ذا كرادل - ترجمة الخليج الجديد-
سلط تحليل نشره موقع "ذل كرادل The Cadle" الضوء على أبعاد اقتراب خطوة استحواذ شركة "قطر للطاقة" الاستحواذ على حصة 30% من محفظة مشروعات "توتال إنيرجي" الفرنسية بالعراق، وهي المحفظة التي يقدر حجمها بـ27 مليار دولار، وتتعلق بصفقة كبيرة وقعتها الشركة الفرنسية مع بغداد في 2021 لتنفيذ مشروعات نفطية وغازية، لم تبدأ حتى الآن.
وتشمل تلك المشروعات استكشاف وتطوير محطات نفط وغاز وطاقة متجددة في جنوبي العراق، وكذلك بناء محطة طاقة شمسية بقدرة 1000 ميجاوات، ويتردد أن "قطر للطاقة" تخطط للتركيز على تطوير واستكشاف الغاز والطاقة المتجددة وفقا للتحليل الذي ترجمه "الخليج الجديد".
مشروعات "توتال" في العراق
في سبتمبر/أيلول 2021، وقّعت شركة "توتال إنرجي" مع وزارة النفط العراقية اتفاقية لتنفيذ 4 مشروعات عملاقة، باستثمارات تصل إلى 27 مليار دولار.
وحسب الوزارة العراقية، فإن العائد الإجمالي من الأرباح خلال مدة العقد -25 عامًا- يصل إلى 95 مليار دولار، باحتساب سعر برميل النفط عند 50 دولارًا.
وكان من المقرر أن تستثمر شركة توتال مبدئيًا 10 مليارات دولار في العراق، من خلال بدء تنفيذ الأعمال الهندسية لبعض المشروعات قبل نهاية 2021، إلا أنه لم يُبدأ في أي أعمال منذ توقيع الاتفاق.
وتتضمن صفقة الـ27 مليار دولار المشروعات التالية:
- مدّ خط الأنبوب البحري الذي ينقل ماء البحر إلى الحقول النفطية، بطاقة تصميمية قدرها 7.5 مليون برميل مياه يوميًا، بهدف إدامة الإنتاج من الحقول النفطية.
- تطوير حقل أرطاوي وزيادة الإنتاج من 80 ألف برميل يوميًا -حاليًا- إلى 200 ألف برميل يوميًا.
- إنشاء مجمّع غاز أرطاوي بسعة 600 مليون قدم مكعبة قياسية، بغرض استثمار حرق الغاز من حقول النفط.
- إنشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية، تعتمد على الطاقة الشمسية، لإنتاج كهرباء بتكلفة أقل من 45% من الإنتاج من المحطات الحالية، وبقدرة إجمالية تصل إلى 1000 میجاوات.
ويقول التحليل إنه لا ينبغي أن يكون التعاون بين عملاق الطاقة القطري والفرنسي مفاجئًا، حيث تتمتع الشركتان "قطر للطاقة" و "توتال إنيرجي" بتاريخ طويل من الشراكة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال في قطر، وكذلك في العديد من المشاريع حول العالم، بما في ذلك في جويانا بأمريكا الجنوبية، وناميبيا وجنوب أفريقيا.
ويجادل مراقبون بأن دخول قطر المحتمل في الصفقة الضخمة لـ"توتال" في العراق من شأنه أن يقلل من النفوذ الإيراني في العراق، لأنه من المحتمل أن يعزز الإنتاج المحلي ويقلل اعتماد بغداد الشديد على النفط الإيراني، ويشجع أطرافا خليجية أخرى على زيادة الاستثمارات في مشروعات الطاقة العراقية.
لماذا تهتم قطر بقطاع الطاقة العراقي؟
رغم انسحاب شركات عالمية من القطاع، بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني وضعف العائدات من تقاسم الإيرادات، يبدو من الغريب أن تهتم قطر بالأمر، وفقا لما يقوله الرئيس العالمي للاستراتيجية والمخاطر في صندوق بيري للسلع الأساسية، سيريل ويدرسهوفن.
لكن ناصر التميمي، الاقتصادي المقيم في المملكة المتحدة وزميل باحث أول في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، يرى أن شركة "قطر للطاقة" في مرحلة توسعية وقد زادت من محفظة الطاقة العالمية لديها على مدى السنوات القليلة الماضية.
ويعتبر التميمي أن مشاركة "قطر للطاقة" في مشروع العراق الذي تبلغ تكلفته 27 مليار دولار والذي يجمع بين الهيدروكربونات التقليدية والطاقة المتجددة، بما في ذلك إنتاج النفط ومعالجة الغاز والطاقة الشمسية ومنشأة إعادة حقن المياه ذات الأهمية الحاسمة، ستكون الخطوة الأكثر طموحًا للشركة القطرية حتى الآن.
ووفقا للتحليل، فإن المشاركة في أحد أكثر المشاريع المخطط لها طموحًا في صناعة الطاقة بالعراق ستظهر أن شركة "قطر للطاقة" هي لاعب دولي رئيسي، وليس مجرد مصدر للغاز الطبيعي المسال.
