مها الشهري- عكاظ السعودية-
قضايا التفريق بين الزوجين على اعتبار عدم كفاءة النسب تفتح النظر على إشكال ثقافي مهم يعاني منه العقل الاجتماعي، برغم تبعاتها السلبية، إذ أخذت تهدد بعض الأسر في استقرارها النفسي والأسري، والغريب في هذه القضية أن الجدل يدور حول مسألة «الزواج» وكأنه شأن يخص من يحيط بأصحاب الشأن، فتصبح الجماعة كلها صاحبة شأن!
كل هذه الممارسات تلغي عن الدين تعدديته وسماحته والمعايير الأساسية التي يؤخذ بها في صلاح الفرد، بينما تسلب من الناس حقهم في التعايش والتعارف وتكرس العنصرية والتمييز وتثير العصبيات القبلية، وتجعل معيار المفاضلة هو النسب، رغم أن الإسلام قد ألغاه في فجره الأول، فأصبح التناسب في مسائل الزواج عبئا على الناس بدلا من أن يكون فرصة للتقارب والوئام.
استنكار كثير من الناس لقضية التفريق بين الزوجين يعتبر مؤشرا إيجابيا يقاس به رفض هذا الانتهاك الإنساني الذي لا يأتي إلا لإرضاء أفكار بائدة، لكن المؤسسات القبلية تقاوم التغيير حتى تصبح أخلاقياتها عبارة عن محور إشكال وعبء على حداثة المجتمع، فنلاحظ في أكثر الآراء الخارجة عن الصندوق محاولات حثيثة في طريقة عرض الرأي تقتضي تجريد التبريرات القبلية من المنطق، مع صعوبة إيجاد بديل أو تعديل يتفق مع المتغيرات الجديدة أو التطلعات المستقبلية، وإن وجد بديل فهو يتطلب الاستناد إلى قواعد حضارية تتناقض مع الأسس القيمية والدعائم التي بنت عليها الجماعات أخلاقياتها، وقد تأخذ حالة من الانقلابات لدى الأفراد على جماعاتهم مستقبلا إذا لم يتم ضبط تفاعلاتها وتوجيهها بتفعيل النظام.
ربما تواجه مجتمعات متأخرة كمجتمعاتنا معوقات كبيرة من أجل تنظيمها، إلا أن للمعتقدات سنّة عامة كأي شيء، تمر بالمتغيرات حتى تشيخ وتنطفئ، سياسية كانت أو اجتماعية أو ثقافية أو غير ذلك، فهي تضطر إلى التحول؛ لتكون أكثر ملاءمة وتابعة للتقلب النفسي الذي يطرأ على أتباعها والبيئات التي تنشأ فيها، ولدينا الكثير من المسائل التي تفرضها الجماعات، ولم تعد تتلاءم مع تطلعات الشباب الواعي، بل إنها تصنف من المزايدات والرهانات الخاسرة، وبالأخص في حالة فقدانها للجدوى أمام أجيال مقبلة على الحياة بشكل يختلف جذريا عن الآباء والأجداد.