متابعات-
دخلت زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى دولة قطر يومها الثاني، الثلاثاء، وهي الزيارة التي تأتي بعنوان وحيد يتعلق باعتزام القاهرة تحريك ملف الاستثمارات التي تعهدت الدوحة، في مارس/آذار 2022، بضخها في البلد العربي الأكثر سكانا، مقابل أصول وحصص في شركات مصرية، وهي استثمارات تعول عليها مصر لمحاولة حلحلة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها.
وبعد لقائه، الإثنين، مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس وزراء البلد الخليجي الشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني، عقد مدبولي، الثلاثاء، اجتماعا بممثلين عن غرفة قطر ورابطة رجال الأعمال القطريين، خصص لمناقشة تطلعات وفرص الاستثمار القطرية بمصر.
حصيلة الثلاثاء
ودعا رئيس الوزراء المصري قطاع الأعمال في قطر للاستثمار ببلاده، مؤكدا عزمه رفع كافة المعوقات التي تحول دون رفع نسق المشاريع في مصر، متحدثا عن جهود القاهرة في تقديم التحفيزات للمستثمرين وإنهاء أزمة تذبذب أسعار الصرف، التي تعد المعوق الأبرز للاستثمار الأجنبي.
نفس المعنى تقريبا أكد عليه مدبولي، خلال الحوار الذي أجراه، الثلاثاء أيضا، مع وكالة الأنباء القطرية "قنا"، حيث استعرض جهود بلاده للسيطرة على التضحم وتوحيد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، وزيادة تمكين القطاع الخاص.
النقطة الأخيرة تحديدا تمثل أحد أبرز مطالب دول الخليج لضخ مزيد من الاستثمارات التي تعهدت بها في مصر، مقابل أصول وحصص بشركات مصرية، حيث تنتظر تلك الدول، ومن بينها قطر، رؤية نتائج حقيقية لتمكين القطاع الخاص وتخفيف دور الدولة (الجيش باعتباره القوة الاقتصادية الأضخم حاليا في مصر) المهيمن على الاقتصاد.
ملف المليارات الخمسة
كان لافتا خلال زيارة مدبولي إلى الدوحة هو أن الإشارة في التصريحات الرسمية العلنية لمسألة تعهد قطر، العام الماضي، باستثمار 5 مليارات دولار في مصر عبر "جهاز قطر للاستثمار" كانت غائبة تقريبا، أو لم تحز على الحجم المناسب قياسا لأهميتها.
وأشارت تقارير – حينها – إلى أن تلك الاستثمارات ستكون مقابل حصص في موانئ مصرية وشركات، أبرزها "فودافون مصر"، والتي تمتلك الحكومة المصرية 45% من أسهمها.
لكن تحليلات أكدت أن ملف المليارات الخمسة كان هو الحاضر الأبرز في محادثات الغرف المغلقة بين رئيس الوزراء المصري والمسؤولين القطريين، حيث تريد القاهرة حلحلة أزمة وصلت إلى ذروتها خلال الأسابيع الماضية، عندما تعثرت المفاوضات مع الدوحة حول تلك الاستثمارات؛ بسبب عدم الاتفاق حول حجم الأصول المتاحة.
ويدور الحديث بشكل أكثر تحديدا عن تعثر بين الدوحة والقاهرة حول ملفين بتلك الصفقات، الأول يتعلق بشركة "فودافون مصر"، حيث ذكر موقع "اقتصاد الشرق" في وقت سابق من هذا الشهر أن الجانبين لم يتوصلا لاتفاق بشأن الصفقة، إذ ترغب قطر في الاستحواذ على حصة الدولة الكاملة البالغة 45%، في حين أن الحكومة لا تريد التنازل عن أكثر من 25% من حصتها في الشركة
أما الملف الثاني، فيتعلق بتقديم "جهاز قطر للاستثمار" عرضا للاستحواذ على حصص أغلبية في شركتي بورسعيد ودمياط لتداول الحاويات، بينما أعربت وزارة النقل المصرية عن تحفظها بشأن التنازل عن السيطرة على حصة الأغلبية في الشركتين، بحسب التقارير.
خلافات حول قيمة الجنيه
تقارير أخرى تحدثت عن خلافات قطرية مصرية بسبب ضعف قيمة الجنيه وتذبذب سعر صرفه مقابل العملات الأجنبية وأبرزها الدولار الأمريكي.
