تعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أكثر الدول العربية التي تنتشر فيها هواية "التفحيط"، التي يمارس من خلالها الشباب استعراضات جنونية بالسيارات، وهو ما يؤدي لحوادث كبيرة، وخسائر في الأرواح.
ويعتبر التفحيط من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الحوادث في السعودية، إذ إنه يتطلب الكثير من الإلمام والخبرة في فنون القيادة وكيفية التحكم بها.
ومؤخراً نشر في موقع يوتيوب مقطع فيديو لأخطر حوادث السير التي وقعت في المملكة بسبب هذه الهواية القاتلة.
عقوبة التفحيط
وتوقع المملكة عقوبات تتمثل في حجز المركبة خمسة عشر يوماً، وتغريم قائدها ألف ريال سعودي، في المرة الأولى لضبط المفحط، إضافة لإحالته لمحكمة للنظر في تطبيق عقوبة السجن في حقه.
وفي المرة الثانية تحجز المركبة مدة شهر، ويغرم قائدها بألف وخمسمئة ريال، ثم يحال إلى المحكمة.
وفي المرة الثالثة ترتفع الغرامة إلى ألفي ريال، وحجز المركبة، ومن ثم الرفع إلى المحكمة المختصة للنظر في مصادرة المركبة، أو تغريمه بدفع قيمة المثل للمركبة المستأجرة، أو المسروقة، وسجنه.
وتستثنى من عقوبتي الحجز أو المصادرة المركبات المستأجرة والمركبات المسروقة.
ودفع انتشار هذه الظاهرة الحكومة إلى التعجيل في سن تشريعات قانونية لتجريمها.
لكن الجهود الأمنية والتوعوية التي تستهدف الحد من انتشار الظاهرة لم تفلح حتى الآن في مواجهة الظاهرة، التي باتت تشكل قلقاً على الصعيدين الأمني والاجتماعي، بشكل فعال.
وتشير دراسة أعدها باحثان من جامعتي الفيصل وشمال تكساس إلى أن 70% من مراهقي المملكة يعتبرون التفحيط "موهبة"، وأن 95% منهم لديهم الرغبة في تجربة الأنشطة الخطرة رغم معرفتهم مدى خطورتها.
وأوضحت نتائج الدراسة التي أجريت على عدد من المدارس الثانوية في الرياض، ونشرت في "المجلة الدولية لطب الأطفال والمراهقين"، أن الأغلبية العظمى من العينة كانت مؤيدة للسلوكيات التي تتطلب شخصية جريئة، وأن عدم ارتداء حزام الأمان، أو استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة، يرتبطان بسلوكيات القيادة الخطرة.
ووفق الدراسة فإن 40% من الشباب مروا بتجربة التفحيط، فيما شارك 51% في أنشطة خطرة، بينما يعتقد 70% أن التفحيط نشاط مميز، إضافة لتوفر نية تجربة الأنشطة الخطرة لدى 95% ممن شملتهم الدراسة.
انعكاس أخلاقي
عضو الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية، حمد الدوسري، يرى أن الظاهرة لها انعكاسات أخلاقية على المجتمع، واصفاً إياها بـ"جريمة كبرى"؛ لكونها تمثل اعتداء على الأنفس والممتلكات العامة، وترويعاً للناس، إضافة إلى وجود المخدرات في ميدان التفحيط، حسبما نقلت عنه "سكاي نيوز".
وتعتبر كل الهوايات في كفة وهواية "التفحيط" في كفة أخرى؛ من حيث تحولها إلى ظاهرة مقلقة، إضافة لصعوبة تنظيمها، وكثرة ضحاياها، وتجاوزها إلى ترويج مخدرات، وتراشق بالرصاص، وتفاخر بالأنساب.
والتفحيط ليس ظاهرة سعودية فحسب، بل توجد في دول أخرى، ولم يزد عليها بعض الشباب بالسعودية إلا بعدم مراعاتهم لاشتراطات السلامة في مركباتهم عند ممارستها، في وقت يقبل فيه شريحة عريضة من الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي على الفيديوهات التي توثق عمليات التفحيط.
