الامارات اليوم-
كشفت إحصاءات اتحادية حديثة، صادرة عن محاكم الدولة، عن ارتفاع عدد حالات زواج مواطنين بأجنبيات، خلال العامين الماضيين، بنسبة 29% على مستوى الإمارات، مقارنة بالعامين السابقين عليهما، في حين ترتفع النسبة إلى 57%، من إجمالي حالات الزواج المنعقدة في دبي، خلال الفترة ذاتها، الأمر الذي اعتبر عضو المجلس الوطني، حمد أحمد الرحومي، أنه «يثير المخاوف»، موضحاً أنه «سيفرز آثاراً اجتماعية بالغة الخطورة».
وأكد مسؤولون ومختصون أن «ارتفاع حالات زواج مواطنين بأجنبيات يؤثر سلباً في هوية المجتمع»، شارحين أن له «انعكاسات سلبية على دخل الزوج المواطن، خصوصاً إذا حدث انفصال بينه وبين الزوجة، كما أنه - أي الزوج - يصبح ملوماً من أهله ومجتمعه على زواجه بامرأة غريبة عن بيئته».
وحسب الإحصائية ذاتها، فإن عدد الزيجات بين مواطنين ومواطنات على مستوى الدولة، خلال العامين الماضيين، بلغ 7401 زيجة، مقابل 2159 زيجة لمواطنين بأجنبيات.
وبينت الإحصائية أن عدد عقود الزواج في أبوظبي بلغ 3034 عقداً، منها 874 زيجة بين مواطن وأجنبية، وبلغ عددها في دبي 1158 عقداً، منها 661 زيجة بين مواطن وأجنبية، وبلغ عدد العقود في الشارقة 1283 عقداً، منها 237 زيجة بين مواطن وأجنبية، وبلغ في عجمان 410 عقود، منها 163 حالة زواج بين مواطن وأجنبية. وبلغ العدد في رأس الخيمة 781 عقد زواج، منها 154 عقداً لزواج بين مواطن وأجنبية، وفي الفجيرة بلغ العدد 602 عقد، منها 49 حالة زواج بأجنبية، وفي أم القيوين بلغ العدد 133 عقداً، منها 21 حالة زواج من أجنبية.
وقال الرحومي، لـ«الإمارات اليوم»، إنه لا يطالب بمنع زواج المواطنين بأجنبيات، «فربما كان هناك تكافؤ في الزواج، أو أن المواطن لديه ظروف، أو احتياجات معينة. ويجب ألا ننكر أن لدينا زيجات ناجحة، لكن لا يوجد رصد لها من الجهات المعنية، على الرغم من وجود حاجة فعلية إلى رصدها، خصوصاً من حيث الفئات العمرية، وطرق التعارف بين الطرفين، وهل الزوجة مسلمة أم لا، وهل هي من جنسية عربية أم غير عربية».
وأضاف أن الزوجة ستحصل - بشكل أو بآخر - على دعم مالي من الحكومة الإماراتية، وإذا حدث إنجاب من الزيجة، فإن المولود سيكون إماراتياً، فنتائج هذا الزواج تتمثل في أبناء إماراتيين، ينبغي أن يتكلموا العربية، وأن يعوا ويدركوا عاداتنا وتقاليدنا، وأن يكونوا مسلمين.
وأكد الرحومي أنه لا يسعى إلى التدخل في الحرية الشخصية للمواطنين، ولكن يدعو جهات اتحادية، مثل «صندوق الزواج»، أن تتابع هذه الظاهرة، وتسهم في وضع حلول لها، تضمن راحة المواطنين، ويبدأ ذلك من دور يفترض أن يضطلع به «الصندوق»، قبل عقد القران، وليس بعده، وينبغي ألا يتقلص دور «الصندوق»، حتى يصبح مجرد «كاشير» يصرف الأموال، بعد استيفاء الأوراق المطلوبة.
وكشف الرحومي عن أرقام وحقائق وصفها بـ«الصادمة»، قائلاً: «لدينا في دبي نسبة 57% من حالات الزواج، تمت بين مواطنين وأجنبيات، تليها إمارة عجمان بنسبة 39.8%، ثم العاصمة أبوظبي بنسبة 28.8%، ثم إمارة رأس الخيمة بنسبة 19.7%، فإمارة الشارقة بنسبة 18.5%، ثم إمارة أم القيوين بنسبة 15.9%، وأخيراً إمارة الفجيرة بنسبة 8.1%».
وأكد: «بشكل عام، فإن المواطنين تزوجوا بأجنبيات بنسبة 29.1%، خلال العامين الماضيين».
