طه العاني - الخليج أونلاين-
تشهد العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية والمملكة المغربية تطوراً ملحوظاً على مر السنوات، حيث يتعزز التعاون الثنائي في مختلف القطاعات.
وتأتي هذه التطورات في إطار التوجهات الاقتصادية والتجارية للبلدين، حيث يسعى كل منهما إلى تعزيز الاستثمارات المتبادلة وتوسيع فرص التجارة.
تعزيز التبادل التجاري
يشكل التعاون الاقتصادي بين السعودية والمغرب ركيزة أساسية لتعزيز التنمية المستدامة وتحقيق التقدم الاستثماري في المنطقة، ويُظهر التواصل المستمر بين البلدين رغبتهما في بناء شراكات استراتيجية تعزز التكامل الاقتصادي وتقوي الروابط بين الشعبين.
وتتمتع المملكة المغربية بدور بارز كشريك اقتصادي رئيسي للسعودية في منطقة شمال أفريقيا، إلى جانب العلاقات السياسية والدبلوماسية القوية التي تربط الرباط والرياض.
وشهدت التجارة بين البلدين تقدماً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت قيمة التبادل التجاري بنسبة تقارب 223% في العام 2022، قبل أن تسجل حوالي 5.7 مليارات دولار في العام 2023، مما يعزز مكانة الدولتين بوصفهما شريكين مهمين في التنمية الاقتصادية.
وفي هذا السياق، انعقد ملتقى الأعمال السعودي-المغربي في العاصمة السعودية الرياض، في 21 يناير الجاري، برئاسة رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب ورئيس اتحاد الغرف السعودية.
وشهد الاجتماع مشاركة أكثر من 250 رجل أعمال من البلدين، حيث تم التركيز على مناقشة سبل تعزيز وتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين السعودية والمغرب.
وتناول الاجتماع أيضاً تعزيز الشراكة الاقتصادية بين القطاعين الخاصين في كلتا الدولتين، مع التركيز على القطاعات الصناعية والسياحية والطاقات المتجددة، فيما يعكس هذا اللقاء الجهود المبذولة لتعزيز التعاون وتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين في عدة مجالات حيوية.
من جهته، دعا خالد بن جلون، رئيس مجلس الأعمال المغربي- السعودي، في كلمة له على هامش انعقاد الملتقى، إلى "إنشاء صندوق استثماري مشترك بين البلدين وتسهيل حركة التجارة بينهما".
وكانت الرياض قد عبّرت عن رغبتها في إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع الرباط، حيث وقعت العاصمتان عدداً من الاتفاقيات بهدف رفع التبادل التجاري بينهما على غرار اتفاقية الاعتراف المتبادل بشهادات المنتجات الغذائية "الحلال" وغيرها.
ويؤكد رئيس اتحاد الغرف السعودية، حسن الحويزي، خلال كلمته في الملتقى، أن "تعاملات المملكة التجارية مع المغرب أقل من المأمول وتمثل 1% من تجارتها الخارجية".
أما رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب العلج، فيعتبر أن تكامل اقتصاد البلدين يتيح فرصاً وشراكات استثمارية كبيرة، مشيراً إلى أن 250 شركة سعودية تستثمر بالمغرب و20 شركة مغربية في المملكة.
حزمة مبادرات
اتفق ممثلو القطاع الخاص في السعودية والمغرب خلال فعاليات الملتقى على خطة عمل مشتركة وسلسلة من المبادرات، بهدف تعزيز وتعميق مستويات التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين.
تلك الخطوات تعكس التزام القطاع الخاص في كلا البلدين بتعزيز الروابط الاقتصادية وتطوير الشراكات التجارية المثمرة، وتأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية التي تشهد تطوراً ملحوظاً خلال الفترة الحالية.
تضمنت الاتفاقات الحالية تفعيل مشاريع خط النقل البحري المباشر وإنشاء صندوق استثماري مشترك، بهدف تعزيز التكامل والتعاون الاقتصادي بين الرياض والرباط.