قصص وقتلى
وللتفحيط قصص كثيرة وقتلى أكثر، وأبطالها شباب سعودي يختبئ تحت الألقاب واللثام وهم يمارسون هواية الموت في أماكن غير مهيأة، وبسيارات يفتقدون فيها إلى أبسط وسائل السلامة، لتنقلب عليهم وعلى جمهورهم بأشلاء متطايرة، وجثث متناثرة لا تتجاوز أعمارها العشرين.
أقدم صور التفحيط وأكثرها خطورة تسمى "التفحيط أو الهجولة"، وفيها يقود السائق سيارته بسرعة جنونية، ثم يغير اتجاهها طولاً أو عرضاً في شوارع على أطراف المدن، أو داخل الأحياء.
وأحدثها "التزلج على الإسفلت"، حيث يتزلج الشاب على الإسفلت من دون زلاجات (ألواح) ولا رداء خاص، ثم يمسك باب السيارة خارجاً منها وقدماه بالأرض بسرعة تتجاوز 140 كم في الساعة.
أما أكثرها احترافية قيام مجموعة من الشباب بامتطاء سيارة دفع رباعي والسير بها على إطارين، ثم يقوم من بداخلها باعتلاء جنبها وفك وتركيب إطاراتها دون أن تلامس الأرض.
وأوسطها شهرة صعود الكثبان الرملية المرتفعة بأنواع مختلفة من السيارات، ويسمى بين الشباب بـ"التطعيس".
وفي وقت سابق، دعا عضو لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب في مجلس الشورى السعودي، نجيب الزامل، إلى تنظيم الظاهرة، وإبعاد خطرها إلى ميادين خاصة.
وللتفحيط جمهور من الشباب عريض، تجمعهم سيارة "المفحط"، وتفرقهم سيارة المرور، وهو ما دفع المختصين للدعوة إلى تنظيمها، وتشجيع المستثمرين للخوض فيها، والحد من طاقات الشباب المهدرة.
الأمين العام للمركز الوطني لأبحاث الشباب، نزار الصالح، يرى ضرورة تشجيع المستثمرين لإنشاء الأماكن المناسبة للشباب مع تطبيق القانون.
ويناهز عدد المفحطين الذين يتم القبض عليهم سنوياً الألف مفحط، أغلبهم شباب، أو طلاب.
الشهرة والمغامرة
ويرى استشاري الطب النفسي، فهد المنصور، أن انعدام الرعاية التربوية، والفراغ، والبطالة، تؤدي دوراً مهماً في ذلك.
غير أن مفحطاً تائباً قال: إن "غالبية المفحطين موظفون، أو طلاب مدارس، وكثير من أفراد العسكر مفحطون".
ويتفق الكل على أن الدافع الرئيس هو حب الشهرة، والاستمتاع بالمغامرة، وإدمان نشوة الانتصار.
ومؤخراً نفذت الجهات الأمنية، ممثلة بشعبة مرور بمحافظة وادي الدواسر، حملة ميدانية على أماكن عدة لضبط مخالفة التفحيط، نتج منها الإطاحة بعددٍ من "الدرباوية" أي المفحطين.
وأوضحت "مرور المحافظة"، أن رجال بحث المرور رصدوا عدداً من "الدرباوية" يمارسون التفحيط وتفجير الإطارات في عدة مواقع متفرقة في شرق المحافظة، وتابعت الفرق السرية المخالفين، وأطاحت بعددٍ منهم، وتم ضبط مركباتهم.
وأضافت الشعبة أنه تم حجز عددٍ من مركبات من كانوا يمارسون التفحيط، فيما تم ضبط عددٍ من المركبات المخالفة التي لا تحمل لوحات، وسيتم تطبيق العقوبات الصادرة بحقهم.
وأكدت أن الفرق السرية تقوم بعملها بشكل مستمر وعلى مدار الساعة في متابعته جميع المواقع، مطالباً أولياء الأمور بضرورة متابعة أبنائهم؛ "لأن الأجهزة الأمنية لن تتهاون مع هذه التصرفات، وستتعامل بحزم مع كل من يرتكبها".
الخليج اونلاين-