صباح نعوش- البيت الخليجي-
مقارنة بالصناديق السيادية الأخرى، نجد أن لصندوق الاستثمارات العامة في السعودية خصوصيات ترتبط بكيفية عمله وبأهمية الاقتصادية. من أهم سمات هذا الصندوق هو سعي الدولة إلى زيادة أصوله ليصبح أكبر صندوق سيادي في العالم، وعندئذ ستتصاعد إيراداته، لكن الملاحظ هو أن طريقة هذه الزيادة لن تقود إلى ارتفاع إيرادات الدولة.
يمكن استخلاص خصوصيات الصندوق السعودي عن طريق المقارنات الاقتصادية والقانونية مع الصناديق الأخرى. ونسلط الضوء هنا على نموذجين من نماذج الصناديق السيادية في الخليج.
الهيئة العامة للاستثمار: أسست الكويت أول صندوق سيادي في العالم. تبلغ أصول الصندوق الحالية 750 مليار دولار أي ما يعادل أربعة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي، في حين لا تتعدى أصول الصندوق السعودي ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي. يحتل الصندوق الكويتي المرتبة العالمية الخامسة والعربية الثانية مباشرة بعد صندوق أبوظبي للاستثمار. ويقع الصندوق السعودي في المرتبة العالمية السابعة والثالثة عربيًا. الصندوق الكويتي مخصص للأجيال القادمة ولا يوجد مثل هذا التخصيص في السعودية.
في هذا الإطار يبرز فرق جوهري يتعلق بصلاحية الحكومة في التصرف بأموال الصندوق. قبل 2020 كانت ميزانية الكويت ترصد على الأقل 10% من إيراداتها السنوية الكلية لتمويل الصندوق حتى في حالة عجزها، ولا يجوز السحب منه، لذلك يقول الكويتيون بأن صندوقهم (يأخذ ولا يعطي). اعتباراً من هذا التاريخ وبسبب تداعيات كورونا صدر القانون رقم 18 الذي ألغى تلك النسبة فأصبح تمويل الصندوق يخضع لشروط محددة في مقدمتها فائض الميزانية وحالة الاحتياطي النقدي، أما السحب منه لصالح الميزانية فلا يزال ممنوعًا.
الصندوق السعودي لا يعرف مثل هذه القيود. تتمتع الحكومة بصلاحية زيادة أصوله أو السحب منها وفق ما تشاء وحسب الضوابط التي تحددها، ولها أيضاً التصرف بأرباحه، ولا توجد في رؤية السعودية أية ضوابط تحد من هذه الصلاحية.
جهاز الاستثمار العماني: هنالك تشابه بين السعودية وعمان في كيفية زيادة الأصول. ففي السعودية تجري الزيادة بالدرجة الأولى عن طريق التحويلات الحكومية. تتحقق الزيادة في عمان عبر دمج صندوق الاحتياطي العام وصندوق عمان للاستثمار وشركة نفط عمان، إضافة إلى شركات أخرى تابعة لوزارة المالية في صندوق واحد، وهو جهاز الاستثمار العماني (المرسوم رقم 61 لسنة 2020). تهدف عملية الدمج إلى تقليص المصروفات الإدارية، فترتفع الأرباح الصافية وتتحسن بالتالي الإيرادات غير النفطية، لكن هذا التحسن لم يقد إلى تحقيق هدف “خطة التوازن المالي متوسطة المدى 2020-2024” التي تنص على استهداف إيرادات غير نفطية بنسبة 35% من الإيرادات الكلية، في حين تقل النسبة في ميزانية السنة الجارية عن 29%.
الأهمية الاقتصادية
تختلف البلدان من حيث حجمها الاقتصادي وعدد سكانها. وبالتالي، تتباين أهمية صناديقها السيادية وفق هذين المؤشرين. تبلغ أصول صندوق الاستثمارات العامة السعودي 76% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 13% في الصين و173% في سنغافورة و284% في النرويج و370% في أبو ظبي و407% في الكويت.
أما حصة الفرد الواحد من أصول الصندوق أي حاصل قسمة الأصول على عدد السكان فتبلغ 20 ألف دولار في السعودية، مقابل أقل من ألفي دولار في الصين و126 ألف دولار في سنغافورة و176 ألف دولار في الكويت و253 ألف دولار في النرويج و588 ألف دولار في أبو ظبي.
نستنتج من هذه المقارنة بأن الأهمية الاقتصادية للصندوق السعودي تبدو أقل من الأهمية الاقتصادية لصناديق البلدان الأخرى المذكورة أعلاه باستثناء الصين. فمن مجموع ست دول تملك أكبر الصناديق السيادية في العالم تحتل السعودية المركز الخامس. ورغم ذلك، يلعب الصندوق السعودي دوراً مالياً مهمًا.
