمشاريع الاستثمارية، وتوطيد العلاقات وتبادل الزيارات على أرفع المستويات.