عمير بن الماس العشيت- عمان اليوم-
انتشرت مشكلة ارتفاع المهور وتكاليف الزواج في المجتمع العماني بشكل كبير ومتسارع وتركت وراءها آثارا سلبية هالكة ومدمرة وخطيرة على مستقبل الفرد والأسرة والمجتمع إلى أن أصبح من الصعب على ذوي الدخل المحدود والمتوسط تلبية متطلبات تكاليف الزواج العصرية والمكلفة إلا عن طريق الاستدانة من البنوك أو جهات أخرى حيث جاءت هذه المشكلة نتيجة لظاهرة ثقافية تربوية حديثة، ساهمت بتوطيدها العديد من أسر المجتمع المتأثرة بالثقافات الأجنبية دون أن تدرك مدى خطورة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والصحية في المستقبل القريب، وكذلك جهلها بالتعاليم الإسلامية السمحة والتقليد الأعمى المفرط الذي سلبهم المقدرة على الوعي والتفكير.
لقد أدت مشكلة ارتفاع المهور وتكاليف الزواج إلى عزوف الشباب عن الزواج وتزايد نسبة العوانس والطلاق والاستدانة والزواج من أجنبيات والوقوع في المحظورات كالمعصية والنزوات، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة تهدد نسيج وكيان مجتمعاتنا المحلية. الجدير بالذكر أن البيانات العامة في السلطنة تشير إلى تزايد نسبة العزاب والعوانس الذين تجاوزوا سن الزواج بشكل خطير مما يتطلب الاهتمام الكامل من قبل المؤسسات المجتمعية للتحرك نحو معالجة هذا الوضع قبل أن يلامس التركيبة الديموغرافية في السلطنة.
إن مشكلة ارتفاع المهور وتكاليف الزواج تتعارض مع الشرع ومع عاداتنا وتقاليدنا العمانية الأصيلة كما ان أجهزة التلفزة والحاسب الآلي والهواتف والتواصل الاجتماعي وغيرها هي الأخرى ساعدت في سرعة انتشار مثل هذه الهرطقات الخاطئة والمشيئة لقيمنا ومبادئنا العمانية وهذا ما يلاحظ في مناسبة الأعراس حيث تشترط أسر العرائس تحضير بناتهم في محلات الكوافير وشراء لهم فساتين زفاف وملابس وحلي باهظة الثمن وإقامة الأعراس في الفنادق والقاعات الفخمة واستعراض العرسان والعرائس أمام المنصة وبين جمهور الحضور وكانهم يقدمون عروض أزياء بالاضافة إلى استئجار فرق موسيقية وفضاء شهر العسل خارج السلطنة أو داخلها، أن هذه التصرفات تكلف العريس مبالغ كبيرة جدا وتغص عليه أكسير حياته الزوجية.
والغريب أن بعض الأهالي صاروا يتباهون بهذه الأعمال المستوردة، ونظرا لحجم هذه المشاكل المتمخضة من جراء ارتفاع المهور وتكاليف الزواج وتحول تصرفات بعض الأسر من الخصوصية إلى العمومية ومنها الأضرار بالصالح العام، لذا فان المشكلة تستحق التدخل المباشر من قبل جهات الاختصاص وان تعتبرها مشكلة وطنية يفترض على الجميع الوقوف ضدها واستئصالها ومحاربتها بشتى الوسائل.
يتكبد العريس خسائر مادية تصل إلى أكثر من عشرين ألف ريال عماني كأقل تقدير حتى يكتمل زواجه الميمون وهو المبلغ الذي من الممكن أن يشترى منه شقة تمليك خاص بأسرته، يتوزع هذا المبلغ على النحو التالي.
في الخطبة الرسمية يقوم العريس بتقديم وتسليم هدية رمزية للعروس وأسرتها تشبه عربون زواج تزيد عن ثلاثة آلاف ريال عماني ثم يدفع أكثر من ستة آلاف ريال عماني مهر للعروس يعقبها تكاليف ولائم العرس واستئجار القاعة والفستان والفرق الموسيقية ومصروفات الكوافير التي من الممكن أن تقدر كلها بأكثر من عشرة آلاف ريال عماني ثم يقوم العريسان بقضاء شهر العسل خارج البلد أو داخلها والذي يكلفه ثلاثة آلاف ريال عماني تقريبا.
هكذا تمارس طقوس الزواج الحديثة في السلطنة وهي قد تكون متباينة بين محافظة وأخرى والتي يغلب على طابعها الغلو والإسراف والتبذير والتباهي والتنافس، الضحية من كل هذه التصرفات هو العريس الذي ستظل حياته الزوجية مهددة نتيجة ملاحقة الدائنين له.
من جانب آخر يلاحظ بعض أولياء الأمور يضعون العراقيل أمام زواج بناتهم بغرض الاستحواذ على رواتبهم أو إجبارهم بتزويجهم من أقاربهم أو أفراد عشائرهم وهذا أمر مخالف ويعاقب عليه الشرع والقانون إضافة إلى حرمان هذه البنت المسكينة من الأولاد والأمومة والبيت الزوجي، كل هذه المشاكل ناجمة من بعض الأسر التي لم تراعِ حقوق أولادها وبناتها الإنسانية والاجتماعية وإنما انجرفوا للأسف وراء المادة والتبجح بالمظاهر الكاذبة والعادات والتقاليد الباطلة. هناك رزمة من الحلول والمقترحات لعلها تساهم في القضاء على مشكلة غلاء المهور وتكاليف الزواج منها تحسين أوضاع الشباب ماديا إنشاء صناديق للزواج في كل الولايات. مشاركة جهات الاختصاص وأعضاء مجلسي الشورى والبلدي وكافة الولاة والشيوخ والعلماء والمثقفين بتسليط الضوء لخطورة هذه المشكلة على المجتمع والتنمية الوطنية.
تشجيع الزواج الجماعي، تنظيم وتخفيض أسعار محلات التجميل والفساتين وصالات وقاعات الزفاف.
يفضل من وزارة الشؤون التنمية إنشاء دائرة خاصة بالزواج تقوم بعملية التعارف والتوفيق بين الراغبين في الزواج، وذلك من خلال استلام السيرة الذاتية الخاصة بهم وبيانات عن أحوالهم المادية، وفي أثناء الموافقة تتكفل الوزارة وبالتنسيق مع المؤسسات المجتمعية بتحمل جزء كبير من تكاليف المهر والزواج، شرط أن يكون تحت إشراف الوزارة نفسها.