علاوة على ذلك، قد يفتح نجاح مثل هذا المشروع الباب أمام الشركات القطرية الأخرى أو حتى الشركات من دول مجلس التعاون الخليجي للمشاركة في مشاريع طموحة أخرى داخل العراق.
وتعتبر احتياطيات النفط والغاز الهائلة في العراق أهدافًا استثمارية جذابة للغاية، لا سيما إذا شاركت الحكومات العربية في تنميتها، لكن بالنسبة لـ"قطر للطاقة"، قد يكون هناك سبب مقنع آخر لاهتمامهم بالعراق، كما يقول ويدرسهوفن، حيث يقول إن دخول قطر معترك الطاقة في العراق سيوفر للدوحة تأثيرًا في منتج غاز محتمل قوي في المستقبل، وضمان أن يكون العراق، وهو أحد المنافسين المحتملين الأقوياء لإنتاج الغاز قريبا من الدوحة.
وبشكل عام، يقول المحللون إن قطر تريد التحوط في رهاناتها وتسعى للحصول على ميزة طويلة الأجل في الوصول إلى احتياطيات الغاز الطبيعي المحتملة في العراق في المستقبل.
الربح للعراق وقطر والنفع للخليج والغرب
لكن الأرباح لن تكون فقط لقطر، فالعراق في حاجة ماسة للاستثمارات لتعزيز اقتصاده الضعيف، ويعد استمرار رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني مرهونا بالملف الاستثماري
لذلك، يعتقد التميمي أن الاستثمار القطري سيساعد أيضًا على تنشيط قطاع الطاقة في العراق الذي يشهد عزوفا من الأطراف الدولية.
كما أن الأمر ينطوي على ربح استراتيجي لدول الخليج والغرب، ففتح قطاع الطاقة لدولة عربية مجاورة يمكن أن يكون إجراءً مضادًا للنفوذ الإيراني في العراق، وهي خطوة ستلقى ترحيبًا من الدول الغربية ودول الخليج العربي الأخرى.
منافسة من الجيران
ومع ذلك ، من المرجح أن يواجه المستثمرون القطريون بعض المنافسة من جيرانهم في الخليج العربي، وخاصة الإمارات، التي تتمتع بوجود قوي في العراق.
ففي عام 2021 ، أعلنت كل من الإمارات والسعودية عن استثمارات كبيرة في مختلف القطاعات لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع بغداد، وتشارك شركات النفط والغاز الإماراتية والسعودية بالفعل في مشاريع في جميع أنحاء البلاد.
على سبيل المثال، وقعت شركة "نفط الهلال"، ومقرها الشارقة، مؤخرًا ثلاثة عقود لمدة 20 عامًا مع وزارة البترول العراقية لتقييم وتطوير وإنتاج النفط والغاز الطبيعي في محافظتي ديالى والبصرة في شرق وجنوب العراق.
وبحسب التميمي ، "قد يؤدي ذلك إلى زيادة تنافسية وأهمية شركة قطر للطاقة وغيرها من الشركات الخليجية ضمن خريطة الطاقة الإقليمية / العالمية، ولكنه يؤدي أيضًا إلى التعاون مع الشركات غير الغربية النشطة في العراق، لا سيما الشركات الصينية (وربما الروسية)".
مخاطر محتملة
لكن في حين أن المكاسب المحتملة للاستثمار القطري كبيرة ، فإن المخاطر كذلك، بحسب التحليل.
فعدم الاستقرار السياسي في العراق يعني أنه حتى المشاريع الروتينية الصغيرة تتعرض لتأخيرات كبيرة، فما بالك بمشروع استراتيجي بهذا الحجم، يقول التميمي.
وحتى إذا تم تنفيذ صفقة "قطر للطاقة"، فقد يظل مستقبل المشاريع غير مؤكد، لاسيما مع استمرار توتر العلاقات بين "توتال إنيرجي" والحكومة العراقية.
العلاقات القطرية الإيرانية
بالإضافة إلى ذلك ، على الرغم من أن مواجهة إيران كانت بالفعل محور تركيز رئيسي لأبوظبي والرياض - اللتين استخدمتا موارد مالية في لبنان والعراق لإضعاف علاقات بيروت وبغداد مع طهران - من المهم ملاحظة أن موقف قطر تجاه إيران وقيادتها السياسية مختلف بشكل كبير.
وتتمتع قطر بعلاقات متسقة إلى حد ما مع إيران، حتى خلال الفترات التي لم يفعل فيها حلفاؤها في مجلس التعاون الخليجي ذلك.
لهذا السبب يعتقد ويدرسهوفن أن استثمار قطر في العراق يمكن أن يفيد إيران أيضًا، حيث ستكون هناك دولة عربية إقليمية معنية بقطاع النفط والغاز في العراق مرنة في التعاون مع إيران في هذا القطاع الحيوي، لاسيما أن قطر تتشارك مع إيران في ملكية أكبر حقل غاز في العالم (بارس الجنوبي وغاز الشمال).
من ناحية أخرى، إذا استمرت الاتفاقية الموقعة حديثًا بين السعودية وإيران، فقد يساعد ذلك في تهدئة التوتر بين هاتين القوتين الإقليميتين الرئيسيتين، مما قد يؤدي بدوره إلى تسريع الاستثمارات من دول الخليج الأخرى الى العراق، وفق التحليل.