اقتصاد » علاقات واستثمارات

زيارة مرتقبة لمودي.. العلاقات الهندية السعودية نحو آفاق جديدة

في 2025/04/14

وكالات

تتجه العلاقات بين السعودية والهند نحو مزيد من تعزيز مسارات التعاون الثنائي في ظل متغيرات دولية متسارعة، تُعيد رسم التحالفات والشراكات الاقتصادية والسياسية.

يأتي ذلك بينما تسعى نيودلهي إلى تنويع مصادر الطاقة وتعزيز نفوذها في منطقة الخليج، فيما تعمل الرياض على توسيع علاقاتها مع القوى الآسيوية الكبرى بما ينسجم مع مستهدفات "رؤية 2030".

وتمثل زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي المرتقبة للرياض محطة جديدة في مسار التحول النوعي للعلاقات بين البلدين، وهي زيارة تعكس تطور الشراكة الاستراتيجية.

زيارة لتعميق الشراكة

من المتوقع أن يلتقي رئيس الوزراء الهندي، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في خطوة تؤكد استمرار التقارب السياسي والاقتصادي بين البلدين.

وتأتي هذه الزيارة بعد انقطاع دامَ أكثر من 5 سنوات عندما زار مودي السعودية في 28 أكتوبر 2019؛ للمشاركة في منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" الذي استضافته المملكة.

وأشارت قناة (WION) الهندية في 4 أبريل الجاري، إلى أن هذه الزيارة تكتسب أهمية خاصة في ظل دفع نيودلهي المستمر نحو تنفيذ مشروع ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، الذي تُعد السعودية شريكاً رئيسياً فيه.

وشهدت علاقات البلدين محطات بارزة خلال السنوات الأخيرة، حيث زار مودي المملكة عام 2016، وحظي باستقبال رسمي لافت، وتقلد وشاح الملك عبد العزيز، أعلى وسام سعودي، قبل أن تُختتم الزيارة بتوقيع خمس اتفاقيات مهمة، تتعلق بمجالات التعاون الاستخباراتي، وتبادل المعلومات، ودعم الاستثمارات في القطاع الخاص.

من جانبه، كان ولي العهد السعودي قد زار الهند في مناسبتين بارزتين خلال الأعوام الأخيرة، الأولى عام 2019، والثانية في 2023، حيث شدد في كلتا الزيارتين على متانة العلاقات بين البلدين.

وأكد استعداد المملكة للعمل مع الهند على مختلف الأصعدة، وضمن ذلك الأمن، والاقتصاد، والطاقة، إلى جانب التنسيق السياسي في القضايا الإقليمية والدولية.

وقد أثمرت هذه اللقاءات تأسيس مجلس الشراكة الاستراتيجية، ليكون منصة لتنسيق التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وضمنها الأمن، والتجارة، والطاقة، والثقافة.

وفي تصريحات متبادلة، أعرب الطرفان عن تطابق الرؤى تجاه قضايا محورية، أهمها مكافحة التطرف، واستقرار المحيط الهندي، إضافة إلى تعزيز الفرص أمام العمالة الهندية للمساهمة في مشاريع رؤية السعودية 2030.

ويؤكد هذا الزخم في الزيارات رفيعة المستوى أن العلاقات السعودية الهندية لم تعد تقتصر على التبادل التجاري فقط، بل تتجه نحو شراكة شاملة ذات أبعاد استراتيجية طويلة الأمد.

تحول استراتيجي

ويرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور أسعد كاظم شبيب، أن زيارة مودي المرتقبة للرياض تمثل محطة جديدة في مسار تطور العلاقات الهندية السعودية، نحو تجاوز العقبات وإيجاد سبل للتعاون الثنائي المتبادل والمحترم.

ويشير شبيب في حديثه مع "الخليج أونلاين"، إلى أن السعودية، بما تملكه من مقومات اقتصادية واجتماعية وسياسية، تجعلها محط أنظار الهند المتقدمة والفاعلة إقليمياً، والتي تعتبر ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان بعد الصين، مما يخلق توازناً في العلاقة بين البلدين.

وأوضح أن الزيارة تأتي في ظل تطورات مهمة تشهدها العلاقات الثنائية على صعيد التسليح والتعاون الاقتصادي والاستفادة من التكنولوجيا الهندية، حيث تبدو السعودية حريصة على تعميق هذه الأواصر.

