سلمى حداد - الخليج أونلاين-
توسعت الآفاق الاستثمارية للسعودية والإمارات في السنوات الأخيرة لتتخذ مسارات خارج الخطط الاعتيادية التي تعتمد على الاستثمارات الآمنة لتتجه إلى الاستثمار الجريء وما يتيحه من فرص قوية للتنوع الاقتصادي.
وبدأت الدولتان الخليجيتان، في السنوات الأخيرة، بتهيئة أرض خصبة للاستثمارات التي لديها احتمالات قوية لتتحول إلى شركات "يونيكورن"؛ فوجود كثير من هذه الشركات سيقود لتحول اقتصادي سريع، ويدر إيرادات مالية جديدة على الدولتين يحقق خططهما بترك الاعتماد على إيرادات النفط الخام.
بداية "اليونيكورن"
ظهر مصطلح شركة "يونيكورن" أو شركة أحادية القرن أول مرة عام 2013 على لسان خبيرة التمويل الأمريكية إيليين لي، التي استخدمت المصطلح لوصف شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا التي تجاوزت المليار دولار سريعاً.
ويعتبر تخطي قيمة أسهم هذه الشركات حاجز المليار دولار بسرعة كبيرة أمراً إعجازياً ونادراً مثل حيوان "يونيكورن" (الحصان أحادي القرن) الخيالي.
والآن أصبح هذا المصطلح "دارجاً" للإشارة إلى الشركات الناشئة التي يتجاوز رأسمالها المليار دولار، بغض النظر عن أرباح الشركة، أو طريقة زيادة رأس مالها.
وتتميز شركات "يونيكورن" بالنمو السريع، مع ملاحظة أن معظم هذه الشركات هي شركات تكنولوجيا.
وحتى 2019، كانت الشركات أحادية القرن مرتكزة في الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وعدد قليل منها في باقي المناطق ولم يتجاوز عددها الإجمالي حول العالم 328 شركة.
لكن عام 2020 شهد طفرة كبيرة في زيادة أعداد هذا النوع من الشركات حول العالم، والآن وصل العدد الإجمالي لشركات "يونيكورن" حول العالم إلى 865 شركة، بإجمالي قيمة 2841 مليار دولار.
شركات "يونيكورن" خليجية
وفي الوطن العربي كانت أول شركة عربية تحصل على لقب شركة "يونيكورن" هي "سوق دوت كوم" الإماراتية، بعد أن حصلت على تمويل بقيمة 300 مليون دولار، في فبراير 2016.
وكانت "سوق دوت كوم" هي المُلهم الأول لعديد من الشركات العربية التي لحقت بها تباعاً إلى نادي اليونيكورن.
وأصبح هناك الآن عدد جيد من الشركات العربية الناشئة التي تتجاوز قيمتها المليار دولار، لا سيما في مجال التكنولوجيا.
ومن الشركات الخليجية التي دخلت إلى نادي اليونيكورن أيضاً "كيتوبي"، التي تأسست بالإمارات عام 2018، كمنصة مطابخ سحابية تستهدف صناعة الطعام وتوصيله إلى الزبائن خارج المطاعم.
واستطاعت "كيتوبي" خلال 3 سنوات من تأسيسها امتلاك أكثر من 60 مطبخاً سحابياً، والتوسع في عدة دول في المنطقة خارج الإمارات؛ مثل السعودية والكويت والبحرين، وأيضاً التوسع إلى سوق الولايات المتحدة.
وفي يوليو 2021، استطاعت منصة "كيتوبي" جمع جولة تمويلية كبرى بقيمة 415 مليون دولار، لتتحول إلى شركة يونيكورن بتقييم يزيد عن المليار دولار.
مجموعة عقارات الأسواق الناشئة (EMPG) في دبي، التي تملك عدداً من المنصات والخدمات العقارية الشهيرة، استطاعت الوصول إلى تقييم يتجاوز المليار دولار، والحصول على صفة يونيكورن بعد اندماجها مع منصة "أوليكس" وحصولها على استثمار بقيمة 150 مليون دولار في 2021.
شركة "STC Pay" المالية السعودية تأسست عام 2018 كشركة في قطاع التقنية المالية كمحفظة رقمية للمستخدمين، وهي تابعة لشركة الاتصالات السعودية.
وبعد عامين من التأسيس استحوذت شركة الحوالات المالية العالمية "ويسترن يونيون" على نسبة 15% من أسهمها بقيمة 200 مليون دولار، لترفع من قيمة الشركة الناشئة إلى أكثر من مليار دولار، ولتصبح أول شركة تقنية مالية سعودية تكتسب صفة "يونيكورن" بتقييم يزيد عن المليار دولار.