كما تم تعزيز الدعم للشركات السعودية للوصول إلى الأسواق الأفريقية والأوروبية، وتشجيع نشاط الوفود التجارية والمعارض بين البلدين، مع التركيز على تبادل المعلومات حول الفرص والأسواق المستقبلية.
بالإضافة إلى ذلك، يعزز تسريع وتيرة مشاركة الشركات المغربية في مشاريع رؤية السعودية 2030، لتحقيق فوائد متبادلة وتعزيز التنمية الاقتصادية لكلا البلدين.
ويؤكد الكاتب والصحفي، بدر العتيبي، أن العلاقات الثنائية بين السعودية والمغرب تتميز بقوة الروابط التاريخية بين قيادتي وشعبي البلدين، وبالتعاون المثمر في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.
وفي حديثه مع "الخليج أونلاين" يرى أن هذه المبادرات ذات أهمية كبيرة لتعزيز هذه العلاقات وتطويرها، لكي ترتقي إلى تطلعات القيادة والشعبين الشقيقين، لا سيما أن التبادل التجاري بين البلدين لا يزال دون الطموحات رغم نموه المستمر.
ويلفت العتيبي إلى أن إنشاء صندوق استثماري مشترك بين السعودية والمغرب يعد ضرورياً لدعم التعاون الاقتصادي والتجاري، وفرصة للاستفادة من التكامل والتنوع الاقتصادي بينهما، وتشجيع الشراكات بين القطاع الخاص والمبادرات الابتكارية في القطاعات الاستراتيجية، مثل الطاقة والسيارات والبناء والسياحة والغذاء والنسيج.
ويبيّن أن الخط البحري التجاري المشترك يعمل على تسهيل وتنشيط حركة النقل والتجارة بين البلدين عبر البحر الأحمر والمحيط الأطلسي، بتقليل التكاليف والمخاطر المرتبطة بنقل البضائع والسلع بين البلدين، وهو ما يؤدي إلى رفع حجم التبادل التجاري.
علاقات متميزة
تُعد العلاقات بين السعودية والمغرب من بين أكثر العلاقات العربية استقراراً وتميزاً، حيث تقوم على مبادئ أساسية تشمل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولتين.
ويتجلى هذا الاستقرار في التفاهم المتبادل بين البلدين وتعاونهما في مختلف المجالات، على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وشهد العام 2023 تطوراً ملموساً في العلاقات السعودية المغربية عبر مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وأبرز هذا التطور أهمية التبادل المكثف والبناء المشترك، حيث شهدنا سلسلة من الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الحكوميين وممثلي القطاع الخاص، مما ساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين وتعميق التفاهم المتبادل.
وحول أهمية هذه العلاقات المشتركة في ظل أزمة الإمدادات العالمية والأزمة الاقتصادية عموماً، يعتقد العتيبي أن تفعيل الخط البحري التجاري المشترك بين السعودية والمغرب ذو أهمية بالغة في تنويع مصادر الإمدادات والاستقلال عن الأسواق العالمية المضطربة، وتأمين الاحتياجات الأساسية من الغذاء والطاقة والمواد الأولية من خلال تسهيل حركة البضائع عبر هذا الخط التجاري.
ويشير إلى أن ذلك يحدّ من الأزمات الاقتصادية ويعزز التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة بين البلدين، ويحقق الاستفادة المتبادلة من المشاريع الاستثمارية المشتركة.
ويؤكد العتيبي أن هذه الخطوات المهمة تنعكس اقتصادياً عبر زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، وتنويع السلع والخدمات المتبادلة، إضافة إلى تشجيع الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، وكذا توفير فرص عمل ونمو اقتصادي، وتحقيق التكامل الإنتاجي.
وعلى الجانب السياسي، يلفت العتيبي إلى أن العلاقات الثنائية بين المملكتين تتميز بعمقها وبمتانة أواصر الأخوة بين القيادتين، وسوف تمنح هذه المبادرات العلاقات السياسية والاستراتيجية بين البلدين مزيداً من القوة وتنسيق المواقف والمصالح في القضايا الإقليمية والدولية، وتعميق التعاون في جميع المجالات.