بعد حادثة قتل الولدين التوأم "صالح وخالد 18 عاماً" لأمهما – رحمها الله- وشروعهم في قتل والدهما وشقيقهما اللذين أنجاهما الله بقدرته ظهرت كتابات وطلبات واتهامات من كل حدب وصوب. ومما يحيّر أن غالب الكتابات التي تطرّقت للقضيّة كانت في معظمها تحمل اتهامات لبعض المؤسسات أو تأتي ضمن تراشقات التيارات ولكن حتى تظهر المعلومات يبقى كل الكلام عن هذه القضيّة مجانياً بلا معنى. وبعيداً عن كلّ هذا اللغط الذي لا يحل مشكلة ولا يحلّل ظاهرة فإن أفضل وصف لهذه الحادثة أنّها جريمة شنيعة مكتملة الأركان وهي أفظع من أي ذرائعيّة باسم التطرف التي قد تقدّم لمرتكبيها بعض المبررات لخلل نفسي قاد إلى جريمة لا تبرير لها في دين أو خلق.
وفي جرائم قتل الوالدين والأقارب تحديدا لا يمكن قبول الباعث الديني فقط ففي هذه الحوادث غالبا ما يكون المبرر الديني عنوانا يخفي وراءه دوافع نفسيّة وسلوكيّة لا يكشفها إلا المتمرسون في علم النفس الجنائي وبعض المحنكين في التحقيقات الجنائيّة. إنّ هذا النمط الشاذ من الجرائم يعرفه المتخصّصون في علم الجريمة باسم Parricide (جريمة قتل الوالدين أو أحد أفراد الأسرة القريبين) وهي ظاهرة آخذة في الانتشار في كثير من دول العالم ضمن مظاهر الانحرافات في العصر الحديث.
على سبيل المثال كشف المعهد الأسترالي لعلم الجريمة عام 2015 أن معدل قتل الوالدين من قبل الأبناء وصل مستوى جريمة كل شهر في أستراليا ما جعل جريمة قتل الوالدين تحتل المرتبة الثالثة في جرائم الجماعات القرابيّة عندهم. وفي الحالة الأستراليّة كان الأبناء (الذكور) مسؤولين عن 80% من حوادث قتل الآباء وفي 73% من هذه الحوادث كان الأبناء يستخدمون وسائل الطعن حتى الموت.
وفي الولايات المتحدة الأميركيّة التي صدّرت للعالم روائع العصر وأيضا الكثير من تفاهاته يُقتل في المتوسط خمسة من الوالدين أسبوعيّا من قبل أبنائهم. وفي بعض الدارسات الأميركيّة تأتي الأسباب الأسريّة لديهم على رأس أهم الدوافع المؤدية لارتكاب جرائم قتل الوالدين. ويرتكب هذه الجرائم هناك ثلاثة أنواع من الأبناء الأول: من قاسى في طفولته من ضغوط أسريّة، والثاني من يعاني من اختلال عقلي، والثالث: المفرط الدلال والمنعزل اجتماعياً.
لا بد من إدراك نتائج حقيقة أن الشباب في مجتمعنا اليوم لم يعودوا منعزلين عن ثقافات وممارسات شباب العالم. وفي ظل ضعف الدور الأسري من المتوقع أن يتأثر الشباب بما يتعرضون له سلبا وإيجابا. ولهذا نجد قسما كبيرا من شبابنا اليوم يحاولون تحقيق ذواتهم بأي ثمن وعبر أي وسيلة. وهل ظاهرة تسابق الشباب (من الجنسين) على الشهرة والتمرد أحيانا عبر الشبكات الاجتماعيّة إلا ثمرة لهذا التماهي مع الثقافات العالميّة.
إن انتشار التقنيات الحديثة وتأثيرات أفلام العنف والألعاب الإلكترونيّة التي تقدم حلول المشكلات من خلال العنف والقتل والدمار تعد أكبر مغذ للشخصيّة القابلة للانحراف.
وفي نظريات تأثير التعرض للإعلام تؤكد العديد من الدارسات أن غرس القيم والتأثير في السلوك يكون اشد أثرا على المراهقين الذين عادة ما يستعيرون تصرفاتهم من التأثير التراكمي لما يتعرضون له عبر هذه الوسائل.
قال ومضى: لا يحل مشكلاته من لا تسمع إلا آهاته.
فايز الشهري- الرياض السعودية-