طه العاني - الخليج أونلاين-
حققت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة قفزات نوعية بتحسين بيئة الأعمال والاستثمار، وذلك من خلال تطوير منظومة القوانين والتشريعات الاقتصادية.
شملت هذه التحديثات تحسينات في إجراءات تأسيس الشركات وتسهيل الحصول على التراخيص اللازمة، مما يقلل من التعقيدات الإدارية ويزيد من سهولة ممارسة الأعمال في المملكة.
نظام جديد
وفي إطار جهودها لتعزيز تدفق الاستثمارات الأجنبية وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، أطلقت السعودية نظاماً جديداً للاستثمار.
هذا النظام المعدل، الذي يحل محل النظام السابق للاستثمار الأجنبي، يهدف إلى توفير حماية أفضل للأموال المستثمرة من المصادرة ونزع الملكية، فضلاً عن تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية.
وذكرت صحيفة "الاقتصادية"، في 11 أغسطس الجاري، أن نظام الاستثمار الجديد في السعودية، المقرر دخوله حيز التنفيذ في بداية عام 2025، يساهم في تعزيز جاذبية المملكة للاستثمارات الأجنبية والمحلية من خلال إصلاحات قانونية وتشريعية.
وتسعى الرياض إلى تحقيق تدفقات استثمارية تصل إلى 29 مليار دولار في عام 2024، وتطمح إلى جذب أكثر من 100 مليار دولار سنوياً من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بحلول عام 2030، وفق الصحيفة.
ووفقاً لبيان صدر عن وزارة الاستثمار، فإن النظام الجديد الذي أقرّه مجلس الوزراء السعودي يُعزز حقوق المستثمرين من خلال ضمان سيادة القانون، وتقديم معاملة عادلة، وتأمين حرية تحويل الأموال دون تأخير.
من جهته قال وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح: "إن موافقة مجلس الوزراء السعودي على نظام الاستثمار يعد امتداداً للعديد من الإجراءات التطويرية التي اتخذتها السعودية"، مؤكداً التزامها بتوفير بيئة جاذبة وداعمة وآمنة للمستثمرين المحليين والأجانب، وأن النظام ولوائحه التنفيذية ستدخل حيز النفاذ مطلع 2025.
بدوره، قال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في تدوينة على منصة "X"، إن نظام الاستثمار المحدث خطوة مهمة لتعزيز فرص استثمار القطاع الخاص وتعزيز النمو نحو اقتصاد أكثر تنافسية في ظل رؤية السعودية 2030.
ومن بين أبرز مميزاته تعزيز الشفافية وحماية المستثمرين، وتقديم مزايا تحفيزية تشمل تسهيلات ضريبية وإدارية.
عوائد اقتصادية
ويقول الكاتب والمحلل الاقتصادي سعيد خليل العبسي، إن السعودية تواصل جهودها في تحسين البيئة الاستثمارية، وتحديث الإجراءات وتطويرها ومكننتها؛ من أجل تنويع إيراداتها غير النفطية.
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن من أمثلة هذه الجهود طرح مشاريع جاهزة بكامل تراخيصها للمستثمرين، ومنح العديد من المزايا الضريبية، وتوسيع رقعة المشاريع التي يمكن للمستثمر الأجنبي الاستثمار فيها.
وبيّن العبسي أنه رغم كل ما تطرحه المملكة من مزايا وحوافز، فإنها تعمل على الدوام في توفير وتطوير التشريعات والقوانين الضامنة والمطمئنة للمستثمرين للقدوم والاستثمار في مختلف المشاريع التي يرغب بها.
وأكد أن التحديث تضمن أن من حق المستثمر المحلي والأجنبي اللجوء للقضاء المختص، لما قد يواجهه من معوقات، وكذلك التأكيد مجدداً على الحماية الفكرية والعلامات التجارية، وحرية التصرف بالاستثمار أو تحويل عائداته وحتى رأسماله إلى أية جهة يرغب بكل سهولة.
