متابعات-
أخفقت الحكومة المصرية في تحقيق هدفها المتمثّل في توفير مليارَي دولار من بيع مؤسّسات رسمية قبل نهاية العام المالي في حزيران الماضي، لتبلغ حصيلة الطروحات نحو 1.9 مليار دولار فقط، فيما المفارقة أن هذه الأموال لم تأتِ كلّها من الخارج، بل إن غالبيتها هي أموال من الداخل معادٌ استخدامها من قِبل رجال أعمال مصريين، وتحديداً رجلَي الأعمال أحمد عز وهشام طلعت مصطفى، وهما من أبرز رموز نظام حسني مبارك. وتعاون عز ومصطفى، اللذان جمعتهما خصومة تاريخية إبّان حُكم مبارك، من أجل إنقاذ نظام السيسي اقتصادياً، كلّ لأسبابه المتعلّقة بتحقيق أرباح مالية، ولكن أيضاً لتحصيل حماية سياسية، في ظلّ كون أوّلهما مداناً قضائياً بتهمة الفساد، وثانيهما بالتحريض على قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، قبل أن يخرج بعفو رئاسي قبل سنوات، في صفقة تضمّنت شراء أراض واسعة وتطويرها لخدمة مصالح الدولة.
وأنقذت تحويلات رجال الأعمال المصريين من الخارج، الحكومة من مأزق كبير مرتبط بالعجز عن توفير العملة الصعبة، في ظلّ تعثّر المفاوضات مع صناديق الاستثمارات الخليجية المختلفة. وبينما حاول رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، تصدير هذه التحويلات بوصفها مؤشّر ثقة من قِبل المستثمرين المصريين، فإن الواقع يقول إنها جرت بالإجبار من أجل إرجاء أيّ تحريك في سعر الصرف حتى إشعار آخر. أمّا ما تنويه الحكومة حالياً، في حال استمرار تعثّر الدعم الخليجي بالشراء والاستحواذ وفق ما تريده هي، فهو اللجوء إلى طرح حصص مفاجئة ممّا تملكه من شركات ناجحة في البورصة المصرية على المستثمرين، بما يسمح بتوفير سيولة مالية على الفور، من دون تأثّر أسهم تلك الشركات، على غرار ما حدث في «الشركة المصرية للاتصالات» قبل شهرَين، وهو ما بدأ التحضير له من خلال مناقشات مباشرة تخوضها الحكومة مع المستثمرين من أجل معرفة الشركات المفضّلة بالنسبة إليهم. ويأتي هذا فيما باتت صناديق خليجية على غرار «الصندوق الكويتي» بعيدة عن أيّ صفقات محتملة بسبب سعر الصرف، على رغم محاولة وزيرة التخطيط، هالة السعيد، التي تشغل منصب رئيس «صندوق مصر السيادي»، التعامل بديبلوماسية مع تعثر عمليات الاستحواذ، والتأكيد دائماً أن هذه الأخيرة في طور المناقشات، علماً أنه فُتحت أيضاً مفاوضات مع صناديق أوروبية في هذا المجال.
وبالعودة إلى تفاصيل الطروحات الثلاثة التي حقّقت العائد المشار إليه أعلاه، وجرى تنفيذ بعضها الشهر الجاري، استحوذ هشام طلعت مصطفى ومستثمرون أجانب على حصّة تُقدّر بـ37% من «شركة إدارة الفنادق» التي تملك وتدير 7 فنادق تاريخية في أهمّ المواقع المصرية، فيما ضخّ أحمد عز 241 مليون دولار للاستحواذ على حصة الحكومة في شركة «عز الدخيلة»، مسدّداً 40% من المبلغ بالجنيه المصري وفق الاتفاق الذي جرى إبرامه ويتضمّن شطب الشركة اختيارياً من البورصة المصرية. أمّا الظهور الخليجي الوحيد المعلَن، فقد جاء من خلال شركة «إيه دي كيو القابضة» الإماراتية المملوكة لصندوق أبو ظبي السيادي، والتي استحوذت على حصص تراوحت بين 25 و30% في شركات للبتروكيماويات، مقابل غياب بارز للاستثمارات القطرية والسعودية التي خاضت مفاوضات بشأن الاستحواذ على شركات عدّة. وبالنتيجة، بلغ إجمالي مع حصلت عليه الحكومة من عمليات البيع نحو 1.65 مليار دولار بالدولار، والباقي بالجنيه من أصل 1.9 مليار دولار.
من ضمن الشركات التي طُرحت بشكل مفاجئ في البورصة، «المصرية للاتصالات» و«باكين»
ومن ضمن الشركات التي طُرحت بشكل مفاجئ في البورصة، «المصرية للاتصالات» و«باكين»، على أن تنضمّ إليه شركات أخرى على النحو نفسه، وفق تعهّد رئيس الحكومة، لتجنّب التأثير السلبي على أسهم الشركات وتنفيذ عمليات البيع بأعلى سعر. ووفق مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن صفقات لا تزال قيد الإعداد حتى نهاية 2023، تتضمّن طرح شركة «وطنية» التابعة لـ«الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية» للبيع، فيما سيَجري اختيار واحدة من بين الشركات الثلاث الأكثر ربحية التي يديرها الجيش، واستغرق تجهيز أوراقها عدّة سنوات من أجل توفيق أوضاعها، لطرحها للبيع. وتفيد المصادر بأن الصفقة الأقرب والأسرع للتنفيذ في الوقت الحالي، هي عملية بيع مزرعة «رياح جبل الزيت»، والتي تنتج 580 ميغاوات، لـ«شركة الاستثمار المباشر البريطانية» (أكديس)، في صفقة ستوفّر 300 مليون دولار على الأقلّ، فيما ستتأجّل صفقة بيع إحدى محطّات «سيمنز» إلى بداية العام المقبل، مع تعثّر المفاوضات بشأن تفاصيل عملية البيع التي تشترط موافقة ألمانية باعتبارها الجهة المقرضة لتنفيذ المشروع، علماً أن المحطة ترغب في شرائها الشركة البريطانية نفسها.
وتلفت المصادر إلى أن «الحكومة لا تملك آليات عملية واضحة لزيادة تدفّق العملة الصعبة، علماً أنها تتطلّع إلى توفير 191 مليار دولار سنوياً بحلول 2026، عبر زيادة سنوية بـ70 مليار دولار اعتماداً على زيادة إيرادات الصادرات والسياحية بمقدار 20% سنوياً، وزيادة تحويلات المصريين في الخارج بمقدار 10% سنوياً، بالإضافة إلى زيادة عائدات قناة السويس». ووفق مراقبين، فإن أهداف الحكومة تُعتبر أقرب إلى خطط نظرية لا تراعي الاضطرابات التي تتكرّر بين الحين والآخر في القطاع السياحي، فيما تعتمد تقديراتها على أعلى معدلات محقّقة خلال العام الجاري. ومن ضمن الأهداف الموضوعة أيضاً، الحصول على 3 مليارات دولار عبر إصدار السندات بأشكالها المختلفة، بينما باتت المراجعة الخاصة بقرض «صندوق النقد الدولي» مؤجَّلة حتى إشعار آخر بسبب عدم تنفيذ الحكومة غالبية ما جرى الاتفاق عليه من توصيات.