والأسبوع الماضي، قالت مصادر لشبكة "بلومبرج" الأمريكية إن الإمارات والسعودية وقطر "تراقب عن كثب الجنيه" قبل ضخ مليارات الدولارات من الاستثمارات التي تعهدت بها، والتي لم يتحقق سوى جزء بسيط منها.
وأدى انخفاض الجنيه - الذي تراجعت قيمته بنحو النصف تقريبا العام الماضي - إلى خلافات حول تقييمات الاستحواذات والصفقات بين مصر والصنادق الخليجية.
وأفادت تقارير، الأسبوع الماضي أيضا، أن عملية بيع "المصرف المتحد"، المملوك للحكومة المصرية، إلى صندوق الاستثمارات العامة السعودي تواجه خطر الفشل.
ولم يتوصل الجانبان لاتفاق على كيفية تقييم البنك بعد انخفاض الجنيه.
الالتزام بالإصلاحات
من أبرز الأزمات على أرضية الاستثمارات الخليجية في مصر هو ما يتعلق بطلب تلك الدول من مصر رؤية مؤشرات حقيقية على جدية القاهرة للحد من دور الدولة (الجيش) في الاقتصاد وتحسين الشفافية للشركات المملوكة للدولة قبل القيام بمزيد من الاستثمارات.
ما الذي أسفرت عنه زيارة مدبولي إلى قطر إذن؟
الإجابة الرسمية الأبرز لهذا السؤال تتعلق بإعلان البلدين عن اتفاقية لمنع الازدواج الضريبي، والتي قد تساعد في تسهيل المزيد من الاستثمارات القطرية في مصر.
وتهدف الاتفاقية إلى إزالة الازدواج الضريبي في ضريبة الدخل، ومنع التهرب أو التجنب الضريبي، وفق بيان صادر مجلس الوزراء المصري، الإثنين.
وتغطي الاتفاقية ضريبة الأرباح الرأسمالية وأرباح الأسهم والفوائد وضريبة الدخل وأرباح الشركات وتوزيعات الأرباح.
الملف الثاني الذي جرى الإعلان عنه، على لسان مدبولي أيضا، خلال حواره مع "قنا"، يتعلق بتوقيع عدد من مذكرات التفاهم بين وزارة الصحة والإسكان المصرية والشركات القطرية لتعزيز التعاون بين الطرفين لإنشاء أو تشغيل أو تطوير المرافق والمنشآت الطبية التي تعمل داخل مصر.
أما الملف الثالث، فتمثل في تقديم مدبولي شرحا وافيا للمستثمرين والمسؤولين القطريين عن تطورات الاقتصاد المصري، لاسيما فيما يتعلق بالمشروعات القومية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.
كما تم عرض أهم ملامح مشروعات المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والمرحلة الأولى لبرنامج الطروحات، والانتهاء من وثيقة ملكية الدولة، والتي تتضمن الأنشطة والقطاعات التي ستتخارج منها الدولة طبقا للمعايير الدولية.
لوم غير مباشر
وفيما يعد لوما غير مباشر أو محاولة لتحفيز الدوحة، اعتبر رئيس الوزراء المصري، خلال الحوار مع الوكالة القطرية، أن "حجم التبادل التجاري بين البلدين الشقيقين لا يرتقي لمستوى العلاقات التي تسعى الدولتان للوصول إليه"، مذكرا بالزيارة التي قام بها رئيس وأعضاء رابطة رجال الأعمال القطريين للقاهرة في أكتوبر/تشرين الأول 2022 ولقائهم مع السيسي حول هذا الأمر.
نفس المعنى جاء في تصريحات للمتحدث باسم مجلس الوزراء المصري نادر سعد، إلى فضائية "صدى البلد" المقربة من السلطات في القاهرة، حيث اعتبر أن "حجم التبادل فاق مليار دولار خلال 2017، بينما لا يتجاوز حاليا 60 مليون دولار الآن، وهو أمر لا يليق بدولتين لهما وزنهما الإقليمي في المنطقة".
وأوضح سعد أن زيارة مدبولي وهي الأولى لرئيس حكومة مصري، منذ ما يقرب من 10 سنوات، بحثت الملفات السياسية والاقتصادية كانت حاضرة بقوة في الزيارة.
أما الإجابة غير الرسمية حول نتائج الزيارة، ستتضح في التطورات التي ستطرأ على ملف الـ5 مليارات دولار التي تعهدت بها قطر في مصر خلال الأسابيع القليلة المقبلة.