السعودية والإمارات
اتجهت السعودية مؤخراً إلى هذا النوع من الاستثمار، بل وأسست صندوقاً خاصاً له يتبع لشركة "أرامكو" المملوكة بشكل شبه كامل للدولة.
وأطلقت شركة "أرامكو"، في فبراير 2022، صندوق رأس المال الاستثماري "Prosperity7"، ويسعى إلى الاستثمار ودعم الشركات الناشئة العالمية القائمة بتطوير تقنيات وحلول في مختلف القطاعات.
وتقدمت السعودية من المرتبة الثالثة إلى المرتبة الثانية بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث عدد الصفقات الاستثمارية بالشركات الناشئة التي بلغت 79 صفقة، في النصف الأول من 2022، محققة نمواً بنسبة بلغت 36% على أساس سنوي، حسب وكالة الأنباء السعودية (واس).
أما على صعيد الإمارات فقد أعلنت، في نهاية العام 2021، أنها خصصت صندوق أسهم بقيمة مليار درهم (280 مليون دولار) من أجل دعم المشاريع والمنشآت الصغيرة والمتوسطة القائمة بالدولة.
وذكرت الحكومة الاتحادية في الإمارات، في بيان لها آنذاك، أن "ذلك يأتي ضمن رؤيتها لاستقطاب 20 شركة أحادية القرن (يونيكورن) بحلول العام 2031، من خلال جذب المواهب والاستثمارات الأجنبية".
ونقل البيان عن وزير الدولة الإماراتي لريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة أحمد الفلاسي، أن "الإمارات تهدف إلى تعزيز مكانتها كوجهة عالمية للاستثمار في دول الخليج، حيث تسعى لجذب 20 شركة أحادية القرن (يونيكورن) بقيمة تزيد على مليار درهم إماراتي بحلول العام 2031".
وأضاف أن "هذه المبادرة الوطنية ستوفر منظومة موحدة للشركات الناشئة من التأسيس وحتى التطوير، كما ستعزز مهارات ريادة الأعمال بما ينمي قدرات الطلبة والخرّيجين والموظفين والمتقاعدين وأصحاب الأعمال المنزلية والباحثين عن عمل وغيرهم من فئات المجتمع للدخول في مجال ريادة الأعمال".
وتابع أنه "بجانب تأسيس صندوق الأسهم بقيمة مليار درهم لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الناشئة في الدولة، ستعدل إجراءات التأشيرة من أجل جذب مزيد من الوافدين للعيش والعمل في الإمارات لتشجيع الاستثمار، خاصة بعد الركود في النشاط الاستثماري خلال جائحة فيروس كورونا".
أرض خليجية خصبة
وبشأن ذلك قال الباحث الاقتصادي الأمريكي سي تويسلاند، في مقابلة مع صحيفة "الاقتصادية" السعودية: إن "حجم رأس المال المتدفق لدعم الشركات أحادية القرن نما بشكل كبير خلال العقود الماضية، وكان هذا مدفوعاً بتنامي المواهب نتيجة ارتفاع المستويات التعليمية، وتوافر رؤوس الأموال، ومعدل التغيير التكنولوجي".
وأضاف تويسلاند في المقابلة المنشورة، في 24 يناير 2023، أن "تلك العوامل توجد بكثافة في الولايات المتحدة، لكن يلاحظ أيضاً أنها آخذة في الازدياد في منطقة جنوب شرق آسيا وفي منطقة الخليج العربي، خاصة في الأعوام الأخيرة".
وتابع تويسلاند: "مناخ الحرية الاقتصادية الموجود حالياً في بلدان مثل: السعودية والإمارات، ووفرة رؤوس الأموال والسياسات القائمة على تبني العناصر الموهوبة، أو استقطاب مهارات من الخارج، يوجد أرضية خصبة لنمو تلك الشركات".
وأشار إلى وجود إدراك خليجي ملحوظ بأهمية الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة من أجل إحداث ثورة في السوق والارتقاء بالاقتصاد الوطني، والتغلب على جوانب القصور الديموغرافي.
وأوضح أنه مع وفرة رؤوس الأموال والبيئة التنظيمية المحكمة في السعودية والإمارات بشكل خاص، يمكن لعدد كبير من الشركات الخليجية الارتقاء إلى مصاف الشركات أحادية القرن، بل وعشارية القرن أيضاً (الشركات التي يتجاوز رأس مالها 10 مليارات دولار).