ويعتقد أن المباحثات ستركز على القضايا الإقليمية، والعلاقات الثنائية، والتعاون المشترك، والتصدي للهواجس المشتركة التي تهدد الدولتين.

كما لفت إلى هدف محتمل بإنشاء خط هندي سعودي يمر عبر المملكة إلى دول الخليج والمنطقة، مما يمثل أهمية كبيرة في المجالين الاقتصادي والتجاري.

وأكد شبيب أن الهند، بتطورها الاقتصادي والتكنولوجي الملحوظ، تمثل فرصة للسعودية لاستثمار هذه التقنيات المتقدمة لتحقيق أهداف رؤية 2030 للتنمية والتطور.

ويرجح أن تشهد الزيارة تفاهمات كبيرة بين البلدين، خاصة في ظل التوترات بين الولايات المتحدة والصين، أو بين الأولى و"إسرائيل" من جهة، وإيران وحلفائها من جهة أخرى، مشيراً إلى أن "دبلوماسية البلدين الهادئة والمحايدة قد تفتح آفاقاً سياسية ودبلوماسية واقتصادية جديدة لمواجهة التحديات".

وفي ما يتعلق بتأثير الزيارة على نيودلهي، يرى أنها قد تُحدث تحولاً استراتيجياً في السياسة الخارجية الهندية تجاه الخليج، نحو تفاهمات تعاونية موازية لتحالفات كبرى، مما يفتح آفاقاً اقتصادية وتنموية تجعل المنطقة محط أنظار العالم.

تعاون اقتصادي متصاعد

وشهدت العلاقات الاقتصادية بين السعودية والهند نمواً متسارعاً، مدفوعاً برغبة متبادلة في تعميق الشراكة التجارية والاستثمارية.

وفي إطار التعاون الثنائي، فتحت المملكة أبوابها أمام الشركات الهندية، التي تجاوز عددها 400 شركة تنشط في مختلف القطاعات، في حين تعمل نحو 40 شركة سعودية في السوق الهندي، في إطار توسُّع اقتصادي يزداد زخماً عاماً بعد عام.

وتؤكد الأرقام هذا التقارب؛ إذ بلغت صادرات المملكة غير النفطية إلى الهند في عام 2022 أكثر من 30.5 مليار ريال سعودي (نحو 8.13 مليارات دولار)، بينما تجاوزت وارداتها من الهند 34.4 مليار ريال (نحو 9.17 مليارات دولار)، بفائض تجاري بلغ قرابة 3.95 مليارات ريال (نحو 1.05 مليار دولار) لصالح نيودلهي، بحسب وكالة الأنباء السعودية.

ويعزز هذا التبادل مكانة الهند كثاني أكبر شريك تجاري للسعودية، في حين تُعد المملكة خامس أكبر شريك تجاري للهند، وقد سجلت التجارة الثنائية بين البلدين في السنة المالية 2023-2024 نحو 43 مليار دولار أمريكي، بينها صادرات هندية بـ11.56 مليار دولار، وواردات سعودية بـ31.42 مليار دولار.

وفيما يتوسع التعاون، يواصل المستثمرون الهنود ضخ رؤوس الأموال في السوق السعودي، حيث بلغت الاستثمارات الهندية التراكمية نحو 3 مليارات دولار حتى أغسطس 2023، في مؤشر واضح على ثقة متزايدة بفرص النمو والتكامل بين الاقتصادين.

بالجانب الأمني والعسكري، تنامت مجالات التعاون بشكل ملحوظ، مع إجراء مناورات مشتركة برية وبحرية، شملت التمرين البحري الثنائي "الموحد الهندي"، وتمرين "سعد تنسيق 1" البري، ما يعكس ثقة متبادلة ورغبة في تعزيز التنسيق الدفاعي.

وتزامنت المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة مع زيارات رفيعة المستوى بين القيادات العسكرية، في مؤشر على نضج العلاقة في هذا المجال.

أما في قطاع الطاقة، فلا تزال السعودية تلعب دوراً محورياً كمصدر رئيس للنفط والغاز بالنسبة للهند، لا سيما في مجال غاز البترول المسال، الذي شكلت المملكة ما يقرب من خمس وارداته إلى نيودلهي خلال العام المالي 2023-2024.

وعلى صعيد متصل، تشكل الجالية الهندية في المملكة جسراً بشرياً بين البلدين، إذ يتجاوز عدد أفرادها 2.7 مليون نسمة، يسهمون في قطاعات حيوية كالبناء والخدمات والنقل، ما يعزز الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين البلدين.