ميسون الدخيل- الوطن السعودية-
تابعت قضية محكمة العيينة التي أصدرت حكما مبدئيا بتفرقة الزوجين لعدم تكافؤ النسب، وهذا يعني أن القضية ما زالت في يد القضاء ليحكم حكما نهائيا فيها، وقد تقدم فضيلة الشيخ منصور القفاري المستشار والمتحدث الرسمي لوزارة العدل بتصريح تم خلاله إيضاح موقف القضاء عندنا من مثل هذه القضايا، إذ قال: "... إن المستقر قضاء أن المعتبر في الكفاءة بالنكاح كفاءة الدين وليس النسب، أما امتناع بعض الناس ابتداء عن تزويج من لا يُرضى لنسب ونحوه، فهذا داخل في خيار الناس ورغباتهم،..."، أما ملابسات القضية فهي ليست أمامنا كي نبدي أي شيء غير الرأي فيها، وأشدد على كلمة "الرأي" وليس الحكم، لأن ذلك ليس لنا بل في يد القضاء، رغم أنني في الأساس لست ممن يدعم التفرقة بين الزوجين على مبدأ عدم تكافؤ النسب، لأسباب شرحتها في مقالة سابقة، إلا أن ما يهمني أو يعنيني في هذه القضية بالذات، تأييد البعض على مواقع شبكات التواصل لهذا المبدأ، وهنا أتقدم مرة أخرى برأي مخالف، خاصة أن القضية تمس رجلا من حماة الوطن؛ مرابط على أحد ثغوره!
وقد قلتها يوما وأكررها الآن وغدا وإلى آخر يوم من عمري: "لن أسمح أن تمس شعرة من رأس حماة الوطن"، فكيف أن يكون هذا التعدي على أسرته التي كوّنها وهو في انتظار طفله أن يولد في ربوع وطن أقسم على أن يحميه بروحه ودمه!
إن كان سلاحه بندقية في وجه كل من يهدد أمن وأمان الوطن، فسلاحي قلمي الذي سأبني خلاله جبهة أقف وسطها مدافعة عنه وعن كل جندي ورجل أمن من رجال بلادي، إجلالا وانحناء أمام عظمة عطائهم وبطولة تضحياتهم التي ما هي سوى انعكاس لمدى حبهم وعمق انتمائهم لترابه.
إن جيشنا ورجال الأمن هم أبطال من نسيج بلادي، تتشرف بموقع أقدامهم كل أسرة وكل بيت، هم عماد الوطن وشرفه وعزته وإبائه، هم من يدافع عن الأرض والعرض، رجال نخوة وقمم، نذروا أرواحهم فداء لتراب تخفق له القلوب، وتنبض له الدماء في الأوردة.
إن أبجديتي تعجز عن أن تصور عظيم حقهم في رقابنا، أن تعبر عن حجم تضحياتهم، ومهما قلنا سنظل مقصرين في حقوق من ينتسبون إلى مدرسة الشرف والرجولة، أبعد هذا النسب تبحثون عن نسب؟! وأي نسب؟! يكفيه شرفا ونسبا أنه من حماة الوطن! فالمرابطون على الثغور ورجال الأمن في الداخل سعوديون بامتياز، إنهم عنوان الكرامة والعزة والبطولة، ولا يحق لأحد أن يقلل من شأنهم تحت أي عنوان، يكفيهم شرف راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، يتصدون لأي عدوان من الخارج، ويواجهون الإرهاب أينما ظهر في الداخل، لم يتأخروا يوما، بل لحظة، عن أداء الواجب، باقون على أصلهم، متمسكون بـ"أقسم بالله العظيم، على كتابه الكريم، أن أكون مخلصا لله، مجاهدا في سبيله، عاملا بشريعة الإسلام؛ مطيعا لمليكي، مدافعا عن وطني بكل ما أملك من وسائل؛ وأن أكون سلما لمن سالمهم، وحربا على من حاربهم؛ منفذا لجميع أوامر رؤسائي في غير معصية الله؛ محافظا على سلاحي فوق كل أرض وتحت كل سماء؛ والله على ما أقول شهيد".
هؤلاء من وضعوا حياتهم، وأحلامهم، وأسرهم على قائمة الانتظار، وركزوا على هدف واحد. مجد وأمن بلادهم.
تتحدثون عن النسب؟! أين سيكون نسبكم إن -لا سمح الله- تمكنت "داعش" وأخواتها منكم؟ أين سيكون نسبكم إن بيعت بناتكم سبايا في أسواق النخاسة؟ أين سيكون نسبكم إن قُدمت نساؤكم هدايا للشيشاني والأفغاني والأسترالي والبريطاني وكل شيطان "يائي" من شياطينهم سواء كان من الداخل أو الخارج؟! هل يجرؤ أحد منكم أن يودع أبناءه كل ليلة وهو في مهمة تطهير أو مداهمة وكر إرهابي؟ أن يودع أهله وزوجته وهو لا يعلم إن كان سيعود إليهم؟ هل يتبرع أحدكم أن يفارق مجلسه المريح ويذهب إلى أحد الثغور تحت سماء ظلماء وبرد قارس أو لهيب شمس حارقة ويقف متأهبا لساعات قد تصل إلى أيام متتالية، لا يعلم من أين سيأتيه العدو؟
تتشدقون بالنسب وتنسون أن هنالك من يدفع روحه ثمنا لأن يحفظ لكم النسل! ليكن نسبهم ما يكون وما يشاؤون له أن يكون، فهم إخوتنا في الأرض والعرض، ونسبهم يُشرّف كل نسب!
إن فخرنا لن يتوج إلا من خلال تمسكنا برجال ارتدوا الزي الرسمي مرددين: "لا تخافوا أو تقلقوا نحن بعون الله سوف نحميكم"، هؤلاء الرجال الشجعان يستحقون أن ندعمهم ونحمي أسرهم في غيابهم، فعندما أدوا القسم لم يسأل كل منهم رفيقه ما نسبك، ولم يسأل أبناء وطنه عن أنسابهم، ولهذا من وقف شامخا لحماية الجميع وجب على الجميع أن يقفوا إلى جانبه.
بالله عليكم، في حالة الخطر -لا سمح الله- من تريد أن يقف ويحميك، ذاك الرجل الذي وهب حياته لأجلك، أم ذاك الذي لا يفلح إلا في الكلام والاعتراض والمطالبة بتفريق الأسر؟!
إن سهونا أو نسينا كل يوم أن نبين لهم مدى تقديرنا لتضحياتهم، بأن نكرمهم وهم بيننا، فعلى الأقل لنقدرهم ونكرمهم وهم على ثغر أو حاجز أو حملة أمنية في الداخل أو على الحدود، ونقول لهم: "أهلكم أمانة في رقابنا".