(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
في فبراير/ شباط الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الإمارات العربية المتحدة ستضخ "35 مليار دولار استثمارات مباشرة" في غضون شهرين في مصر، عبر مشروع لتنمية مدينة رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط، ووصفت وسائل الإعلام المحايدة هذا المشروع بوصف متّفق عليه، وهو أنه مشروع مثير للجدل بسبب المساحة وشروط الشراكة وعلاقتها بالسيادة، وبسبب الطبيعة الاستراتيجية للمنطقة.
ومؤخرًا، اهتمّت وسائل الإعلام بما نشره عالم الفضاء المصري الأمريكي الباحث في وكالة ناسا، عصام حجي، والذي قال إن الإمارات تعد منطقة رأس الحكمة التي اشترتها من مصر لتكون منطقة تجارية وميناءً تابعًا لها على البحر المتوسط، مثل مستعمرة جبل طارق البريطانية في إسبانيا، مؤكّدًا على حسابه الرسمي في منصة إكس: "لا يعرف أغلبنا الكثير عن رأس الحكمة ويعتقد البعض أنها مجرد منطقة ساحلية مثل بقية المصايف التي لا قيمة استراتيجية لها ..لكن بنظرة متأنية للخصائص الطبيعية لمنطقة رأس الحكمة، فإن من الواضح أنه مخطط لها أن تكون منطقة تجارية وميناء استراتيجيا على غرار جبل علي في الإمارات أو مستعمرة جبل طارق البريطانية في إسبانيا.. والميناء الجديد سيكون منطقة بحرية تنافس ميناء الإسكندرية وتصبح نقطة محورية في طريق الملاحة من وإلى قناة السويس".
ومن المعلن رسميًا أن المشروع سيتضمن بناء فنادق ومشروعات ترفيهية، ومنتجعات سياحية ومنطقة للمال والأعمال، وإنشاء مطار دولي جنوب المدينة، وفق رئيس الوزراء المصري.
لكن العديد من المراقبين ربطوا بين هذا المشروع، وبين دراسات وتقارير أخرى رصدت نشر دولة الإمارات لقواعد عسكرية في ثمانية بلدان لكسب النفوذ والتوسع، لا سيما في منطقة البحر الأحمر.
ومن أبرز هذه الدراسات، دراسة مركز "كارنيغي" للسلام الدولي، حيث رصدت إنشاء الإمارات منذ منتصف 2010، قواعد عسكرية في كل من اليمن وإريتريا وأرض الصومال وبونتلاند (أرض البنط) والصومال، وتشاد وليبيا ومصر.
وجاء ملف السيادة المصرية على رأس الانتقادات، حيث أثار منح مصر للإمارات ميناء ومطارا ومنطقة حرة في مشروع رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط عددًا من التساؤلات بخصوص طبيعة العلاقة بين الدولتين، وتأثير ذلك على السيادة الوطنية لمصر. ومن أبرز المخاوف الاستراتيجية، أن هذا المشروع يمنح دولة الإمارات مساحة ضخمة أكبر من مساحة العديد من الإمارات السبع خارج أراضيها، وبالتالي فإن حجم المشروع يثير الريبة، حيث يُعد مشروع رأس الحكمة من أكبر المشاريع الاستثمارية في مصر، فهو يُغطي مساحة 20 ألف فدان، ويُتوقع أن يُقام عليه ميناء ومطار ومنطقة حرة، بالإضافة إلى فنادق ومراكز تجارية ومساكن.
كذلك تثير الإمتيازات الممنوحة التساؤلات أيضًا، حيث تمنح الاتفاقية الإمارات امتيازات واسعة، مثل الإعفاء من بعض الضرائب والرسوم، والحصول على تراخيص سريعة، وإمكانية إنشاء محاكم خاصة لحل النزاعات.
كما تُشير بعض التقارير إلى أن الاتفاقية تمنح للمستثمرين الإماراتيين حصانة أمنية خاصة، ما يعني عدم خضوعهم للقوانين المصرية في بعض الحالات. لذلك يرى المتخوفون على السيادة والأمن القومي في مصر أن هذه الامتيازات والحصانة تُشكل تهديدًا للسيادة المصرية، وتخلق دويلة داخل دولة لا تخضع للقوانين المصرية.
وربما لخّص الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، سعيد عفيفي، الكثير من المخاوف في مداخلة صحفية قال خلالها إن "السيطرة على مشروع أرض رأس الحكمة وعلى بحرها ستكون لدولة أجنبية، ومفهوم الدولة الأجنبية في الدستور المصري وفي التعريف السياسي هو أي دولة أو سلطة أخرى لها قوانين ودستور خاص بها، وبالتالي، فإن دولة الإمارات تعتبر بهذا المفهوم دولة أجنبية، ومن شأن الامتيازات الحصرية التي سوف يحصل عليها مشروع رأس الحكمة والتابع لدولة الإمارات مثل منطقة حرة وميناء ومطار يجعلها صاحبة نفوذ وسيطرة، ولا يمكن منع أي سفينة أو يخت أو مركب من دخول مياه مصر الإقليمية، والتي ستأتي تحت ستار السياحة وإن كانت غير ذلك، فلا يمكن منعها وإلا ستكون قد منعت الشركة أو الدولة صاحبة الامتياز من الاستفادة من المشروع". وبالتالي، فإن منح أي دولة، أيًا كانت، سيادة مطلقة على جزء من أراضي البلاد خاصة الساحلية هو اختراق مباشر للأمن القومي.
ينضم مشروع رأس الحكمة لمشروعات سابقة مثيرة للجدل، وهو جدل يصاحب دوما المشروعات الإماراتية في الخارج، وينضم لجدل مثار حول السيادة المصرية بسبب سيطرة الإمارات تحديدا على قطاعات سيادية مصرية وذات صلة مباشرة بالأمن القومي، مثل قطاعات الدواء والاتصالات والنقل البحري والموانئ، وهو ما يضر العلاقات ولا يفيدها، حيث يثار دائمًا القلق والتساؤل عن إمكانية مساعدة ذلك للإمارات في التدخل في الشأن السياسي المصري، وما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد للأمن القومي المصري.