متابعات-
بعد قصة تأسيس ونجاح عملاقة تعود لعقود طويلة مضت وعراقيل وأزمات تاريخية عاشتها إحدى أكبر شركات المقاولات بالعالم، عادت مجموعة "بن لادن" السعودية لتحاول التعافي من الخسائر الهائلة التي تكبدتها خلال السنوات الماضية.
وبالتزامن مع هذه المساعي وتماشياً مع التحولات الاقتصادية بالمملكة يسعى صندوق الاستثمارات العامة للاستحواذ على حصة في مجموعة "بن لادن"، ما قد يساهم بسرعة تعافي عملاق المقاولات السعودي.
صفقة محتملة
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية عن أشخاص مطلعين، في 22 فبراير الجاري، أن الصندوق السعودي يعمل مع بنك "مورغان ستانلي" بشأن صفقة محتملة لشراء حصة في مجموعة بن لادن السعودية.
والصندوق، الذي تبلغ ميزانيته 700 مليار دولار، يفكر في الحصول على جزء أو كل حصة وزارة المالية السعودية التي تبلغ 36٪، وفقاً لمصادر الوكالة.
وتأتي الصفقة في وقت تسعى مجموعة "بن لادن" إلى التعافي من سنوات من الخسائر وتقليص ديون بمليارات الدولارات.
ويلعب صندوق الاستثمارات العامة دوراً كبيراً بشكل متزايد لمساعدة اقتصاد السعودية على التحول بعيداً عن النفط، ويشرف على العديد من المشاريع الضخمة مثل مدينة نيوم المستقبلية، التي تبلغ تكلفة إنشائها 500 مليار دولار، وتطوير السياحة الفاخرة على البحر الأحمر.
ومع هذه الخطوة يبدو أن الصندوق يسعى لتحويل المجموعة إلى "بطل وطني" مرة أخرى قادرة على بناء المشاريع التي تعد مفتاحاً في مشاريع الإصلاح الاقتصادي لولي العهد محمد بن سلمان.
حكاية التأسيس
ولكن ما قصة تأسيس مجموعة "بن لادن" التي كانت في يوم ما أكبر شركة مقاولات بالعالم؟
أُسست الشركة في عام 1931 في عهد الملك عبد العزيز آل سعود على يد محمد بن لادن، وتفتخر الشركة بإرث غني متشابك بعمق مع التنمية في السعودية.
وفي عام 1989 أُسست مجموعة "بن لادن" تحت قيادة سالم محمد بن لادن، لتتوسع أعمال الشركة وتشمل الطرق والمنشآت المتنوعة والمشاريع الحيوية، بحسب موقع الشركة على الإنترنت.
كما تضم المجموعة العديد من الفروع في جميع أنحاء العالم، وهو ما عزز مكانتها كشركة رائدة للإنشاءات في الشرق الأوسط، وهي تعد ثاني أكبر شركة للمقاولات في العالم بعد (Vinci Construction) الفرنسية.
ومنذ تأسيسها اعتبرت الشركة من بين المقاولين المفضلين للحكومة السعودية، والأكثر قدرة على تنفيذ المشاريع العملاقة والحساسة، مثل مشاريع الدفاع والأمن.
ومن بين أبرز المشاريع التي نفذتها الشركة التوسعة التاريخية للحرمين الشريفين التي امتدت منذ عهد الملك عبد العزيز آل سعود إلى عهد الملك سلمان بن عبد العزيز.
وخلال أكثر من ثمانين عاماً على تأسيسها، نفذت الشركة العديد من المشاريع، حيث تشمل محفظتها مطار الملك عبد العزيز الدولي، وجامعة الملك سعود، وبرج الفيصلية، ومشروع وقف الملك عبد العزيز آل سعود، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا.
أما عالمياً فتشمل مشاريع الشركة فندق الفور سيزونز في الأردن، والجامعة الأميركية بالشارقة، ومطار كوالالمبور في ماليزيا، ومطار القاهرة، ومطار شرم الشيخ، ومطار الشارقة الدولي.
ووقعت الشركة عقداً بمليار ومئتين وثلاثين مليون دولار لبناء برج المملكة، أطول برج في العالم في جدة.
كما وقعت عقداً بثلاثة مليارات و400 مليون دولار لبناء مترو الدوحة.
رياح معاكسة
ومع ذلك، واجهت الشركة رياحاً معاكسة في السنوات الأخيرة، إذ أدت الصعوبات المالية الناجمة عن تأخير المشاريع وإلغائها، إلى جانب تداعيات ارتباطها بزعيم تنظيم "القاعدة" الراحل أسامة بن لادن، إلى انخفاض العقود الدولية وتحديات السمعة.
