يستعد أهل الخليج في منتصف رمضان لإحياء عادتهم الرمضانية الموسمية التي ترتكز في ماهيتها ومضمونها وطبيعتها على إدخال السرور والفرحة على الأطفال وذلك بإهدائهم المكسرات والحلويات بعد أن ينشدوا أناشيد خاصة بهذه المناسبة الاجتماعية وتختلف عبارات الأناشيد في القرقيعان بين دول الخليج وشرق المملكة كما أنها تتفق كذلك في بعض العبارات إلا أنها في المجمل تشترك في المباركة للصائمين والدعوة لهم ولأطفالهم بالقبول وطول العمر وحج بيت الله الحرام.
ومقدار البهجة ومدى الفرحة التي تبدو على الأطفال في هذه العادة الاجتماعية أكبر من أن توصف إذ يبدأ الاستعداد للقرقيعان بأنواع من الأزياء الشعبية الخاصة للأطفال من البنين والبنات وتعويدهم على حفظ أنشودة القرقيعان الجميلة في الوقت الذي تستعد فيه البيوت بشكل تلقائي وبسيط في توفير المكسرات والحلويات والهدايا وبعضهم يضيف إليها بعض الأوراق النقدية وغالب من يهتم بالقرقيعان من الأسر هم من رزقوا بطفل أو طفلة في تلك السنة فيكون القرقيعان باسم هذا المولود أو المولودة ثم يضمن هذا الاسم في الأنشودة القرقيعانية المعتادة بعد سؤال أهل البيت عن اسم ولدهم أو ابنتهم.
قديماً كانت تتم خياطة كيس من القماش يشبه الحقيبة ويكون بأشكال وألوان مختلفة يعلقه الأطفال من الجنسين على رقابهم أو أكتافهم ثم يتوجهون مجموعات مختلفة العدد وتكون المجموعة متسقة ومنسجمة إذ تتكون عادة من الإخوة والأخوات والأقارب والجيران.
وظاهرة القرقيعان ظاهرة احتفالية ليلية في منتصف شهر رمضان المبارك وتكون ليوم واحد وهو يوم 14 ليلة 15 من شهر رمضان وقد تمتد لثلاثة أيام فتكون في ليالي 14 و 15 و 16 من الشهر الكريم. ومن الطريف أنه في ليالي القرقيعان الجميلة قد يبلغ الجهد والتعب مبلغه لدى الأطفال بعد ليلة حافلة من التجول البهيج بين بيوت الجيران في الحارات القديمة ويكون أحد المشاغبين من المراهقين الذين لا يسمح لهم بالمشاركة في القرقيعان يراقب الوضع عن كثب وبالمناسبة فالمراهق في الحارات القديمة مضطهد أيما اضطهاد فهو في الشارع يعتبر طفلاً ويعامل كذلك فإذا جاء موسم القرقيعان وحاول المشاركة بالدخول في البيوت والإنشاد مع الأطفال والحصول على بعض الغنائم المهداة قامت النساء بتغطية وجوههن عنه ونهره ومن ثم طرده!، ويبدو لي أن ذلك الضغط الذي يلاقيه هذا المراهق ينعكس عليه سلباً ويولد لديه شعورا مضمرا بالانتقام والتخريب فيتحين الفرصة بعد أن يرى كيس القرقيعان المعلق المكتنز لدى أحد الأطفال فيقوم بحركته الخطافية السريعة فينقض على ذلك الكيس ويخطفه بسرعة ويهرب تاركاً الطفل الكادح يبكي بحسرة على فقدانه لكيسه السمين ونصيبه الثمين.
بعض المراهقين يحلو له الأمر فيشارك في القرقيعان بأنفة وكبرياء فلا ينشد الأنشودة المعروفة ولا يقترب من الأطفال أو يمشي بجوارهم حتى إذا جاء وقت القسمة اقتحم الجموع ليفوز بنصيب الأسد، وقد يزداد الحماس لدى بعض المراهقين بعد شعورهم بلذة الحلويات والمكسرات فيواصلون القرقيعان إلى ما بعد شروق شمس اليوم التالي ولا تسل عن ردود أفعال بعض أصحاب البيوت بعد إيقاظهم من هؤلاء المزعجين.
الآن بدأ القرقيعان يأخذ طابعاً أسرياً محضاً فتجتمع الأسرة الواحدة وخاصة النساء والأطفال في بيت رب الأسرة يلبسون أزياءهم الشعبية الخاصة بهذه المناسبة الاجتماعية الجميلة وتتم الاحتفالية بنكهتها القديمة في صورة حديثة على أن بعض الصور الاحتفالية للقرقيعان تأخذ أحياناً صوراً من المبالغات مثل أن تقام في بعض القاعات الفندقية أو الاستراحات ويؤتى فيها ببعض الممثلين ليقوموا ببعض المشاهد والألعاب الشعبية على الهواء مباشرة والمبالغة كذلك تكون في نوعية القرقيعان وتكلفته التي تزداد وتقل بحسب الرغبة في التقليد والمنافسة والتفرد والتميز عن الآخرين.
القرقيعان عادة اجتماعية تراثية مفعمة بالروعة هدفها إدخال السرور والسعادة والفرح على الأطفال ليس أكثر.
وليد السليم- اليوم السعودية-