أصول الصندوق
قررت الرياض رفع أصول صندوق الاستثمارات العامة، وبالتالي سيزداد دوره في المالية العامة وبالتالي في الاقتصاد برمته. لذلك، نصت رؤية السعودية على زيادة أصوله لتصل إلى سبعة ترليونات ريال في 2030.
في الآونة الأخيرة، أجري تعديل على هذا الحجم فقد صرح القائمون على الصندوق بأن أصوله ستصل إلى عشرة ترليونات ريال (2666 مليار دولار) بحلول عام 2030.
في 2015 (قبل الرؤية بسنة واحدة) كانت أصول الصندوق 152 مليار دولار، ثم ازدادت تدريجياً فبلغت 360 مليار دولار في 2018 و650 مليار دولار في 2023. أما إذا وصلت إلى الهدف المنشود في عام 2030 فسوف يصبح حسب الرؤية أكبر صندوق سيادي في العالم. تفترض الرؤية عدم زيادة أصول الصناديق الأخرى، وهذا افتراض غير دقيق.
في الوقت الحاضر يحتل صندوق الاستثمارات العامة المرتبة العالمية السابعة (تعود المرتبة الأولى ومنذ عدة سنوات للصندوق النرويجي)، وتمتلك الصين صندوقين: أصول الأول 1350 مليار دولار وأصول الثاني 1019 مليار دولار.
السؤال: كيف حصلت زيادة أصول الصندوق السعودي لتصل حالياً إلى 650 مليار دولار، ومن أين سيجد الأموال لزيادتها إلى 2666 مليار دولار في 2030؟
يحصل الصندوق عادة على الأموال من ثلاثة مصادر: التحويلات الحكومية والجزء السنوي من أرباحه والقروض، وتستحوذ التحويلات الحكومية على القدر الأكبر من مصادره. في عام 2021 بلغت أرباح الصندوق الصافية 22.8 مليار دولار، خُصص قسط منها للصندوق والقسط الآخر لميزانية الدولة. بطبيعة الحال لا يستفيد الصندوق من هذا المصدر في حالة الخسارة كما حدث في 2022 عندما سجل خسارة قدرها 11 مليار دولار.
في نوفمبر 2022، لجأ الصندوق إلى اقتراض 17 مليار دولار من المصارف تم استخدامها لزيادة أصوله ولسداد ديون قديمة ناجمة عن قروض عُقدت في 2018، وبالمقابل حولت الحكومة خلال النصف الأول من العام الجاري 160 مليار دولار للصندوق في دفعتين.
للإجابة على الشطر الأول من السؤال المطروح أعلاه وعند الرجوع إلى بيانات معهد صناديق الثروة السيادية نلاحظ أن هنالك صندوقين للسعودية في عام 2018 هما صندوق الاستثمارات العامة بقيمة 360 مليار دولار وصندوق الأصول الأجنبية لمؤسسة ساما (النقد العربي السعودي وهو البنك المركزي) بقيمة 515 مليار دولار. وفي 2023 ارتفعت أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى 650 مليار دولار كما رأينا واختفى ساما تماماً من بيانات المعهد، ما يعني أنه يوجد في السعودية حالياً صندوق سيادي واحد فقط. وهذا يعني أن الأصول الأجنبية لساما دُمجت بأصول صندوق الاستثمارات العامة. وعلى هذا الأساس فأن ارتفاع أصول هذا الصندوق سوف لن تقود إلى زيادة إيرادات الدولة لأن أرباح ساما أصبحت تتأتى من الصندوق.
أما عن كيفية بلوغ 2666 مليار دولار فنجدها في رؤية السعودية 2030 التي تنص صراحة على أن صندوق الاستثمارات العامة سيصبح أكبر صندوق في العالم بعد نقل ملكية ارامكو إليه. وتجدر الملاحظة إلى أن التحويلات الحكومية البالغة 160 مليار دولار المشار إليها آنفاً تمثل نقل 8% من أصول آرامكو للصندوق. ولما كانت أنشطة ارامكو نفطية بالدرجة الأولى فإن إيراداتها نفطية، في حين أن الحكمة من زيادة أصول الصندوق هي الحصول على إيرادات غير نفطية.
بالنتيجة النهائية سوف تحقق رؤية السعودية 2030 هدفها بزيادة أصول الصندوق عن طريق التحويلات الحكومية. قبالة ذلك، لن تتحسن إيرادات الدولة لأن زيادة الأرباح التي سيسجلها صندوق الاستثمارات العامة هي في الواقع مجموع الأرباح التي كان يحققها الصندوق وساما وارامكو كل على حدا.