السيد عبد العليم- الوطن العمانية-
” إن كلفة الوليمة تعد من النفقات الكبيرة التي تثقل كاهل كثير من الشباب وتدفع الكثير منهم الى الاستدانة لتحقيق ذلك. مما يمثل عبئا ثقيلا عليه. اذ كيف يبدأ الشاب حياته الأسرية وهو مدين. ثم ان هناك مشاكل تكتنف هذه العادة. فمن المعلوم انه يتم في مثل هذه المناسبات احضار كميات هائلة من الطعام السائب وتوزيعه في المجلس أو السبلة.”
نشرت “الوطن” في عدد الاثنين 4 ابريل الجاري، خبر ذلك الشاب من ولاية بهلاء الذي اكتفى بالقهوة العمانية وتبرع بتكاليف عقد قرانه للأعمال الخيرية. حيث تم عقد قران هذا الشاب في المجلس العام دون ان يصاحب ذلك اي من مظاهر الإسراف. وذلك بان تم الاكتفاء بتقديم القهوة والحلوى العمانية فقط والتبرع بالمبلغ المخصص للوليمة لفريق بهلاء للأعمال الخيرية، فيما تعد بادرة طيبة يجب ابرازها لتكون مثالا يحتذى.
ان كلفة الوليمة تعد من النفقات الكبيرة التي تثقل كاهل كثير من الشباب وتدفع الكثير منهم الى الاستدانة لتحقيق ذلك. مما يمثل عبئا ثقيلا عليه. اذ كيف يبدأ الشاب حياته الأسرية وهو مدين. ثم ان هناك مشاكل تكتنف هذه العادة. فمن المعلوم انه يتم في مثل هذه المناسبات احضار كميات هائلة من الطعام السائب وتوزيعه في المجلس او السبلة. ويكون ذلك بعد صلاة العشاء. وقد تغيرت الأجيال وتبلدت وصار كثير من شباب اليوم ليس كشباب الامس. وذلك من حيث القدرة على التهام كميات كبيرة وانواع معينة من الطعام ـ مثل تلك الوجبة الدسمة ـ والقدرة على هضمها. فقد صار كثير من شباب اليوم يعاني من مشاكل صحية مثل ارتفاع الكوليسترول ومن ضغط الدم وربما السكري وغير ذلك. الامر الذي يحول بينه وبين التهام وجبة دسمة في مثل هذا التوقيت، علما بان تلك الوجبة كانت تتم في السابق بعد الظهر. وبالتالي نرى كثيرا من بقايا هذا الطعام التي تذهب سدى, حسب حالة صاحب العرس. فاذا كان من اصحاب المزارع ذهبت بقايا الطعام الضخمة الى حيواناته، واذا لم يكن كذلك ـ وهو الغالب ـ كان مصيرها صناديق القمامة. الأمر الذي يمثل مأساة بكل المقاييس.
لان هذه نعمة والنعمة جديرة بالشكر والشكر يكون بتقديرها حق قدرها اي بالانتفاع بها على الوجه الصحيح. اما هذا التعامل فهو استهانة وتحقير من شأنها ويدخل في باب عدم شكر النعمة الأمر الذي ينذر بزوالها.”وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ. وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” ابراهيم 7. فهي من النعم التي من الله بها علينا وحذرنا تحذيرا شديدا من التفريط او الاستهانة بها وعدم تأدية حقها على الوجه الاكمل. وضرب الله لنا امثلة في القرآن الكريم لما حدث لأمم لم تحترم النعمة وكيف كانت عقوبتها “وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ” النحل 112. وعندما من الله سبحانه على بني البشر كان منه عليهم بنعمتين هما: نعمة الطعام ونعمة الأمن “الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ” قريش4. كما انذر الله سبحانه بالاستدراج بالنعم والترف “فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ” الأنعام 44.
ومن ثم فان امر الولائم في المناسبات كلها وليس في الاعراس فقط امر خطير وبالغ الاهمية. ويتعين ان يكون هناك تفكير جدي في التعاطي معه وايجاد بدائل وحلول لتلك العادات. فما كان يصلح وينفع منها بالامس، بات يجب اعادة النظر فيه من حيث تطويره او تعديله ليواكب تطورات عالم اليوم. صحيح ان تجميع الاهل والاصدقاء والاحبة لاحياء المناسبات الاجتماعية امرطيب، وهو من العادات المحمودة في بلادنا، شريطة الا يشوب ذلك اشكالا من الاسراف والتبذير المنهي عنه شرعا.
ولعل البداية بالنسبة للأشخاص غير المقتدرين تتمثل في تقليص تلك النفقات والاكتفاء بالحلوى والقهوة. وليس في محاكاة ومجاراة الاغنياء. فلكل واحد رزقه المعلوم وقدراته المالية التي يجب عليه ان ينفق حسبها. ولم يكلف الشرع احدا فوق طاقته، حتى يذهب ويستدين لتقديم وليمة تشبها وتقليدا لمن وهبه الله مالا وفيرا ليبتليه فيه. كما يمكن تقليد هذا الشاب ـ سالف الذكر ـ في هذا التصرف القويم وهو التبرع بمبلغ الوليمة لاعمال الخير. فهذا المسلك نافع له في الدنيا وفي الآخرة، فضلا عن نفعه للمجتمع. اضافة الى ذلك، يجب ان يكون هناك جمعيات خيرية تتولى جمع بقايا تلك الاطعمة وحفظها وتوزيعها على المحتاجين، كما هو الحال بالنسبة للجمعيات الخيرية التي تقوم بجمع الملابس القديمة وتوزيعها على المحتاجين، والتي صارت تنتشر في اغلب الاماكن. اي يجب ان يكون هناك مثل تلك الجمعيات التي يقوم اصحاب المناسبة بالتنسيق معها، لتقوم بجمع هذه البقايا من الأطعمة والتعاطي معها وتوزيعها على المحتاجين.
كما يمكن التفكير بان يتم عمل اطعمة الولائم على شكل وجبات جاهزة فردية، اي لكل فرد. فيتم التعاقد على العدد التقديري المطلوب للحضور ويتم توزيع وجبة من المأكولات جاهزة لكل واحد من الحضور يمكنه تناولها في المجلس او اخذها الى البيت ليأكلها فيما بعد هو او افراد منزله. وبالتالي يتم الاستفادة بها والتخلص من هدر تلك الكميات الهائلة من الاطعمة ـ التي قد يشتهيها كثير من غير المقتدرين ـ والقاءها في صناديق القمامة. كما يمكن فيما بعد تطوير هذه الفكرة بان يتم توزيع وجبات جافة معلبة تحتوي ـ مثلا ـ على أنواع من المخبوزات المحشوة وعصير وماء. كما يمكن التفكير في طرح افكار عملية افضل من ذلك. بما يصب في النهاية في باب احترام وشكر النعمة، فيقترن بذلك رضوان الله وزيادة النعمة والبركة فيها. وعدم اهدارها واهانتها فيترتب على ذلك عقوبة الله. كما ان ذلك من شأنه تحقيق مصلحة الفرد والمجتمع، من خلال التوقف عن الإسراف المفضي في كثير من الاحوال الى الدين بالنسبة للأفراد. وفي نفس الوقت زيادة الطلب على بضاعة لا يتم استهلاكها بالشكل الأمثل فيكون لذلك تبعاته المباشرة وغير المباشرة على فئات اخرى في المجتمع اضافة الى تكديس صناديق المخلفات وزيادة الأعباء في تفريغ ونقل والتعاطي مع تلك المخلفات بالنسبة للجهات المعنية.