وكانت أول هذه الصعوبات في أيلول 2015 عندما انهارت رافعة بناء تابعة لمجموعة "بن لادن" في الحرم المكي، ما أدى لسقوط 107 قتلى قبل بدء شعائر الحج مباشرة.
وأخذت الحكومة قرارات ضد المجموعة، فمنعتها من الحصول على عقود جديدة من الدولة، ومنعت أعضاء مجلس إدارتها وكبار المسؤولين التنفيذيين فيها من السفر للخارج.
كما أمرت وزارة المالية بمراجعة المشروعات الجارية التي تنفذها المجموعة استناداً إلى أوجه قصور غير محددة.
ومع نضوب مدفوعات الدولة لمجموعة بن لادن تدهورت أوضاعها المالية وتوقفت عن سداد مستحقات عشرات الآلاف من العاملين بها، وهو ما أدى إلى حدوث احتجاجات.
وبحلول منتصف العام 2016 كان جانب كبير من الأعمال الإنشائية التي تتولى المجموعة تنفيذها قد توقف، ومن بينها مشروعات أساسية في خطط الإصلاح التي طرحها الأمير محمد بن سلمان.
وبعد 8 سنوات على القضية أغلقتها المحكمة العليا السعودية نهائياً وصدقت على أحكام من بينها إدانة مجموعة "بن لادن" بالإهمال والتقصير، وعدم اتخاذ مسؤولي السلامة ومديري مشروع توسعة المطاف بالمسجد الحرام ما يجب عليهم من الحيطة والحذر، وتغريمها 20 مليون ريال (5.3 ملايين دولار).
كما أدين 8 من المديرين ورؤساء الأقسام والتنفيذيين والمهندسين بالسجن 3 سنوات.
وخلال السنوات الماضية كذلك واجهت الشركة رياح جائحة كورونا العاصفة، وحملة مكافحة الفساد التي شنها الأمير محمد بن سلمان في العام 2017.
وانتهت قضية الفساد في أبريل 2018، بعد توافق بين أسرة بن لادن والحكومة.
وتضمن هذا التوافق نقل ملكية 36.2٪ من أسهم المجموعة إلى شركة استدامة القابضة التابعة لوزارة المالية السعودية.
كما شكلت الحكومة لجنة من خمسة أعضاء للإشراف على إدارة مجموعة بن لادن وإعادة هيكلتها.
نحو التعافي
وبعد هذه الرحلة الطويلة في حياة الشركة بدأت تحاول التعافي من كل ذلك، فيما يسعى صندوق الاستثمارات العامة لاستثمار تاريخها للمساهمة في تحقيق رؤية المملكة لتنويع اقتصادها والانتقال لمرحلة ما بعد النفط.
وتشير "بلومبيرغ" إلى أن مجموعة "بن لادن" يمكن أن تكون لاعباً في خطط المملكة لاستضافة الأحداث مثل معرض (World Expo) في عام 2030، وكأس العالم لـ2034، والتي ستتطلب استثمارات في البنية التحتية الضخمة.
وحول أهمية هذه الخطوة وانعكاساتها على اقتصاد المملكة، يقول المحلل الاقتصادي منير سيف الدين: إن "المجموعة ستلعب دوراً مهماً في تنفيذ مشاريع رؤية 2030، مثل نيوم والبحر الأحمر، مما يخلق فرصاً جديدة للقطاع الخاص".
ويضيف الخبير الاقتصادي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "من خلال الاستثمار في مجموعة بن لادن يهدف صندوق الاستثمارات العامة إلى تعزيز قدراتها المالية والفنية، مما سيساعدها على العودة للتنافس بقوة على المستوى الدولي وجذب المزيد من المشاريع المحلية والإقليمية والعالمية".
ويتابع: "قد يشجع الاستحواذ المستثمرين الأجانب على ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد السعودي، وسيساهم ذلك في زيادة الناتج المحلي الإجمالي وخلق بيئة استثمارية أكثر جاذبية".
ورأى أن هذا الاستحواذ سيساعد على تعزيز القوة التنافسية للمملكة في مجال البناء والتشييد على المستوى الدولي؛ فإحياء عملاق المقاولات العالمي سيعني أن تصبح السعودية مركزاً إقليمياً رائداً في هذا المجال.
ويعتقد الخبير الاقتصادي أن الاستحواذ المحتمل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصة في مجموعة بن لادن خطوة مهمة يمكن أن تفتح أسواقاً وشراكات جديدة تعزز قدرة المجموعة وتنعشها وتحقق لها الاستقرار المالي الذي غاب سنوات طويلة عنها مؤخراً.