وتابع: «سنكتشف نتيجة هذا الوضع في غضون السنوات الـ10 المقبلة، فمن الممكن أن يكون لدينا 50% من المواطنين من أمهات أجنبيات، منهن مسلمات وغير مسلمات، عربيات وغير ذلك، وهذا المنتج البشري سيضاف إلى مشكلاتنا المتعلقة بالتركيبة السكانية، والأمر يحتاج فعلاً إلى تدخل آني، يوازيه رصد وتحليل للوضع والأرقام والنتائج المتوقعة، ووضع تصورات وحلول ناجعة».
لكن رئيس قسم الاجتماع في جامعة الإمارات، الدكتور سعد عبدالله الكبيسي، رأى أن «الزواج أمر شخصي، وللمواطن الحق في الاقتران بمن أراد، من أي مكان في العالم، وليس لأحد الحق في أن يحدد له ممن ينبغي أن يتزوج، فهذا شأن خاص».
من جهته، ربط أستاذ الثقافة الإسلامية ومجتمع الإمارات، في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور سيف الجابري، ازدياد ظاهرة زواج مواطنين بأجنبيات، بارتفاع نسبة الطلاق.
وطالب بالعمل على «معالجة هذه المشكلة، من خلال تذليل الصعاب أمام زواج المواطن بالمواطنة، وتسليط الضوء على أن الأجانب هم المستفيدون من تلك الزيجة، فعندما تضع زوجة المواطن أول مولود لها، تحصل على حصانة اجتماعية وقانونية».
وتابع: «أنا بخبرتي الطويلة في الميدان الأسري، كمأذون شرعي، ومصلح اجتماعي، عايشت كثيراً من القصص، ورفضت أن أعقد قران مواطنين على أجنبيات، فقد مرت بي حالات كثيرة لفشل هذا النوع من الزيجات، ولكن المواطن لم ينتبه إلى ما كان ينتظره إلا بعد فوات الأوان». وأكد الجابري: «نصحت مقبلين على الزواج كثيرين، وأسعى بلا ملل إلى إسداء النصح للشباب، وأطلب منهم الاستشارة والاستخارة قبل إتمام الزواج، وآمل من الآباء والأمهات - المغلوبين على أمرهم - الانتباه إلى ارتفاع نسبة العنوسة بين المواطنات، فالأمر مرتبط بزيادة تكاليف الزواج، وليس المهور».
وأكد الجابري أن «مجتمعنا - بانفتاحه العظيم على العالم - يجب ألا يغفل دور الأسرة، وتأكيد هذا الدور، والمرأة إذا خيرت بين الزواج والوظيفة فعليها أن تختار الزواج، لأنه الأصل في المجتمع، ووظيفة المرأة الأصلية هي الأمومة وتكوين أسرة وتربيتها، ولا نريد موظفات، بل نريد أمهات موظفات».
انفتاح المجتمع
من جهة أخرى، قال عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية في جامعة الشارقة، الدكتور أحمد فلاح العموش، إن «زواج المواطن بمواطنة يعزز الهوية الوطنية واللحمة المجتمعية، كما يسهم في ترسيخ القيم والثقافة العربية والإسلامية، ويسد الثغرة في مشكلة تزايد نسبة العنوسة بين المواطنات».
واعتبر العموش أن السبب الرئيس في زيادة نسبة زواج المواطنين بأجنبيات يرجع إلى انفتاح المجتمع، فضلاً عن التكاليف الباهظة للأعراس المحلية، وهو الذي بدأت الحكومة في مواجهته من خلال فكرة الأعراس الجماعية، التي تمثل إحدى أفضل المبادرات الاجتماعية العربية.
ولفت إلى أن «بعض الشباب يكون لديهم تصور مغاير عن المرأة الأجنبية، خصوصاً من بعض الجنسيات، وقد يبدو الزواج سهلاً في البداية، لكن سرعان ما يفرز آثاراً سلبية تضر الأبناء، خصوصاً إذا كان الزواج سبباً في نأي الزوج عن ثقافته الإسلامية والعربية، وابتعاده عن عادات مجتمعه وتقاليده، إذ سرعان ما سيتوق إلى هويته، بينما تحاول الزوجة جره إلى ثقافتها وثقافة مجتمعها، ومن هنا ينشأ صراع حضاري، قد يهدد الأسرة كلها بالتفكك والانهيار».
ودعا الأسر الإماراتية إلى «الاستثمار في الشاب المتعلم، المثقف، بغض النظر عن قدرته المالية، وتيسير إجراءات ومراسم الزواج، في سبيل المحافظة على الهوية الوطنية، وعاداتنا العربية والإسلامية الرصينة، وهي أول الحلول لهذه المشكلة».