ويرى العبسي أن هذه التحسينات للبيئة الاستثمارية ستأتي بنتائج وعوائد اقتصادية كبرى على صعيد جذب الاستثمارات الأجنبية، وتطوير العديد من القطاعات، وتعزيز حقوق المستثمرين بمختلف القطاعات وخلق فرص وظيفية جديدة.
تحديثات وإصلاحات
شمل النظام المعدل تعديلات جوهرية تهدف إلى تحسين المناخ الاستثماري وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ومن أبرز التغييرات التي أدخلها النظام المحدث، هو تعريفه للمستثمر، إذ كان النظام السابق يقتصر على تنظيم أحكام المستثمرين الأجانب فقط.
كما طرأت تعديلات هامة على مفهوم رأس المال في النظام المحدث، وأصبح هذا المفهوم أكثر دقة وشمولية، واستثنى القروض والسندات والصكوك التمويلية من تعريف رأس المال، مما يعني أن الاستثمارات في هذه الأدوات لا تخضع لنطاق النظام المحدث.
وأدخل أيضاً مفهوم المحفزات الاستثمارية، حيث يمنح النظام الجديد الإمكانية لمنح حوافز خاصة للمستثمرين وفقاً لضوابط وإجراءات محددة، هذه المحفزات تهدف إلى تشجيع الاستثمارات في قطاعات معينة.
أضاف النظام حماية قوية لحقوق الملكية الفكرية والمعلومات التجارية السرية، وضمن حرية تحويل الأموال داخل المملكة وخارجها دون تأخير، بالإضافة إلى حرية إدارة الاستثمارات والتصرف بها وفقاً للقوانين المعمول بها.
وعملت المملكة على تعزيز ثقة المستثمرين من خلال إدراج سلسلة من الإصلاحات وتحديث العديد من القوانين وتوفير آليات فعالة لحل النزاعات، حيث أنشأت مناطق اقتصادية خاصة تهدف إلى توفير مزايا وتسهيلات حصرية للمستثمرين في قطاعات محددة.
بدوره أوضح وزير الاستثمار أن سعي السعودية لتعزيز جاذبية البيئة الاستثمارية وزيادة تنافسيتها، خصوصاً فيما يتعلق بالأنظمة والتشريعات، يستند إلى المبادئ الاقتصادية التي أكد عليها النظام الأساسي للحكم.
وفي إطار الالتزام بمبادئ وسياسات الاستثمار المعتمدة عالمياً، ذكر الوزير أنه قد تم النظر في تحديث نظام الاستثمار الأجنبي الذي أُصدر قبل 25 عاماً، بهدف صياغة نظام شامل يراعي مصالح المستثمرين السعوديين والأجانب على حد سواء.
ومنذ إطلاق رؤية 2030، أصدرت السعودية العديد من الأنظمة كجزء من سلسلة إصلاحات تنظيمية وتشريعية تستهدف تحسين بيئتها الاستثمارية. هذه الأنظمة تعمل جنباً إلى جنب مع نظام الاستثمار، وتشمل أنظمة المعاملات المدنية، والتخصيص، والشركات، والإفلاس، بالإضافة إلى مبادرة إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة، وفق الفالح.
وأشار إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تنفيذ 800 إصلاح اقتصادي بهدف تعزيز التنافسية العالمية للمملكة، وهو ما أسهم في زيادة إجمالي تكوين رأس المال الثابت بنسبة 74% مقارنة بعام 2017، ليصل إلى 300 مليار دولار في عام 2023.
كما ارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر- وفقاً للوزير- بنسبة 61% ما بين 2017 و2023، ليبلغ 215 مليار دولار.
أما تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر فقد شهدت زيادة بنسبة 158% في عام 2023 مقارنة بعام 2017، لتصل إلى 5.14 مليارات دولار، وقد أسهمت هذه المبادرات والتحولات، إلى جانب الحوافز والتسهيلات المتاحة، في تعزيز الاستثمار ضمن بيئة إيجابية وداعمة ومستقرة، بحسب الفالح.